عماد الدين حسين: شواهد مبشِّرة للاقتصاد المصري
٩ مارس ٢٠١٧يتبين يوما بعد يوم أن التحدي الأكبر والحقيقي الذى يواجه الحكومة المصرية، بل المجتمع بأكمله هو التحدي الاقتصادي الاجتماعي، وإصلاح ما أفسده ترحيل وتأجيل حل المشاكل والأزمات الجوهرية التي تراكمت على مدى العقود الماضية.
صحيح أن هناك تحديات أخرى تتمثل فى التطرف والإرهاب وبعض عمليات العنف، خصوصا في مثلث "رفح والعريش والشيخ زويد" الذي لا تتجاوز مساحته الجغرافية 2% فقط من مساحة محافظة شمال سيناء الحدودية وليس كل شبه جزيرة سيناء أو مصر، وصحيح أنه هناك تحدٍّ مهم يتمثل في ضرورة إصلاح وتغيير الخطاب الديني وهو أمر مرتبط بتحدي العنف والإرهاب.
لكن يظل التحدي الصعب هو الأزمة الاقتصادية الاجتماعية التي تحتاج جهودا كبيرة لحلها أو على الأقل التخفيف من آثارها.
الجديد هذه الأيام أن هناك إشادات كثيرة من وسائل إعلام ومؤسسات اقتصادية دولية كبرى ببرنامج الإصلاح الاقتصادي المصري الذي بدأ فعليا وبقوة فى 3 نوفمبر تشرين ثاني الماضي، حينما تم تحرير سعر صرف العملة المصرية "الجنيه" بالكامل أمام العملات الدولية وفي اليوم نفسه، تمت زيادة أسعار الوقود.
قبل شهور كانت هناك مؤسسات اقتصادية دولية كثيرة تنظر بصورة متشائمة لمستقبل الاقتصاد المصري، لكن هذه النظرة تغيرت الآن وبدأنا نسمع كلمات وعبارات مختلفة. "الأيكونوميست" و"الفاينشيال تايمز" و"بلومبيرغ" ورويترز وصحف دولية كبرى كتبت العديد من التقارير والافتتاحيات تمتدح، ما وصفته بأنه مؤشرات على انفراجة قد تحدث قريبا فى الاقتصاد المصري.
والأهم أن تقارير صندوق النقد والبنك الدوليين عن مصر في الفترة الأخيرة صارت أفضل كثيرا مقارنة بمثلها فى الشهور التي سبقت قرار تعويم الجنيه.
بالطبع هذه التقارير الاخيرة ليست وردية بالكامل، لأن أزمة الاقتصاد المصري لم تنته وماتزال مستمرة. وأغلب الظن أن هناك فترة صعبة سيعاني منها هذا الاقتصاد حتى يقف على قدميه. لكن المؤكد أن هناك ملامح تغير حدثت بالفعل يمكن وصفها بأنها بداية قد تبشر بالخير.
و طبقا لآراء خبراء اقتصاديين كثيرين فإن هناك فرصة مواتية لإصلاح اقتصادي حقيقي، إذا تمت إدارة عملية الإصلاح بكفاءة فنية مصحوبة برؤية سياسية تراعي الحقائق على الأرض، وتلبي متطلبات مؤسسات التمويل الدولية، وفي الوقت نفسه لا تصطدم بالحد الأدنى من معيشة غالبية المواطنين.
قبل التعويم كان الاقتصاد المصري ينزف بشدة من ثقوب مختلفة أهمها دعم الطاقة.
