التعويد بدلا من التقشف
٢٧ أغسطس ٢٠١٢الفول السوداني محرَم على لوكاس ميشيل ، البالغ 15 عاماً، منذ نعومة أظفاره، فقد كان يشعر منذ طفولته برغبة في التقيؤ عند تناوله الفول السوداني ولو بكميات قليلة جداً. وبقي أمر معاناته من حساسية خاصة ضد الفول السوداني غامضاً وغير معروف عليه وعلى ذويه لفترة طويلة. ويتحدث لوكاس اليوم عن كشف حالته قائلاً: "أتضح الأمر قبل سنتين بشكل جلي ومفاجئ". ويضيف "في ذلك الوقت تناولت في المدرسة قطعة من الشوكلاته مطعمة بالفول السوداني، حيث ساء وضعي أثناء الدرس ما أجبرني على مغادرة الصف". وأزداد وضعه سوءا في الحافلة التي اقلها للذهاب إلى البيت. ويتابع حديثه قائلاً: "اضطررت إلى الاستلقاء على الأرض عند محطة وقوف الحافلة بسبب إصابتي بدوار حاد، وفي داخل الحافة تقيأت".
لكن لوكاس تمكن من الوصول إلى البيت ولو بجهد كبير. وعند زيارته لطبية العائلة نصحت الأخيرة بإجراء اختبار للحساسية. ومن أجل ذلك توجه لوكاس بصحبة والديه إلى مستشفى الشاريته في برلين. وهناك جاء اليقين ليزيح الغموض: لوكاس يعاني من حساسية ضد الفول السوداني. فحتى أقل الكميات من الفول السوداني الموجودة في الكعك أو الشكولاته أو في أي أطعمة أخرى يمكن أن تسبب له في أعراض الحساسية. في الأثناء أصبح الحذر المستمر من تناول الفول السوداني أمراً ضرورياً للغاية. في هذا السياق يقول لوكاس: "علي أن أكون حذراً حتى عند بائع المثلجات". والسبب هو ربما تكون بقايا من مثلجات مطعمة بالفول السوداني عالقة بملعقة البائع والتي قد تسبب ردة فعل عنيفة لدى الصبي اليافع.
التعوَد بدلاً من الامتناع التام
لا يوجد علاج لحساسية الفول السوداني حتى اليوم، لكن ورغم ذلك يمكن للوكاس أن يأمل في تراجع أعراض الحساسية لديه. لوكاس يشارك في دراسة يجريها مستشفى الشاريته بهذا الخصوص منذ عام ونصف، حيث يسعى الباحثون والأطباء إلى تطوير علاج ضد الحساسية من الفول السوداني. وهدف العلاج هو: التعوًد على الحالة بدلاً من الامتناع التام. ويتضمن العلاج المرتقب طريقة خاصة لتناول كميات قليلة جداً من الفول السوداني عن طريق الفم وبالطرق الطبية تحت رقابة المختصين. وتوضح الباحثة الطبية كيرستن باير طريقة العلاج بالقول:" بعلاج المناعة عن طريق الفم نسعى إلى رفع قدرة التحمل إلى أعلى ما يمكن قبل أن تظهر أعراض الحساسية. وهذا يعني، كما تقول الباحثة باير: "قبل العلاج كان المريض يتأثر بالحساسية نتيجة لتناوله واحد بالمائة من أجزاء حبة واحدة من الفول السوداني. ونسعى إلى رفع قدرة المريض إلى درجة يتحمل فيها أكل حبة واحدة كاملة من الفول السوداني وذلك لحمايته من ظهور أعراض الحساسية عن طريق الخطأ".
نجاح الدراسة الرائدة
يشارك حوالي 60 طفلاً في الدراسة الجارية حالياً. في البداية يتناول الأطفال حوالي ميلغرامين من الفول السوداني يومياً ممزوجة بالحلوى من نوع بودينج بالشكولاته. ولضمان نجاح الدراسة يتناول عدد من الأطفال نفس الطعام دون الفول السوداني. ويتم رفع كمية الفول السوداني لدى الأطفال الآخرين كل 14 يوماً إلى أن تصل كمية الفول إلى حوالي 500 ملغ، أي ما يعادل حبة فول سوداني كاملة.
