شيوخ قبائل ليبيا يسعون للعب دور"الحكيم القوي"
١ يونيو ٢٠١٤بعد إجلاء القوات الإيطالية من المدن الساحلية وتمركزهم بالعاصمة طرابلس سنة 1914 إجتمع أعيان ومشايخ القبائل الليبية في مدينة العزيزية وأسسوا كيانا "للمجاهدين" نجح في الدفاع عن الأرض وتنظيم الحياة العامة في غياب أي مؤسسة حكومية، كما تم إقرار مدينة العزيزية عاصمة للجمهورية الليبية آنذاك. وبعد مائة عام وفي ذكرى " يوم إفريقيا" 25 مايو 2014 احتضنت مدينة العزيزية (45 كيلومترا جنوب طرابلس) وجهاء القبائل والمدن الليبية بالاضافة إلى قيادات من الشباب في مشهد رمزي للماضي والمستقبل.
الولوج إلى العزيزية لم يكن بالأمر الهين فالدوريات الأمنية الخاصة بقبيلة "ورشفانة "مستنفرة ومنتشرة لضبط الأمن والتأكد من كل شخص يدخل حدود قبيلتهم وإن كان ليبيا. في بدايات ثورة 17 فيبراير 2011، كان بعض المحللين يعتقدون ان إقامة دولة مدنية ديمقراطية سيؤدي إلى تراجع دور القبيلة إلى أدنى مستوى ممكن، لكن ما يجري في ليبيا اليوم، يدفع المراقبين لرصد مدى حاجة ليبيا إلى دور قبائلها، من أجل تجاوز الأزمة السياسية والأمنية التي تعصف بها، وعلى مدى عقود طويلة كانت القبيلة لاعبا أساسيا في المشهد الليبي، وخلال فترة حكمه تمكن العقيد الراحل معمر القذافي من توظيف دور القبائل من أجل الحفاظ على حكمه مدة أربعة عقود، واتخذها بديلا عن الأحزاب والمؤسسات في النظام السياسي الليبي.
الشباب ينحني أمام "حكمة الشيوخ"
كان إجتماعا مهيبا حضره الشيوخ والوجهاء متكئين على عصا الحكمة ونظمه وسيره شباب متحمس ومندفع أحيانيا، ولكنه ينحني أمام حكمة الشيوخ إذا نطقوا. بعض المتشددين من أنصار القذافي حاولوا في بدايات المؤتمر ترديد بعض الهتافات ولكن وقوف الكبار من مقاعدهم جعلهم يصمتون في الحال دون جدال .
عُقد مؤتمر القبائل والمدن الليبية بمخيم في مدينة العزيزية، خال من راية الاستقلال ولا من أية رايات أخرى، وأمّنه عسكريون لا يحملون شارات كذلك السيارات المسلحة. "لا سبتمبر ولا فبراير نريد تاريخا جديدا يوحد جميع الليبيين" ، إذن القبائل لا تريد أن تتورط في الإنحياز مع أي طرف من أطراف الصراع القائم بين اللواء خليفة حفتر المدعوم من قبل المؤسسة العسكرية، والقبائل في الشرق الليبي والجماعات الإسلامية المدعومة من الحكومة والمؤتمر الوطني.
فقد بدا جليا أن الحاضرين لا يريدون الزج بأنفسهم في الصراع القائم، وأن القبائل الليبية تريد تقديم نفسها على أنها طرف قوي فوق الأرض له رؤية مختلفة للخروج بليبيا من المأزق. إذ أصر الجميع على إعلان رفضهم لما أطلق علية "عملية الكرامة" بقيادة اللواء خليفة حفتر، وهناك من اعتبره "عدوا قد يجلب الاستعمار الامريكي لليبيا."
المؤتمرون ممثلو القبائل الليبية طالبوا بـ"ضرورة سحب أبنائم العسكريين من صفوف اللواء حفتر ومن وزاره الدفاع" لشعورهم بما يعتقدون انه "خطر مؤامرة جديدة تحاك ضد الوطن" ، وقد طالب عدد منهم صراحة "دول الخليج برفع يدها عن ليبيا والتوقف عن دعم المليشيات".
