كفاءات تونسية في ألمانيا: مساهمتنا أثمن من التحويلات المالية
١٧ يونيو ٢٠١٣الملتقى الثالث لتنسيقية الجمعيات التونسية بألمانيا الذي نظمته مؤسسة "جسر تونس بألمانيا"نهاية الأسبوع الماضي بمدينة بون، بحضور كاتب الدولة للهجرة حسين الجزيري شهد نقاشا ساخنا حول العلاقة بين المجتمع المدني والدولة والتأكيد على أن تونس في حاجة لمهاجريها، لكن السؤال يبقى هو كيف ستستفيد بلد ثورة الياسمين من كفاءاتها المقيمة في الخارج.
"في السابق كانت الجمعيات تتحرك بآلة تحكم حسب إرادة الدولة التي لم تكن تسمح لأي جهة بالتحرك خارج إرادتها أو بخلاف سياستها أما الآن بعد الثورة، هناك من يؤكد على ضرورة تحديد العلاقة بين الدولة والجمعيات والحفاظ على استقلالية المجتمع المدني"، كانت هي كلمة هشام المرزوقي القنصل العام لتونس في ألمانيا، عن صعوبة تحديد العلاقة بين الدولة والجمعيات المدنية وحدود عمل كل طرف، ذلك أن "الجمعيات لا يمكن لها أن تنشط دون التعامل مع الإدارة والدولة، وفي نفس الوقت لا يجب أن تكون تابعة للدولة" حسب هشام المرزوقي.
أما التحدي الثاني الذي يطرح، فيكمن في أن تونس تعرف أنها تحتاج لمهاجريها لكنها لا تعرف بأية طريقة يمكن الإستفادة من الكفاءات والخبرات التونسية باستثناء التحويلات المالية لدعم الاقتصاد الوطني، في المقابل فإن التونسيين في ألمانيا يؤكدون على أنهم يملكون أكثر من التحويلات المالية يمكن أن يفيدوا بها بلدهم ويساهموا في تنميته من خلال أفكارهم وتجاربهم.
وبرأي منى علوي الأمينة العامة والمسؤولة عن العلاقات الخارجية في مؤسسة جسر تونس بألمانيا (وهي شبكة تضم جمعيات لخبراء تونسيين في ألمانيا)، فإن هذه المؤسسة تسعى لتنسيق وتنظيم مساهمة النخب والكفاءات التونسية بألمانيا، في بناء تونس ما بعد الثورة. وأشارت علوي إلى ضرورة استقلالية منظمات المجتمع المدني عن الحكومة.
نحو تأسيس علاقة جديدة بين الدولة والمجتمع المدني
"نحن الآن في مرحلة تأسيس تقاليد في العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني وعلى الحكومة أن تقبل بوجود مجتمع مدني مستقل وتقبل بأن تكون هذه الجمعيات بمثابة قوة ضاغطة على الدولة، لأن القرار الوطني ليس بيد الحكومة وحدها ولكن موزع بين العديد من الأطراف ومن ضمنها الجمعيات" يقول حسين الجزيري كاتب الدولة التونسي للهجرة في حوار لـ DW عربية.
وإذا كانت الحكومة التونسية تقول إنها تريد بناء علاقة جديدة مع الجمعيات التونسية أساسها التكامل واحترام الاستقلالية، فإن شبكة الجمعيات التونسية (غير حكومية) في ألمانيا ترى أنه يتوجب على الحكومة أن تعبر عن إرادتها بخطوات فعلية، وهذا ما أكد عليه الباحث التونسي حسن الطرابلسي الذي اعتبر أنه "لا يمكن تحقيق أي تقم في ظل غياب رؤية واضحة لدى الحكومة للتعامل مع المهاجرين وضرورة المتابعة والاستمرارية نحن الآن في الدورة الثالثة من لقاءات شبكة الجمعيات التونسية، والسؤال هو ماذا تحقق للتونسيين في الخارج؟".
وفي رده على ملاحظات عدد من نشطاء المجتمع المدني بشأن، عدم وضوح سياسية الدولة اتجاه المهاجرين وكيف ترى الدولة طبيعة العلاقة بينها وبين المهاجرين، يعزو كاتب الدولة للهجرة هذه المسألة إلى "غياب تقاليد في هذا المجال" وأضاف"نحن الآن نعمل مع الجمعيات التونسية التي نعتبرها جسرا لتوثيق العلاقة بين المهاجرين ووطنهم للحفاظ على مصالح التونسيين في الخارج".
