كيف ينظر اللبنانيون إلى مشاركة حزب الله في القتال في سوريا؟
٢٨ مايو ٢٠١٣الثالث عشر من حزيران/يونيو 2012. مقر رئاسة الجمهورية اللبنانية في بعبدا على موعد مع إعلان استثنائي. كل الكتل الحزبية حاضرة. الجميع تحلق حول طاولة حوار برئاسة رئيس البلاد ميشال سليمان، وعلى جدول النقاشات بنود ينبغي لها أن تُحصّن الداخل اللبناني من تداعيات الأزمة السورية والفتن الطائفية، فكان أن اتفق الحاضرون على ورقة أسموها: "إعلانَ بعبدا".
...يومذاك، شَخَصَت في مخيلة اللبنانيين بعضُ التحركات الأمنية لـ"حزبِ الله" كمكون لبناني "مرتبط بأجندات خارجية". "إعلان بعبدا" أشار إلى ذلك في المادة 12 التي نصت على "تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية حرصاً على مصلحته العليا وسلمه الأهلي (...)"، إضافة إلى المادة 13 التي تؤكد "الحرص على عدم استعمال لبنان ممرا أو مقرا أو منطلقا لتهريب السلاح والمسلحين (...)".
سنة تقريبا مرّت على الإعلان. وقتذاك لم تكن قد اشتعلت جبهة القصير، كما لم يكن حزب الله منغمسا كعنصر رئيس في معارك خارج لبنان. اليوم اختلفت الصورة؛ حزب الله يقاتل جهارا إلى جانب النظام السوري، وقتلى الحزب يُشيعون يوميا في أكثر من منطقة... وهو ما يثير جدالا داخليا، ويطرح تساؤلات حول الالتزام بـ "إعلان بعبدا".
"المقاومة أسمى من الغرق في الفتنة"
"لبنان يمر بفترة صعبة جدا جراء ما يحيط به"، يقول "حسين" (شيعي)، ويسأل: "لماذا تغرق المقاومة في رمال الفتنة السنية-الشيعية، أليس من حقنا كلبنانيين أن نحيا بسلام؟". برأي حسين، فأن "صورة حزب الله باتت مشوهةً لبنانيا وعربيا نتيجة قتاله في سوريا، وقد تحول الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، من بطل عربي بعد حرب تموز/ يوليو 2006 ضد إسرائيل، إلى مأجور لدى النظام الإجرامي في دمشق وينفذ أجندات الولي الفقيه في إيران".
ليست المعادلة على هذا النحو عند "فيصل الأشمر" ، من الطائفة الشيعية أيضا، الذي يُخالف "حسين" الرأي، مشيرا إلى أن "معارك حزب الله وجها لوجه مع إسرائيل، مصدر فخر للبنان، ومن حق الحزب القتال في منطقة تشكل ممرا إستراتيجيا لسلاحه، فلو أنتصر الجيش السوري الحر لتوقف الإمداد العسكري. المسألة مسألة حياة أو موت".
"معجزة إلهية"
في اليوم الخامس والعشرين من أيار/ مايو من كل عام، يحيي اللبنانيون الذكرى السنوية لتحرير الجنوب اللبناني. وفي المناسبة في هذا العام، تمنى المواطن "وفيق محسن" في حديثه لـ DW لو أن "السيد نصر الله فاجأ اللبنانيين بإعلان انسحاب عناصر حزبه من سوريا تجنبا للفتنة وتثبيتا للسلم الداخلي". فعقب أحمد، وهو من الطائفة السنية، قائلا: إن "إعلانا كهذا سيكون معجزة إلهية"، في إشارة إلى استحالة سحب عناصر الحزب، وإلى ما كان يسميه نصر الله "نصر إلهي على إسرائيل".
ولمناسبة الذكرى الثالثة عشرة للتحرير، وجه الرئيس اللبناني ميشال سليمان كلمة، انتقد فيها ضمنا "تورط حزب الله في القتال في سوريا". كلام سليمان أثار موجة تعليقات مؤيدة ومعارضة على مواقع التواصل الاجتماعي. فعلق علي الخنسا (شيعي) قائلا: "عشية الانتصار التاريخي في 25 أيار 2000 اتهم الرئيس سليمان المقاومة، فأين يمكن أن نكون اليوم، لولا انتصار 2000 و 2006...أين؟ وكل القرارات التي لا تكون بمستوى المقاومة لن تكون قرارات تستحق التقدير والولاء". علي يفتح بذلك نقاشا حول القوانين الإنتخابية التي يُمكن أن تُقر بعيدا من مصلحة حزب الله كمقاومة"، خصوصا ولبنان يستعد للاستحقاق الانتخابي في حزيران/يوليوالمقبل. بينما علق علي خليفة قائلا: "أخيرا بات في لبنان رئيسا جريئا يرفع الصوت في وجه تصرفات حزب الله وسوريا.. نحن معك يا رئيس".
ويتضح في ما سبق أن هناك دلالة على فرز واضح داخل الطائفة الشيعية بشأن تدخل حزب الله في معارك القصير. وثمة من هو مقتنع تماما بالتدخل رابطا ذلك بالاستراتيجيات العليا للحزب، وثمة من ينتقد، مثل "غسان"، الذي يرى أن "ما يحمي لبنان هو إعلان بعبدا الذي نص على الحياد". وبين هذا الرأي وذاك يغيب الرأي الوسط، فليس هناك من هو مع وضد التدخل في آن، حتى "أشد مؤيدي حزب الله من المسيحيين، أي التيار الوطني الحر الذي يتزعمه ميشال عون، بات ينتقد تدخل الحزب في القصير"، كما يقول شادي، وهو مواطن "شيعي على الهوية، وطنيّ بالدم"، كما يُقدّم نفسه لـ DW.
يُعرف عن اللبنانيين متابعتهم الدقيقة للسياسة. هم يتحدثون بكل تفاصيل الأحداث. يحللون، يناقشون، يتفقون أو يختلفون. ما يقلقهم هو الانعكاس المباشر للحدث السوري على بلدهم. ففي مدينة صيدا بجنوب بيروت، كادت عملية دفن أحد مقاتلي حزب الله، ممن سقطوا في القصير، أن تشعل فتنة سنية ـ شيعية، لولا تدخلُ القوى الأمنية. صيدا، ذات الغالبية السنية، تنتقد بشدة قتال حزب الله، و"هي ليست على استعداد لدفن عملاء حزب الله"، بحسب تعبير عمر في حديثه مع DW عربية، وهو ابن المدينة، ويُعِدُّ نفسه من المتعصبين سنيا. والأمر مشابه في مدينة طرابلس بشمال بيروت، حيث باتت المدينة تشهد بين الحين والآخر قتالا تُستخدم فيه القذائف ويسقط قتلى بين منطقة جبل محسن، العلوية والمؤيدة للنظام السوري، ومنطقة باب التبانة، السنية، أحداث دموية تظهر مدى انعكاس الحدث السوري على الداخل اللبناني بشكل مباشر.
ومن بين المنتقدين لمشاركة حزب الله في القتال في القصير أيضا، رجال دين شيعة، منهم العلامة الشيخ علي الأمين. ويُنقل عنه تأكيده أن "حديث الأمين العام لحزب الله عن الدفاع عن مقام السيدة زينب في دمشق هو استغلال لجانب ديني في مشروع سياسي". وفي معرض انتقاده أيضا يقول الأمين: "إن أرض الجهاد للشيعة تكون في الأوطان وليس في سوريا"، ويضيف: "جهادنا في لبنان هو لبناء وطننا وعيشنا المشترك ووحدتنا الوطنية".
...كثيرة هي أعداد ضحايا حزب الله من المشاركين في القتال في سوريا. ودرجت العادة، أن ينعي حزب الله "الشهيد الذي قضى أثناء تأديته واجبه الجهادي"، من دون تفاصيل إضافية، لكن "السر" لم يعد سراً... القتلى يسقطون صامتين، والجدال الداخلي ما زال حيويا.