الدعم مايزال مستمرا، لكنه بدأ يشهد انخفاضات جوهرية. أسعار الوقود ارتفعت فى نوفمبر الماضي بنسب تتراوح بين 30 إلى 45 في المائة، وأسعار فواتير الكهرباء ارتفعت بنسب تقول الحكومة إنها لم تتجاوز 50 % طبقا لشرائح الاستهلاك، لكن الكثير من المواطنين يقولون أن نسب الزيادة تتجاوز أحيانا 200%. وشهدت أسعار الغاز ومياه الشرب للمنازل زيادات مختلفة. ومع تطبيق قانون القيمة المضافة ثم تعويم وتحرير الجنيه أمام الدولار، زادت أسعار غالبية السلع سواء كانت أساسية أو غير أساسية وكذلك أسعار الخدمات، الأمر الذي أدى إلى وقف النزيف المستمر بدرجة ملحوظة.
الملف المهم الذى نجحت فيه الحكومة المصرية أيضا، هو انها خفضت بصورة ملحوظة من فاتورة الاستيراد من الخارج، خصوصا للسلع غير الأساسية، وهناك تقارير تتحدث عن تخفيض بمبلغ يصل إلى عشرة مليارات دولار من إجمالي فاتورة استيراد كانت تقترب من تسعين مليار دولار، وتم ذلك بطرق متنوعة مثل اشتراط وجود شهادة من المصنع الأصلي للسلعة فى الخارج، أو صعوبة الحصول على الدولار لتمويل الاستيراد.
ومن حسن حظ الحكومة المصرية ان السياحة بدأت تتعافى نسبيا. صحيح أن السياحة الروسية وتشكل أكثر من 50% من إجمالى السائحين لم تعد حتى الآن، لكن الصورة تحسنت إلى حد كبير مقارنة بالفترة التي تلت حادث إسقاط طائرة الركاب الروسية فى أكتوبر تشرين أول عام 2015. وشهدت مصر عودة ملحوظة للسياحة الأوروبية خصوصا الألمانية، وكذلك من الصين وبعض الدول العربية.
وحسب بيان صدر من البنك المركزي المصري في الثامن من مارس الجاري فان ميزان المدفوعات، الذي يقيس تعاملات الاقتصاد المصري مع العالم الخارجي، حقق فائضا كليا خلال النصف الأول من العام المالي الحالي، بلغ 7 مليارات دولار، مقابل عجز كلي بلغ نحو 3.4 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام المالي الماضي.
وفي نفس البيان قال البنك المركزي إن عجز الميزان التجارى تراجع بنسبة 10.1%، ليبلغ 17.9 مليار دولار، كما ارتفعت إيرادات السياحة خلال الفترة، بنسبة 8.9%، إلى 825.8 مليون دولار، وانخفضت مدفوعات السفر للخارج إلى 636.2 مليون دولار مقابل 1.1 مليار دولار خلال الفترة نفسها..وارتفع صافي الاستثمار الأجنبي المباشر، ليصل إلى 7.4 مليار دولار، مقابل6.1 مليار دولار. والمؤشر السلبي الوحيد في هذا البيان هو تراجع إيرادات قناة السويس إلى 2.5 مليار دولار مقابل 2.6 مليار دولار في نفس الفترة.
وطبقا لبيانات البنك المركزي الصادرة في السادس من مارس آذار الجاري فإن تحويلات المصريين العاملين فى الخارج شهدت زيادة بلغت نسبتها 23% خلال يناير كانون ثاني الماضي، مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي.
وهناك وعود كثيرة من بلدان ومؤسسات دولية بضخ المزيد من الاستثمارات فى شرايين الاقتصاد المصري التى ظلت متيبسة منذ 25 يناير 2011.
كل ما سبق مؤشرات ايجابية للاقتصاد المصري. لكن مرة أخرى تظل مجرد مؤشرات نسبية ومبدئية وتحتاج وقتا لكي يتم ترجمتها على أرض الواقع. أما السؤال الأهم فهو: هل صدور شهادات وإشادات من المؤسسات الدولية أمر مهم للمواطن المصري، أم أن ما يشغل هذا المواطن هو أسعار السلع والخدمات وحياته ومعيشته؟!
هذا هو السؤال المحوري الذى يحتاج إلى إجابة تفصيلية.
عماد الدين حسين، كاتب صحفي مصري
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW