قوى مصر السياسية بين مطرقة "العسكري" وسندان عناصر "الوطني"
١٩ نوفمبر ٢٠١١بعد أن أصبحت مصر ثاني دولة عربية تطيح بالنظام الحاكم فيها ضمن ما بات يعرف بالربيع العربي، فإنها أيضاً ثاني دولة من دول الربيع العربي التي تدخل مرحلة الانتخابات. هذه الانتخابات البرلمانية، التي تعتبر أول انتخابات ديمقراطية وحرة في تاريخها الحديث، ستفضي إلى مجلس تشريعي يتولى مهمة صياغة دستور جديد للبلاد يضع أسس العملية السياسية والديمقراطية مستقبلاً.
لذلك يشهد الشارع المصري تدافعاً كبيراً من كل ألوان الطيف السياسي المصري على هذه الانتخابات، أملاً في أن تصبح جزءاً من المستقبل – سواء تلك الأحزاب التي أسست بعد ثورة 25 يناير، أو القوى "القديمة" التي كانت جزءاً من المنظومة السياسية إبان الحقبة الماضية. لكن قبل فتح أبواب مراكز الاقتراع، تجاهد هذه الأحزاب للتعامل مع إشكاليات الواقع السياسي في مصر، لاسيما فيما يتعلق بالمجلس العسكري الذي يحكم البلاد بصورة مؤقتة، بحسب قوله.
المشهد السياسي والانتخابي المصري وصعوباته حل ضيفاً على قناة "دويتشه فيله عربية"، التي ناقشت هذا الموضوع مع خبراء وساسة مصريين ضمن سلسلة برامجها الحوارية التي تنضوي تحت عنوان "زمن التغيير"، وتعنى بالتحولات في الدول العربية خلال ربيعها الثوري.
وثيقة "السلمي" وإرباك المشهد السياسي
وتزامناً مع اقتراب الانتخابات البرلمانية، أجرى المجلس العسكري تعديلات على ما يعرف بـ"وثيقة المبادئ الدستورية" أثارت الكثير من الجدل والمخاوف لدى الأحزاب المصرية – مخاوف من أن يصبح الجيش فوق الدستور. الوثيقة، المعروفة أيضاً باسم "وثيقة السلمي" نسبة إلى نائب رئيس الوزراء علي السلمي، تضمنت بنداً يعطي الجيش صلاحيات مطلقة في تحديد ميزانيته وإدراجها "رقماً واحداً" في ميزانية الدولة، مما يعني أن البرلمان لن يكون قادراً (أو مخولاً) بمراقبة نفقات الجيش.
وفي هذا السياق يؤكد الدكتور عبد الغفار شكر، وكيل مؤسسي حزب التحالف الشعبي، أن القوى السياسية المصرية وقعت على هذه الوثيقة "كوثيقة استرشادية وليست إلزامية"، مشيراً إلى أن السيد السلمي والمجلس العسكري أقحما هذه الوثيقة على العملية الانتخابية، ما تسبب بـ"قرارات خلقت إرباكاً في العملية السياسية"، حسب قوله.
أما الدكتور محمد البلتاجي، القيادي في حزب الحرية والعدالة المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، فاتهم الوثيقة بأنها "مفتعلة من أجل اختلاق أزمة" قبيل الانتخابات. وأكد البلتاجي أن الأحزاب السياسية المصرية والشعب أيضاً لن يقبلوا بهذه الوثيقة، مضيفاً أن الانتخابات البرلمانية تكتسب الآن أهمية خاصة، لاسيما وأنها "المرحلة الأولى من تسليم السلطة من المجلس العسكري إلى سلطة مدنية، وإنهاء حالة الطوارئ".
كما اتفقت آراء المشاركين في النقاش المفتوح حول هذا الموضوع على صفحة دويتشه فيله على موقع "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي، في أن المجلس العسكري قد لا يقبل بتسليم كامل السلطة إلى كيان مدني منتخب، خاصة فيما يتعلق بأمور الجيش ونفقاته. وقال المستخدم "هانز يوسف إيرنست" إنه ليس "على اقتناع بأن مصر ستصبح دولة ديمقراطية حقيقية. إن هذا ليس في مصلحة الجيش، وربما أيضاً ليس في مصلحة الأحزاب التي سوف تفوز في الانتخابات. ولكن هل هذا في مصلحة شركاء البلد في المنطقة والغرب؟ آمل ذلك، ولكني لست متأكداً تماماً".
أعضاء "الوطني" والترشح للانتخابات
وبالإضافة إلى عقبة وثيقة المبادئ، تواجه المشهد السياسي المصري عقبة أخرى هامة تتمثل في السماح لأعضاء الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم سابقاً بالترشح للانتخابات المقبلة، إذ سمحت المحكمة الإدارية العليا في مصر لهم بذلك، الأمر الذي أثار سخط عدد من القوى السياسية التي كانت تطالب بتطبيق مبدأ العزل السياسي على من تسميهم بـ"فلول النظام السابق".
من جانبه يؤكد عبد الغفار شكر أن حكم المحكمة لا يمكن الاحتجاج عليه، معتبراً أن على الأحزاب الرافضة لترشح أعضاء الحزب الوطني أن تتوجه "إلى المواطنين لتشرح لهم ذلك وتعطيهم الفرصة لمحاسبة النظام السابق من خلال صناديق الاقتراع على ما ارتكبه بحقهم طوال السنوات الماضية".
ويتفق المشاركون في النقاش مع ما يقوله شكر، إذ يعتبر المستخدم "Hany Elsobky" أن على الجميع قبول قرار المحكمة، إلا أنه طالب بما وصفه بـ"لجنة فقهية وقانونية لوضع قواعد قانونية لمحاسبة هؤلاء، فكل شخص حزب وطني أو غير وطني أفسد أو شارك بالإفساد لابد من أن يخضع لقانون عادل". ويقترح المستخدم إنشاء جهاز للشرطة القضائية يتولى مهمة الإشراف على سرعة تطبيق الأحكام التي تصدرها المحاكم.
وفي نهاية الأمر يتفق الجميع على أن الانتخابات البرلمانية المقبلة في مصر ستشكل نقطة حاسمة في تاريخها الحديث، وأن الوصول إلى هذه النقطة سيتطلب تضحيات كبيرة وتعاوناً واحتراماً لمبادئ الديمقراطية والنزاهة. حول ذلك يؤكد الدكتور البلتاجي من حزب الحرية والعدالة أن على المجلس العسكري الالتزام بما أعلن عنه بعد الإطاحة بنظام مبارك، ألا وهو تسليم مقاليد الحكم إلى سلطة مدنية منتخبة من قبل الشعب، وحذر من أن الشعب سيكون له آليات أخرى للتعامل مع المجلس إذا لم يلتزم بذلك.
تحديات عدة تواجه الانتخابات المصرية المقبلة، ما بين مجلس عسكري يتردد في تسليم السلطة، وأعضاء الحزب الحاكم السابق الذين ينوون الترشح، إضافة إلى عقبة التمويل التي تمنع الكثير من الأحزاب الناشئة من الوصول إلى الناخبين، أسوة بتلك التي كانت موجودة قبل الثورة. لكن بعض المراقبين يرون بأن التحديات الحقيقية للمشهد السياسي في مصر ستبدأ بمجرد الإعلان عن نتائج الانتخابات.
ياسر أبو معيلق
مراجعة: يوسف بوفيجلين