لبنان: من الحرب الأهلية إلى الحرب الباردة
يشهد اليوم الذكرى الثلاثين على اندلاع شرارة الحرب الأهلية في لبنان، وحتى بعد مرور خمسة عشر عاماً على نهاية الحرب لا يمكن وصف الشأن اللبناني بأنه عاد إلى حالته الطبيعية وتعافى من آثار الحرب. فذكرى اندلاع الحرب الأهلية تتزامن هذا العام مع ذكرى مرور قرابة شهرين على حادثة اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري(14 فبراير/شباط)، وهي الحادثة التي جرت لبنان إلى نفق مظلم لم تخرج منه حتى اليوم. وعادت أشباح الحرب تطل من جديد برأسها، خاصةً بعد الانفجارات الغامضة التي هزت الأحياء المسيحية في بيروت وضواحيها. ورغم تمسك جميع الأطياف بالعمل على تجنب الانزلاق في هاوية المواجهات العسكرية يطرح الوضع اللبناني الجديد مزيداً من الأسئلة والتعقيدات. ومن أهم النتائج التي أسفرت عنها حادثة الاغتيال هي زيادة الضغط الدولي على سوريا لسحب قواتها من لبنان، وهو ما رضخت له سوريا وأعلنت خروج كافة أجهزتها العسكرية بانتهاء الشهر الحالي. فإلى أي مدى سيساعد هذا القرار في الوصول بالسفينة اللبنانية إلى بر الأمان، خاصة وأن لبنان اليوم بدون حكومة ومقبلة على انتخابات محلية في شهر مايو/آذار القادم؟. الدلائل لا تبشر بخير.
44 يوماً بدون حكومة
بعد مشاورات ماراثونية بين أقطاب الحكم في لبنان، فشل عمر كرامي في إعلان ميلاد الحكومة المؤقتة التي طال انتظارها لكي تنظم سير الانتخابات القادمة. ويبدو أن مصير الحكومة أصبح مفتوحا على كل الاحتمالات وفق معلومات متناقضة عن تعليق المشاورات بشأنها واستكمالها. ودلت تصريحات المسئولين اللبنانيين على أن هناك عقبتان رئيسيتان العقبة الأولي التي تقف عقبة أمام المتحاورين هي القانون المنظم للانتخابات. ففي حين يريد الرئيس اللبناني لحود ووزير الداخلية في الحكومة المستقيلة سليمان فرنجية إجراء الانتخابات على أساس الدائرة الصغرى (القضاء)، تتمسك أطراف أخرى بإجرائها على أساس المحافظة والنسبية.
أما العقبة الثانية فهي خلافات في صفوف الموالين لسوريا على الحقائب الوزارية والحصص. يذكر بان كرامي كان يعتزم الاعتذار عن تشكيل الحكومة في 30 مارس / آذار ثم تراجع تلبية لطلب لقاء عين التينة، الذي يضم رسميين وأحزابا وشخصيات موالية لسوريا، وهو من أعضائه. لذلك ينتظر أن تخرج الحكومة في حالة تشكيلها حكومةً مواليةً لسوريا. إلا أن التأخير في تشكيل الحكومة يزيد من الشكوك في إمكانية عقد الانتخابات في موعدها مما يفتح الوضع اللبناني على كل الاحتمالات خاصة وأن عقد الانتخابات في موعدها هو مطلب رئيسي للمعارضة.
هل سينتعش الاقتصاد اللبناني حقاً بعد خروج العمال السوريين؟
لا يزال الاقتصاد اللبناني يعاني تبعات حاثة اغتيال الحريري، فلقد قل إقبال السياح على مدينة بيروت بسبب عدم استقرار الحالة الأمنية، وأصيب قطاع المطاعم والفنادق بتراجع حاد في أرباحها وصل إلى نسبة 90 بالمائة، مما أدى إلى إغلاق العديد منها. وفضل السياح القادمون من دول الخليج الذهاب إلى الأردن هذا العام لقلقهم من انفجارات محتملة في بيروت، فبقيت الفنادق والمطاعم التي تستقبلهم كل عام خاوية. اما قلب بيروت فلم يعد عامراً بالحركة كالمعتاد، بل مغلقاً معظم الوقت بسبب المظاهرات الكبيرة المتكررة تارةً للمطالبة بنهاية النفوذ السوري وتارةً للمطالبة ببقاء النفوذ السوري. ونظراً لعدم الإقبال على المحال والبوتيكات اشتعلت في العاصمة اللبنانية حرب أسعار شديدة من أجل جذب المواطن العادي الذي كان عادةً بعيداً عن دائرة اهتمام مثل هذه المحال الثرية، غير أن عدد من يقبل على الشراء لا يكفي لتحريك حركة التجارة الراكدة.
رؤوس الأموال والاستقرار الداخلي صنوان لا يفترقان. فلا يوجد قطاع يعاني من أزمة أشد من قطاع البنوك اللبنانية. فالأموال بدأت تتسلل خارج البنوك بحثاً عن منطقة أخرى أكثر أمناً. والحالة الاقتصادية اللبنانية هي في أسوأ أحوالها، فلقد بلغ حجم الديون رقماً فلكياً يقدر بـ 36 مليار دولار، وسيزيد من سوءها هروب المستثمرين في الوقت الحالي، وعدم قدرة الإدارة البيروقراطية على اجتذابهم مرة أخرى.
وقد سرت توقعات بأن الحالة الاقتصادية ستنتعش بعد خروج القوات السورية مصحوبة بما يقدر بنصف مليون عامل سوري، حيث سيتوافر المزيد من أماكن العمل الشاغرة. غير أن الكثير من المراقبين يبدي تحفظه على هذه التوقعات، فأولاً العمال السوريون يقومون بالأعمال التي لا يرضى اللبنانيون بالقيام بها، ثانياً أن العامل السوري يقبل بأجر متواضع يقل بكثير عن الذي يتقاضاه العامل اللبناني. لذلك فالأمل بانتعاش سريع بعد خروج السوريين تنقصه الواقعية إلى حد كبير.