ماذا تريد تونس من أبنائها في ألمانيا؟
"نحن نريد من الحكومة التونسية أن تستفيد منا، لدينا الكثير من الأفكار والطاقات التي يمكن أن تنهض بتونس لكن لحد الآن جميع الخطوات في ملف المهاجرين تسير ببطء وبصورة ضبابية" تقول كوثر وهي فاعلة جمعوية في ألمانيا في تعليقها على عدم وضوح تصور الحكومة للدور الذي يمكن أن يلعبه المهاجرون لصالح بلدهم.
هل الأمر يقتصر فقط على التحويلات المالية لتونس، حيث أن التونسيين في ألمانيا والذين يقدرون بحوالي 85 ألف حسب الأرقام الرسمية يحتلون المرتبة الثانية(بعد فرنسا) في التحويلات المالية إلى تونس، أم أن الحكومة جادة في الاستفادة من الكفاءات التونسية، "الدولة التونسية تعتبر التونسيين في ألمانيا قوة بناء للوطن من خلال دعم العملية التنموية في تونس كما أن الاقتصاد التونسي يعول كثيرا على التونسيين في الخارج"، يقول كاتب الدولة التونسي للهجرة.
فدعم الاقتصاد الوطني هو من أهم ما تحتاجه تونس في الوقت الراهن من التونسيين المقيمين في الخارج، خاصة في ألمانيا نظرا لطبيعة العلاقة التي أصبحت تجمع بين البلدين والتي وصفها الوزير في حواره مع DW بأنها "علاقة نموذجية ونوعية لأن دعم ألمانيا للثورة التونسية هو دعم حقيقي وفاعل اقتصاديا وسياسيا، وألمانيا أبلغتنا في أكثر من مناسبة أنها تدعم التجربة الديمقراطية التونسية من دون شروط".
مجلس الهجرة... بين توفر الإرادة وأزمة الثقة
ويشكل النواب الذين انتخبوا في الخارج 10 في المائة من أعضاء المجلس التأسيسي، بيد أن تمثيلهم في مؤسسات النظام السياسي الذي سينبثق عن الدستور الجديد(قيد الاعداد في المجلس التأسيسي) ما يزال قيد النقاش. وبدوره المجلس الأعلى الاستشاري للهجرة الذي يجري حاليا التشاور بشأن تأسيسه وتسعى الحكومة التونسية لسن قانون بصدهه في غضون الأسابيع القليلة المقبلة، كما أكد ذلك الوزير حسين الجزيري، ما تزال تعترضه العديد من المعيقات أهمها الخوف من أن يمثل هذا المجلس تيارا سياسيا بعينه ويقصي الآخرين.
لذلك فبالنسبة للخبيرة التونسية، اعتدال بربورة المكلفة بالإعداد لهذا المجلس "يجب توفر الثقة وأنا عملي هو أن تكون جميع أطياف المهاجرين ممثلة في هذا المجلس" .
وأضافت أنها تعمل"على أن تصل المعلومة كاملة إلى جميع التونسيين بالخارج من خلال الاعتماد على جميع وسائل الإتصال الحديثة، لكن هذا لن يكفي لذلك فنحن نعول على عمل الجمعيات التونسية في الخارج حتى نصل لأكبر عدد من التونسيين". التعويل على الجمعيات والكفاءات التونسية يتطلب بالضرورة إقناع هذه الأخيرة بأهمية هذا المشروع وكيف سيكون مفيدا للتونسيين بالخارج، خاصة وأن المهاجرين وعلى مر السنوات السابقة تعودوا على ألا يعلقوا آمالا كبيرة على المؤسسات والهيئات الحكومية.
لذلك فقد أكدت اعتماد بربورة في حوارها مع DW عربية أن "أزمة الثقة تأخذ الكثير من الوقت والجهد حتى أستطيع إقناع الناس بأن هذا المشروع هو مشروع وطني في صالح التونسيين، أنا أريد أن أبقى قريبة من الناس والعمل بشفافية والمهم عندي هو أن تصل المعلومة إلى جميع المهاجرين التونسيين وبعد ذلك فأمر الانخراط في المشروع مرتبط بمدى وعي كل فرد بحساسية المرحلة التي تمر منها تونس".