وكانت هناك دراسة واعدة من هذا النوع وبمشاركة 22 طفلاً، كان الهدف منها تعويد الأطفال على تناول الفول السوداني دون مخاطر. والنتيجة كانت مبهرة: "فمن الأطفال الـ22 نجح 14 منهم في أكل حبة فول سوداني كاملة دون ردود فعل"، كما تقول طبية الأطفال كاترينا بلومشن.
وهذه النتيجة تعد فريدة من نوعها في مجال أبحاث مكافحة حساسية الفول السوداني حتى الآن. لكن الباحثين لا يعلمون على ألان عما إذا كان هذا العلاج ناجعاً أيضا بالنسبة للحساسية من مواد غذائية أخرى.
نظام المناعة في حالة تأهب
ويتضح من طريقة العلاج أن نظام المناعة في الجسم يبدأ بالتعوَد على زيادة كمية الفول السوداني المتناول. ويبدو أن الخلايا المعروفة بخلايا T وخلايا أخرى تلعب دوراً في نجاح العلاج. وتتكون خلايا Tمن مجموعة كريات الدم البيض والمعنية بحامية الجسد من أي طارئ. وتقوم هذه الخلايا بفرز مادة زلالية تقاوم مسببات المرض. وعندما يتناول المصابين بحساسية الفول السوداني كمية قليلة منه، يتم تفعيل نظام المناعة وبشكل مضطرب. ولا يعلم الباحثون سبب الاضطراب إلى ألان. بيد أن العلاج الجديد أظهر أن نظام المناعة في الجسد بدا يهدأ تدريجياً. في هذا السياق تقول الطبية كاترينا بلومشن: "لاحظنا في دراستنا الريادية أن الزيادة التدريجية لكمية الفول المتناول من قبل الأطفال ساهمت في دفع خلايا Tإلى الخلود إلى النوم". كما لاحظ الباحثون أن كمية المادة الزلالية التي تسبب الاضطراب في نظام المناعة قد تراجعت هي الأخرى. لكن الباحثين لا يزالون يعملون من أجل كشف المزيد من المعلومات حول هذا الموضوع.
آمال جديدة
وتسعى الدراسة الجديدة الجارية في مستشفى الشاريته توضيح الكثير من الجوانب الغامضة في هذا الموضوع. لكن الواضح لحد الآن هو هذه الدراسة ستؤكد وقبل نهايتها ما توصلت إليه الدراسة الريادية الأولى: ويبدو أن مبدأ التعويد بدلاً من الامتناع ستؤكد عليه هذه الدراسة أيضاً. وإذا صح ذلك، فإنه نبأ سار لكل الذين يعانون من حساسية الفول السوداني الذين يبدو عددهم غير قليل. وتقول الباحثة الطبية كيرستن باير "أن كل من بين 200 طفل هناك طفل واحد يعاني من حساسية الفول السوداني ما يستوجب علاجا كلينيكيا، وفق دراسة أوروبية".
نتيجة مدهشة، فحساسية الفول السوداني لدى الأطفال لم تكن معروفة لدى الباحثين لفترة طويلة. كما أن العلماء لا يعرفون سبب زيادة هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة.
وهكذا انتهت الدراسة بالنسبة لبعض الأطفال المكافحين ضد حساسية الفول السوداني بالنجاح، حيث تراجعت أعراض الحساسية لدى البعض منهم بشكل ملحوظ. لكن طبية الأطفال كاترينا بلومشن تحذر بشكل قاطع من "أن يقوم أحد بالعلاج الذاتي دون رقابة طبية"."لقد بدأنا العلاج بتناول كمية تقدر بواحد من 250 من أجزاء حبة فول واحدة". وهي كمية صغيرة للغاية، يصعب حتى رؤيته ولا يستطيع أحد أن يحدده لوحده في البيت". كما أن مخاطر الإصابة بإعراض الحساسية كبيرة جداً.
لم تظهر على لوكاس ميشيل أي مظاهر أو أعراض جانبية للمرض بعد الدراسة. لوكاس يعتبر مشاركته في الدراسة كانت موفقة للغاية. فهو يستطيع ألان من أكل كمية صغيرة من الفول السوداني دون مشاكل تذكر. لكن تناول الشكولاته المطعمة بالفول السوداني أو حلويات الأطفال المطعمة بالفول السوداني مازالت محرمة عليه.