فنانون سودانيون: حرب البرهان وحميدتي ليست معركتنا!
١٦ مايو ٢٠٢٣يُنظر إلى الروائية والقاصة إستِيلّا قايتانُو باعتبارها صوت السودان المعاصر حيث تسرد في أعمالها الأدبية وقصصها ومقالاتها المكتوبة بلغة الضاد تداعيات حرب دامت لأكثر من عشرين عاما ونزوح أثقل كاهل الملايين.
وفي تعليقها على القتال المستعر بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، أدانت ما وصفته بجشع القادة العسكريين ورغبتهم بالبقاء في السلطة. وأضافت "بات قدري أن أعيش فصلا جديدا من هذا الجشع. ما زالت عائلتي هناك وما زلت على اتصال بأصدقائي".
وتعيش إستِيلّا قايتانُو، المواطنة السودانية سابقا والجنوب سودانية حاليا، في بلدة ألمانية صغيرة بعد حصولها على منحة من مركز " PEN" الالماني والخاص بالكُتاب الذين يعيشون في المنفى. ألَّفَت إستِيلّا قايتانُو قصص "زُهورٌ ذابِلَة" أثناء دراستها ما بين عامي 1998 و 2002 حيث وصفت مصير النازحين والفارين من القتال والمعارك الدامية في جنوب السودان ودارفور وجبال النوبة قبل أن ينتهي بهم المطاف في مخيمات اللاجئين قرب الخرطوم. وقالت إن "النزوح يعد تجربة صعبة للغاية، إذ يعني ضرورة العمل على إنقاذ حياتك والهروب إلى مكان آمن، لكن هناك رغبة في العيش حتى في حالة توفر القليل من الماء والغذاء والأدوية."
وفي أعقاب انفصال جنوب السودان عن السودان الأم في عام 2011، جرى استهداف قايتانُو من قبل كيانات قومية وقبلية بسبب نشاطها، فيما تعرضت لحملة كراهية وتلقت تهديدات على وسائل التواصل الاجتماعي وتعرضت لاعتداء جسدي؛ ما دفعها لمغادرة بلادها عام 2021 والانتقال إلى العيش في ألمانيا منذ يوليو/ تموز الماضي.
وكان النزوح مصير والدايها حيث نزحا إلى الشمال في أواخر الستينيات أثناء الحرب الأهليَة ووُلدت هي في الخرطوم عام 1979 ثم انتَقلَت إلى جنوب السودان بعد تقسيم السودان عام 2012.
"ليست معركتنا"
وفي تعليقها على القتال الدائر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، قالت قايتانُو إن هذه الحرب "ليست معركتنا". ويتفق في هذا الرأي الأديب والروائي السوداني عبد العزيز بركة ساكن، قائلا: "الشعب السوداني لا ناقة له ولا جمل في القتال الدائر بين البرهان وحميدتي، فهما جنرالان يقاتلان من أجل الثروة والسلطة".
ويعد ساكن أحد أهم الكتاب المعاصرين في السودان وذاع صيته بعد نشره رواية "مسيح دارفور" عام 2012 التي تسرد فصول الإبادة الجماعية في دارفور والحكم الاستبدادي في كنف نظام عمر البشير. ويعيش ساكن في النمسا منذ عام 2012 وحصل على جائزة "Stadtschreiber von Graz" النمساوية الأدبية لعام 2022/23.
ولا يعتقد ساكن أن القتال في الخرطوم سوف ينتهي في وقت قريب رغم أنه يأمل في أن تكون تنبؤاته خاطئة، لكنه في الوقت نفسه أعرب عن مخاوفه من تدخل أطراف دولية في الصراع الدائر مما يطيل من أمد القتال ويزيد من تعقيداته. وقال إن الطرفين المتصارعين لا يمتلكان القوة الكافية لشن الحرب بمفردهما، مضيفا "ستنهي الحرب في أي وقت من الأوقات في حالة الافتقار إلى الدعم الخارجي." وأضاف "عندما شرعت في كتابة رواياتي، لم يكن يرغب الكثير من الناس في تصديقي حيث بدت الحرب في دارفور وجنوب السودان بعيدة جدا، لذا اعتقد كثيرون أن روياتي ليست سوى مجرد خيال، باستثناء الحكومة السودانية التي طردتني. لكن اليوم، الجميع يعرف أني كُنت محقا".
ومع اتساع وتيرة القتال بين الجنرالين، البرهان وحميدتي، قد يقع الفنانون السودانيون الذين يناضلون من أجل الديمقراطية والعدالة مثل ساكن، في أزمة الاصطفاف إلى جانب طرف على حساب الطرف الآخر.
وتضم القائمة أيضا الفنانة التشكيلية والمهندسة المعمارية آمنة الحسن التي عُرضت أعمالها في معرض "شيرن كونستهالي" في فرانكفورت مطلع العام الجاري. وأشادت مديرة المعرض لاريسا ديانا فورمان بأعمال آمنة، قائلة "تتسم أعمالها بوجود طبقات في إسقاط للواقع المعقد في السودان والنضال من أجل التحرر والتحرير. فيما قامت بإدراج رسوم غرافيتي في إشارة إلى احتجاجات الشوارع".
ومع بداية القتال، تركزت المعارك حول مقار الجيش والقصور الرئاسية والمطار الدولي في الخرطوم، لكنها امتدت إلى المتاحف والأماكن الأثرية في العاصمة السودانية.
ونُقل عن الدكتورة سارة سعيد مديرة متحف التاريخ الطبيعي في الخرطوم قولها: إن المتحف الوطني السوداني الذي تأسس عام 1971 ويضم كنوزا من الآثار النوبية، قد تعرض للقصف، مضيفة أن "المتاحف باتت الآن بلا حراسة لحمايتها في حالة تعرضها لأعمال نهب وتخريب".
المسار الديمقراطي
ومع اتساع رقعة القتال، يشعر مدير معهد غوته في السودان، ماكسيميليان رويتغر، بالأسى حيال ما طرأ على السودان.
وقال إنه في أعقاب ثورة 2019 التي أطاحت بنظام البشير، كان الأمل يسود الجميع مع انتقال السودان من الحكم العسكري إلى الحكم الديمقراطي.
وعلى وقع المعارك، تم إجلاء رويتغر على متن طائرة تابعة للجيش الألماني برفقة مائتي من الرعايا الألمان من الخرطوم قبل أيام قليلة.
وقال في مقابلة إن الفن والثقافة كان يلعبان دورا مهما في المرحلة الانتقالية في السودان، حيث ساهم فنانون مثل آمنة الحسن في تعزيز روح الديمقراطية بأعمالهم الفنية والأدبية فيما وفر معهد غوته منصة هامة للحوار. وأضاف رويتغر "كان عملنا جيدا، لكن التطورات الأخيرة تعد انتكاسة كبيرة في عملية التحول الديمقراطي في البلاد".
أما الروائي السوداني ساكن فيرى أن السودان يذخر بإمكانيات هائلة تؤهله ليكون دولة قوة من الناحية الاقتصادية، مضيفا أن "السودان بلد غني في الواقع. لدينا ما يكفي من الذهب والنفط وموارد أخرى، فضلا عن مساحات شاسعة من الأراضى. لكن قادتنا يستغلون كل شيء لمصلحتهم".
ورغم ذلك، يؤمن ساكن بقوة الكلمة والفن مما يعزز روح التفاؤل، قائلا "هذا ما تبقى لشعبنا".
ستيفان ديغي / م. ع