ويخشى مراقبون هنا في حال انجرت ليبيا إلى الحرب وتدخل أجنبي في البلاد، ان تقاتل ابعض لقبائل على الأقل إلى جانب الاسلاميين. ومن جهتها بادرت ميليشيات مدعومة من الاسلاميين باطلاق سراح بعض المعتقلين من المواليين لنظام القذافي بوساطة من بعض القبائل. وقد قال أحد القادة العسكريين: "ما غاب عن البعض هو أن القبائل قاتلت ثمانية أشهر ضد الناتو ليس حبا في معمر القذافي ولكن لأن الناتو طرف أجنبي، ولو انتصرنا كنا سنتوجه مباشرة إلى باب العزيزية ونحمل القذافي مسؤولية اختياراته السيئة لأن معظم وزرائه انشقوا عنه".
هوَة بين القبائل والمؤسسات السياسية
يرصد المتتبع لأجواء وفعاليات مؤتمر شيوخ القبائل الذي شارك فيه زهاء ألفين من شيوخ وأعيان ووجهاء القبائل، وجود هوة كبيرة بين القبائل الليبية والنظام السياسي القائم اليوم، خاصة قبائل ورشفانة وترهونة وورفلة حيث تشكل هذه القبائل أكثر من ثلثي الشعب الليبي، فمشايخ هذه القبائل من خلال ما جاء في كلماتهم اتضح أن توجههم غير مطابق للنهج المطروح للخروج بليبيا من حلبة الصراع والإقتتال والحد من تداعياته على البلدان المغاربية الأخرى.
قبائل أخرى تدعم هذا الرأي مثل قبائل الجنوب الليبي، كالطوارق والتبو وقبائل الغرب الليبي مثل المشاشية والجميل والصيعان والعجيلات وسرت وقبيلة المقارحة التي ينحدر منها عبدالله السنوسي أبرز رجال نظام القذافي وهناك من يصنف هذه القبائل بأنها مازالت موالية لمعمر القذافي.
ومن جهته يحرص اللواء حفتر على رغبته في الحصول على دعم القبائل التي أبدى بعضها تأييدا له، وذلك في الحرب التي يخوضوها ضد"الجماعات الإسلامية المتطرفة" كما يقول.
وفي ظل الاستقطاب المحلي والخارجي حول ليبيا، يخشى محللون هنا ان يتحول الشأن الليبي إلى معظلة اقليمية وربما حتى دولية، اذا "فوت الليبيون فرصة العمل على المصالحة الوطنية التي كانت الشرط الأساسي لمسار ديمقراطي صحيح، لأن الدّرس التاريخي الذي يتكرر هو أن الشعوب لا حل لها سوى المصالحة وتجنب الإقصاء" كما يقول احد المحللين الذين تابعوا مؤتمر شيوخ القبائل في العزيزية.
ويتساءل كثيرون اليوم عن مدى قدرة القبيلة في فرض حكمتها لتجميع كل الليبيين؟ وما يرصده المتابع لمؤتمر شيوخ القبائل أن: "القبائل تظل رقما صعبا في المعادلة الليبية الداخلية ولا يمكن أن تستقر البلاد بدونها، ومن يريد مساعدة الشعب الليبي للخروج من محنته عليه أن لا يغفل القبائل من حساباته". وذلك تفاديا لسيناريوهات "الصوملة أو الأفغنة" التي يحذر خبراء عديدون من سقوط ليبيا فيها، اذا لم يتوصل الفرقاء الليبيون إلى توافق على تسوية سياسية للأزمة العميقة التي تتخبط فيها البلاد.
وفي هذا السياق، دعا شيوخ القبائل إلى "ضرورة تشكيل مجلس أعلى للقبائل لإدارة شؤون البلاد وتخليصها من المجموعات والمليشيات المسلحة وتأمين عودة سالمة للمهجَرين بالداخل والخارج" . ولم يتضح بعد دور هذا المجلس وعما اذا كان بديلا للمؤتمر الوطني (البرلمان) الذي يشدد حفتر على إلغائه. فيما يشكل التقاء بين خطاب حفتر ونتيجة المؤتمر رغم انه لم يعلن صراحة تأييده لحفتر. فيما يؤشر الى استمرار الانقسام في آراء القبائل، الا انها تتفق على لعب دور الوسيط على الأقل.
ويذكر أن الآلاف من الليبيين اضطروا للهجرة وتركوا بيوتهم في بلد مضطرب وغير آمن بين شد وجذب بين رفاق الأمس في ثورة"17فبراير" الذين كانوا في خندق واحد ضد العقيد القذافي. فمنذ سقوط نظام العقيد لم تستقر أحوال البلد بسبب ضعف مؤسسات الدولة وانتشار السلاح وبروز المليشيات المدعومة من قادة الحرب الذين غنموا مدخرات القذافي وأصول الشركات المقدرة بحوالي 200 مليار دولار.