كردستان العراق: العائدون من الغرب بين آمال عريضة ومشاكل صادمة
٤ نوفمبر ٢٠١٣قالت إنها كانت تحب كردستان عن بعد لسنوات طويلة وقضت الجزء الأكبر من عمرها في أوروبا. إنها المؤلفة والمنتجة السينمائية بري شالماشي، التي تعيش في كردستان العراق منذ ما يزيد قليلاً عن العام فقط. إنها واحدة من أكراد عديدين من الجيل الثاني الذين يجذبهم مسقط رأس آبائهم، مدفوعين بالشعور بالانتماء والخوف من الركود في أوروبا ، والرغبة في المساعدة في بناء أرض أحلامهم.
منطقة الحكم الذاتي في كردستان تعيش ازدهاراً بعد عقد من سقوط نظام صدام حسين . والمنطقة لها حكومتها وبرلمانها واقتصادها الخاص، ولكن ليست لها عملة خاصة بها. كما يعمل مستثمرون من مختلف أنحاء العالم هناك، والمدينتان الكرديتان أربيل والسليمانية تغيرتا تماماً في غضون سنوات قليلة، وذلك بفضل ازدهار عمليات البناء.
وبدافع من هذا التطور، انتقلت بري شالماشي، التي تبلغ 29 عاماً، من هولندا إلى كردستان العراق. ومع ذلك، فقد صعبت الأمر على نفسها لأن صناعة الأفلام حالياً لا تمثل أولوية بالنسبة للمجتمع الكردي الجديد. وتقول شالماشي: "أريد تصوير فيلم عن الحياة في أربيل". تلقت شالماشي وعوداً بالحصول على ميزانية، إلا أن المسألة طالها التسويف. ومع أنها حصلت على وظيفة، إلأ انها ليست سعيدة بوظيفة معيدة في أكاديمية السينما بأربيل، فكل شيء فاسد جداً، حسب ما تقول. لكن المرء "يضطر إلى تقبل هذا، فعندما أطلب من الطلاب كتابة مقال حول فيلم، يقومون ببساطة بنسخ النص".
وتضيف شالماشي أنها حاولت أن تشرح للعميد أن الطلاب بهذه الطريقة لن يتمكنوا أبداً من الحصول على ماجستير خارج الأكاديمية، إلا أن رده كان: "آخ، أنت والخارج الذي أتيت منه!"
العلاقات تنفع
بعض الزملاء أيضاً ممن لم يغادروا كردستان على الإطلاق يعتبرون بري شالماشي منافسة خطيرة لهم لأنها كانت تسعى للابتكار، حسب ما تقول المخرجة العائدة من هولندا، مضيفة أنهم "جعلوا حياتي جحيماً لا يطاق. إنهم خائفون من فقدان مراكزهم وقاموا بتهميشي بدلاً من إشراكي معهم في تحسين التعليم (بالأكاديمية)."
لذلك، تشعر بري شالماشي بخيبة أمل في كردستان وتقول إن كل شيء يتوقف على معارفك وكيفية استغلال علاقاتك بهم. أما الموهبة فهي شيء ثانوي. وتتابع بالقول: "خبراتي في هولندا ليست مهمة. لقد حذرني البعض من أن أحداً لن يمد لي البساط الأحمر، لكني لم أكن أتوقع أن الأمر سيكون بمثل هذه الصعوبة."
كثير من الشباب الأكراد الأكاديميين القادمين من الغرب يعربون عن شكاوى مماثلة، ويوجه لهم سؤال هو: "أين كنتم عندما كنا نمرّ بأوقات صعبة؟" ويقول بعض الأكراد القادمين من الغرب إنهم لا يحاولون جذب الانتباه، إلا أنه وبسبب تعليمهم العالي، فإنهم مهددون بالتعرض لانتقادات، بل وبالطرد من وظائفهم . ويوجد شعور لدى معظمهم بأنه يُنظر لهم على أنهم تهديد لأنهم أفضل تعليماً من زملائهم الأكراد.
