"لم أستقل وإنما أعلنت تأييدي لمطالب الشعب بالتغيير"
٢٢ مارس ٢٠١١نفى السفير اليمني لدى ألمانيا، محمد لطف الأرياني، أن تكون الرسالة التي وجهها مع عدد من سفراء اليمن في عواصم أوروبية أخرى، تعني استقالته، وقال في حوار مع دويتشه فيله من مكتبه في مقر السفارة اليمنية في برلين "لم أستقل وإنما أعلنت تأييدي لمطالب الشعب بالتغيير" وأضاف "لازلنا نمثل الدولة اليمنية ومصالح الشعب اليمني".
وأوضح السفير الأرياني الأسباب التي دفعته وعدد آخر من السفراء إلى توجيه رسالة إلى الرئيس علي عبد الله صالح الذي يطالبه المحتجون بالتنحي فورا عن السلطة، وأعرب السفير الأرياني عن أمله بأن تسفر المبادرة التي قدمتها السعودية مع شخصيات يمنية لنزع فتيل الأزمة وحقن دماء اليمنيين، وأشار إلى أنه يتفق مع الرأي القائل بأن اليمن تحدق به أخطار جمَّةٌ.
وفيما يلي نص الحوار مع السفير محمد لطف الأرياني:
دويتشه فيله: هل تلقيتم ردا من الرئاسة أو الخارجية اليمنية على رسالة الاستقالة التي وجهتموها مع عدد من السفراء اليمنيين في أوروبا؟
السفير محمد لطف الأرياني: ما دفعنا إلى هذه الخطوة هو الحرص على دماء الشعب اليمني والتجاوب مع المطالب المشروعة للشباب والجماهير اليمنية. ونحن طالبنا الرئيس بالتداول السلمي للسلطة والتعجيل بذلك، من منطلق هذا الحرص والرغبة في أن تنتهي الأزمة التي يمر بها الشعب اليمني بشكل سلمي. ولا شك أن تفاعلات الموقف في هذه الأيام سترينا كيف سيكون التجاوب مع هذه المطالب. وفي حقيقة الأمرهناك مجموعة من السفراء طلبوا هذه الأمور.
تقولون عدد من السفراء وجهوا مطالب في هذا الشأن، يعني أن الرئيس صالح ليس لديه من يمثله في عدد من العواصم المهمة، فهل تلقيتم منه أي إشارة ردا على رسالتكم؟
أود أن أوضح أننا لم نستقل من مهامنا ولازلنا نمثل الدولة اليمنية ومصالح الشعب اليمني. ونحن نقوم بأعمالنا ولم نستقل من مهمة القيام بها. وإنما كان لدينا رأي منطلقه الحرص على دماء اليمنيين، وعبرنا عنه من خلال رسالة توجهنا بها إلى فخامة الرئيس. فأنا لم أستقل وإنما أعلنت تأييدي لمطالب الشعب بالتغيير.
ألم يصلكم منه أي رد فعل؟
لحد الآن لا توجد ردود فعل عن هذه الرسائل بالذات، وإنما هنالك في التفاعلات الجارية على الساحة الآن توجهات لحل قد يكون متضمنا لهذا الأمر، ولكن بعد فترة زمنية معينة.
في خطاب ألقاه اليوم وصف الرئيس صالح المستقيلين من الحكومة أو السلك الدبلوماسي أو الجيش، بأنهم منقلبون على الشرعية، فهل أنت كذلك؟
نحن لسنا منقلبين على الشرعية، بل نطالب بتجنيب اليمنيين واليمن الدماء. والشرعية هي الشرعية التي يقدمها الشعب لكل مسؤول، ومتى ما خرج الشعب ليعبر عن رأي مخالف، فإن هذه الشرعية تصبح محل أخذ ورد وتوضع عليها علامة استفهام.
لمحت إلى مؤشرات أو توجهات لإيجاد حل للأزمة الحالية في اليمن، ماذا تقصد بذلك؟
هنالك مبادرة مطروحة حاليا.
هل تقصد المبادرة السعودية التي تشارك فيها شخصيات يمنية؟
نعم، تتضمن هذه المبادرة حلا للأزمة قبل انتهاء الولاية الدستورية للرئيس.
وهل تجد هذه المبادرة تأييدا منكم ومن السفراء الآخرين الذين وجهوا طلب الاستقالة للرئيس صالح؟
ما يهمنا نحن أن تستقر الأوضاع ويجد الجميع وضعا مستقرا ومقبولا من طرف الجميع. وإذا كانت هذه المبادرة مرضية للغالبية العظمى، سواء للشباب والقيادات الشعبية في اليمن، ووجدت (المبادرة) لديهم القبول، فنحن أيضا معها. ونحن لسنا في وسط الساحة لكي نحكم على مدى تقبل هذا الحل من الجماهير اليمنية، لكن في حقيقة الأمر ما دفعنا لهذا كله هو المذبحة التي حصلت يوم الجمعة الماضي، فقد كانت خارج ما يمكن أن يُحتمل، وقد دفعت إلى تفاعلات على أكثر من صعيد سواء السلك الدبلوماسي أو الجيش أو مشايخ اليمن أو الشباب، وهذه هي القوى الموجودة على الساحة وهي قادرة على أن تقول كلمتها بشأن هذه المبادرة هل هي مقبولة أم لا. لكن نحن مع أي شيء يتم التوافق عليه بين الأطراف اليمنية المختلفة.
كنت من المقربين للرئيس صالح وتخليت عنه، فلماذا تأخرت إلى الآن؟
نحن مع الشعب دائما، ونحن لم نتخل عن الرئيس وإنما طلبنا منه أن يستجيب لنبض الشارع وأن يتخذ بعض المبادرات التي طرحت من قبل الشارع، وهذا ما طلبناه منه في رسالتنا.
لكن الرئيس صالح كان ينتهج سياسات وأنت كنت تمثله هنا في برلين ولم تعترض في السابق على تلك السياسات، ولازلت عضوا في حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم؟
هذا صحيح. لكن هذه السياسات لم يكن فيها قتل ولا دماء، ونحن الآن أمام موقف مختلف وفتنة داخلية في اليمن. هذه مستجدات وهو موقف جديد ولم يكن موقفا سابقا حتى نكون راضين عنه طوال الفترة السابقة.
ربما يقول منتقدوكم بأنكم اخترتم الآن اتخاذ مسافة من نظام الرئيس صالح والهروب من السفينة وهي تغرق؟
هذا ليس صحيحا. والمسألة ليست نأيا عن النظام الحالي أو ابتعاد عنه أو إنقاذ للنفس، هذا كله كلام يقوله ضعاف النفوس والحاقدون. ولدينا مواقف وطنية تاريخية معروفة ونحن مع الحق والمنطق وحفظ الدماء اليمنية، وكل إنسان سليم الفكر والعقل سيكون له هذا الموقف. فالنظام الحالي لم يسبق له أن ارتكب جرائم بهذا الشكل الذي حدث، إذا ثبت فعلا أنه وراءها، وبأية حال فهو (النظام) مسؤول عنها سواء كان هو من يقف ورائها أو عجز عن القبض عمن ارتكبوها. وهذه الجرائم هي ما دفعت جميع الذين رفعوا أصواتهم بالمواقف التي اتخذوها، إذن فالمسألة ليست انتهازية أو قفز من السفينة عندما تبدأ بالغرق.
الرئيس صالح قال اليوم إن البلد على أبواب حرب أهلية، هل توافقه على هذا التشخيص للوضع اليمني؟
هو لم يقل هكذا، بل قال إن أي انقلاب على الشرعية سيقود إلى حرب أهلية.
لكن الرئيس صالح يتحدث عن الاستقالات من الجيش والسلك الدبلوماسي والحكومي واعتبرها بمثابة انقلاب على الشرعية، ثم قال إن أي محاولة انقلابية (عسكرية) ستعيد اليمن لحرب أهلية؟
نحن نأمل بأن لا يكون هذا هو الحال في بلادنا، فمازال في اليمن عقلاء وحكماء يستطيعون أن يجنبوا البلد هذا الشيء، ولا زال هنالك هامش كبير للحوار وإلى حلول تجنب البلد هذا المصير الذي لا نريده أن يحدث.
عَمِلْتَ مع الرئيس صالح عن قرب لمدة سنوات، فكيف تفسر سلوكه الآن وتعلقه بالسلطة، ألم يأخذ العبرة مما حصل لرؤساء عرب آخرين؟
أنا خبرتي مع هذه الحكومة ليست لسنوات كثيرة، فهي في حدود ثماني سنوات.
عفوا، ثماني سنوات ليست قليلة، إنها تعادل فترة ولايتين رئاسيتين في بلد ديمقراطي في أوروبا مثلا؟
(يضحك..) هذا صحيح، لكنني اعتمد المقاييس القائمة لدينا في المنطقة، وفيها يتحدثون عن عشرات السنين. والحقيقة أن الثماني سنوات التي أشرت إليها، قد قضيت منها سنتين خارج السلطة، وسنتين ونيف في منصب وزاري، وقبل ذلك كنت رجلا أكاديميا لا علاقة له بالعملية السياسية.
واعتقد أن لكل بلد ظروفه، وكل رئيس يرى أموره بشكل مختلف عن الآخرين، ولاشك أنه منطق قائم في كل المنطقة، فالحمى تسري في الجسد العربي. وستجد أن الجميع لم يعودوا قادرين على التقاط نبض الشارع ويعرفون متى وكيف يجنبون شعوبهم هذا الشيء. لكن الحقيقة ما يقوله الرئيس هو الخوف على البلد من كثير من الأخطار المحدقة به. وهو لديه وجهة نظر صحيحة في هذا الشأن، لكن هنالك إمكانيات مخارج لتجنب هذه المخاوف.
ماذا تقصدون بتلك المخاطر والمخاوف؟
في اليمن كثير من القوى التي تتنازع على السلطة وعلى النفوذ. في الجنوب(الحراك الجنوبي) والشمال(الحوثيون) وفوق كل ذلك القاعدة والفقر وقوى أخرى، وكل هذه العوامل تجعل أي شخص يخشى على البلد مما يمكن أن يحدث في حالة حصول فراغ في السلطة. لكننا بصد الحديث عن تداول سلمي للسلطة يتجاوب في نفس الوقت مع المطالب الشرعية للشعب والشباب.
أجرى الحوار: منصف السليمي
مراجعة: عبد الرحمن عثمان