غجر من بلغاريا ورومانيا يبحثون عن حياة أفضل في ألمانيا
٢ مارس ٢٠١٣عندما تشير الساعة في صباح يوم شتوي بارد إلى بضع دقائق بعد السادسة، يجلس عدد من الرجال في مقهى غير مريح في شمال مدينة دورتموند الألمانية. ويسكت الرجال وينظرون إلى شاشة جهاز تلفزيون صغير تغني عليها امرأة في لهفة وولع. ويبلغ سعر القهوة التي تقدمها عاملة المقهى في كؤوس بلاستيكية، نصف يورو.
بعد الظهر ستلعب مجموعة من الرجال الورق، في حين ستحاول مجموعة ثانية منهم الحصول على بعض النقود من آلتين للعب القمار. والمجموعة الثالثة منهم ستنزل إلى الشارع، حيث ستنتظر لمدة ساعات في حالات كثيرة قبل أن تقف سيارة أمامها ويعرض سائقها على الرجال عملا بمقابل متواضع في معظم الحالات. وعليه يقارن كثيرون من سكان دورتموند هؤلاء الرجال بمومسات المدينة.
لا مستقبل في الوطن
"هل تبحث عن عمال"؟، يسأل بائع شاب في كشك صغير رجلا أمام شباك الكشك. وفي إشارة إلى الرجال المنتظرين يقول: "إسألهم ببساطة". وبعد ذلك يتوجه الرجل إلى المقهى، حيث يجري حديثا مع أنجيل تتدخل العاملة البلغارية الشابة فيه بالقول إن أنجيل قادر على كل شيء، ابتداء من الدهن والتوريق وصولا إلى صنع الأثاث. وفي إشارة إلى بقية الرجال في المقهى تضيف العاملة قائلة: "إذا كنت بحاجة إلى المزيد من العمال، فإن أنجيل سينظم ذلك".
كما تقول العاملة، فإن أنجيل ينحدر من بلغاريا، شأنه في ذلك شأن عدد كبير من الرجال الآخرين المنتظرين في المقهى. وكثيرون منهم غجر. وبعضهم الآخر ينحدرون من رومانيا، كما يقول فرانك ميركل من منظمة كاريتاس الخيرية الكاثوليكية، مشيرا إلى أن عددا متزايدا من الغجر انتقلوا إلى دورتموند بعد اعلان الاتحاد الأوربي عام 2007 عن فتح حدوده الشرقية. وعدد كبير من هؤلاء الرجال يفتقرون إلى التعليم، وكثيرون منهم أميون، كما يقول ميركل. ولا يوجد مستقبل لهم في وطنهم.
اكتساب المعاش صعب
"ينجح المعنيون في اكتساب معاشهم بهذا الشكل أو ذاك، ففي ظل البؤس يصبح المرء مبدعا"، يقول فرانك ميركل. ويضيف أن اندماج الغجر في المجتمع الألماني صعب، "فما هو مهم لهم بالدرجة الأولى، هو تأمين وجودهم"، أي أن الأمر هنا يدور قبل كل شيء آخر حول الحصول على كمية كافية من الطعام.
رغم السماح للبلغاريين والرومانيين بالإقامة في ألمانيا، إلا أن الفرص التي تتيحها دول أوربية كثيرة لهم للعمل فيها ستبقى مقيدة حتى مستهل عام 2014، إذ بغض النظر عن المثقفين لا يجوز إلا أن يعملوا لحسابهم الخاص. وكما يقول ميركل: طتتخذ السلطات المختصة إجراءات رقابية مكثفة لاكتشاف العمال غير الشرعيين في مواقع البناء وغيرها من الأماكن. ولذلك يزداد وضع الغجر سوءا".
إشكالية "المنازل المتدهورة"
لا يريد يرغن فالتر من بلدية مدينة دورتموند التحدث عن المقهى في شمال المدينة ومحيطها، حيث يجتمع الباحثون عن العمل من بلغاريا ورومانيا، وإنما يفضل التحدث عن انخفاض الجريمة في المدينة منذ طرد المومسات عام 2011 من شارع الدعارة. وعلاوة على ذلك يشير مدير قسم الأمن والنظام في البلدية إلى أن المدينة أقدمت بنجاح على حل إشكالية "المنازل المتدهورة"، إذ أن عدد هذه المنازل بلغ سابقا حوالي 60 منزلا بلا كهرباء وماء في حالات كثيرة سكنت في غرفها الصغيرة أسر غجرية كبيرة بكاملها. وانخفض عدد هذه المنازل حتى الآن إلى ما يتراوح بين 30 و40 منزلا.
عدد متزايد من المهاجرين ابتداء من عام 2014؟
ابتداء من مستهل عام 2014 سيُسمح للبلغاريين والرومانيين بالعمل في ألمانيا بلا قيود وسيتمتعون علاوة على ذلك بالحق في الحصول على مساعدات اجتماعية. ولذلك يخشى فالتر من تدفق عدد كبير من المهاجرين الجدد إلى ألمانيا. وتحذر المدن الألمانية من "هجرة الفقراء" إليها. إلا أن ميركل يرى أن "البحث عن العمل سيصبح أسهل" إبتداء من السنة القادمة. ويشير ميركل إلى أن عددا متزايدا من المهاجرين البلغاريين والرومانيين في ألمانيا يريدون البقاء في البلاد لأجل طويل، مما يثير الأمل لديه، فإذا ذهب أطفال هؤلاء المهاجرين الى المدرسة، سيتعلمون اللغة الألمانية. وهذا سيسهل اندماجهم الدائم في المجتمع. إلا أن ميركل مقتنع من جهة أخرى، بأن حل مشكلة الهجرة لا يمكن إلا في أوطان المهاجرين، وذلك عن طريق تشجيع اندماج الغجر في مجتمعاتهم وإتاحة فرص تعليم وعمل أكبر لهم.
يريد أنجيل أيضا أن يبدأ قريبا بتعلم اللغة الألمانية في دورة تعليمية، كما تقول عاملة المقهى البلغارية، فبدون معرفة لغة البلد لا يمكن أن يتطور المرء فيه من أي ناحية.