عصابات الأدوية
تجارة الأدوية والمستلزمات الطبية في كردستان العراق تسيطر عليها تقريباً عائلتان متنازعتان. ووجد أرام نفسه في وسط هذه المؤامرة. فعندما تم توقيف حاوية أدوية خاصة به عن نقطة تفتيش في بلده السليمانية، ذهب لحل المشكلة فتم إلقاء القبض عليه ووجهت له تهمة المتاجرة بالمخدرات وألقي به في السجن. ويقول أرام إنه سمع بأن شخصاً دخل السجن لمدة ستة أشهر بسبب بضعة أقراص، مضيفاً: "أما أنا فلدي حاوية كاملة مليئة بالأقراص".
في زنزانته يوجد 33 سجيناً غيره، معظمهم من معتادي الإجرام. ولا يوجد في الزنزانة الصغيرة مكان للنوم. ويقول أرام: "كي نتجنب التعدي علينا كنا نتبادل نوبات الحراسة". وبعد بضعة أيام توقف أرام عن ترديد أنه بريء أمام المسجونين معه. ويتذكر الشاب الكردي: "انضممت إلى المجرمين الكبار ومنحني ذلك وضعاً يسمح لي بالمزيد من الطعام والاتصالات الهاتفية".
وبعد مرور أسبوعين وفشله في الوصول إلى محامية ليخرجه من السجن، تنازل أرام عن كبريائه واتصل برئيسه، الذي اتصل بدوره مع السياسيين المعنيين وأخرجه من السجن في غضون يوم واحد فقط. أما الحاوية التي تحتوي على أدوية يقدر سعرها بـ53 ألف يورو، فبقيت في الشمس طيلة الوقت وتحتم بعد ذلك التخلص منها.
ويؤكد أرام أن المقصود كان هو أخذ الأدوية منه، ويتابع بالقول: "جاءني خطاب فيه أن كل شيء كان على ما يرام، غير أن الأدوية لن يسمح ببيعها بسبب تعرضها للشمس". ويقول أرام إنه لم يتلق اعتذاراً من أحد إطلاقاً، وأن رئيسه رجاه ألا يكبّر المسألة أكبر مما هي.
الوطن الحبيب؟
العثور على أصدقاء جزء آخر من المصاعب التي يواجهها الأكراد القادمون من الغرب. ففي البلاد الغربية كانوا يتحركون في مجتمع مختلط ويذهبون إلى الحانات ويمارسون الرياضة سوياً. لكن المجتمع الكردي منقسم والرجال والنساء يمارسون حياتهم بمعزل عن بعض. ويقول أرام: "إيجاد صديقة لا يكون إلا في السر". كما أن الرجال والنساء لا يختلطون في الحفلات.
أما نيجير هيركي، الذي يبلغ من العمر 23 عاماً، فقد عاد من هولندا إلى كردستان العراق ويشعر أن الأكراد الآخرين لا يفهمونه في غالب الأحوال. ويقول إن العائدين الآخرين يفهمون ما الذي يقصده هنا. فالناس لم يزوروا باريس أبداً، إلا أنهم يبدأون في الحديث عنها، حسب قوله.
وأسس نيجير شبكة تواصل كي يتواصل الأكراد العراقيون العائدون من هولندا مع بعضهم البعض. وقام نيجير بإنشاء صفحة على موقع "فيسبوك" باسم "هولندا في كردستان" كي يساعد العائدون بعضهم البعض.
العمل لتحقيق حلم
وفي نفس الوقت، يقول نيجير إن الأكراد أكثر انفتاحاً من الناس في الغرب و"أنهم أكثر دفئاً وإكراماً للضيف وهذا حولني إلى إنسان إيجابي". في شركة الخدمات التي يعمل بها، يلتقي نيجير خصوصاً مع العائدين والأجانب. وبسبب الشركات العالمية الكثيرة والمهاجرين العائدين، تتحول اللغة الإنجليزية بالتدريج إلى اللغة الثانية، حسب قوله. ويحلم هيركي بتأسيس شركة خاصة به ويعتقد أن بإمكانه تحقيق النجاح في كردستان العراق أكثر من دول أوروبا التي يضربها الكساد. ويختم بقوله: "هذا هو هدفي، لذلك سأبقى هنا".