لماذا يعارض نامبيون الاتفاق مع ألمانيا حول الإبادة الجماعية؟
٢٩ يناير ٢٠٢٣أخذ أحد كبار المحامين في ناميبيا مهمة صعبة على عاتقه، إذ قام باتريك كاوتا برفع دعاوى قضائية ضد رئيس البلاد ورئيس الحكومة ورئيس وأعضاء البرلمان والمدعي العام بشأن اتفاق الإعلان المشترك بين ألمانيا وحكومة ناميبيا والقاضي باعتراف ألمانيا بارتكاب "إبادة جماعية" خلال فترة استعمارها لهذا البلد الأفريقي بحق شعبي هيريرو وناما بما يشمل تعهدات بتقديم مساعدات تنموية.
كما أعلن ممثلو شعبي هيريرو وناما يوم الجمعة (20 كانون الثاني/ يناير 2023) عن رفع دعوى قضائية ضد الاتفاق. ووفق نسخة من الدعوى القضائية حصلت عليها DW، فإن الإعلان المشترك بين ألمانيا وناميبيا بشأن فظائع الإبادة الجماعية بحق شعبي هيريرو وناما بين عامي 1904 و 1908 فيما كانت تُعرف بـ مستعمرة جنوب غرب أفريقيا الألمانية أو ناميبيا حاليا، غير قانوني.
اعتذار ألماني وتعهد بمساعدات بالمليارات
ولا يزال الاتفاق الذي لم توقعه ناميبيا حتى الآن، مطروحا على الطاولة منذ عام 2021. وبموجب الاتفاق تلتزم ألمانيا بتقديم أول اعتذار رسمي لناميبيا عن الإبادة الجماعية التي تعرض لها شعبا هيريرو وناما إبان الحقبة الاستعمارية، وتعهد الحكومة الألمانية بتمويل مشاريع تنموية في منطقتي هيريرو وناما بما يزيد عن مليار يورو على مدى 30 عاما.
ويقف وراء الدعوى القضائية السياسي المعارض برنادوس سوارتبوي و11 ممثلا عن شعبي هيريرو وناما بما في ذلك شخصيات مثل موتجيندي كاتجيوا من قبائل عرقية أوفاهيريرو الذي يشير في الدعوى إلى قرار صدر عن برلمان البلاد عام 2006 ينص على أن أحفاد ضحايا جرائم الإبادة الجماعية يجب أن ينخرطوا في المفاوضات مع ألمانيا لتمهيد الطريق أمام حصولهم على تعويضات.
وفي مقابلة مع DW، قال كاتجيوا "الإعلان المشترك يسعى إلى تقديم مساعدات ثنائية، لكنه يحرم الضحايا من الحصول على تعويضات".
على ماذا تستند الدعوى؟
تستند الدعوى على أمرين رئيسيين: إذ يشير الشق الأول إلى أن رئيس البرلمان تصرف بشكل غير قانوني عندما أوقف النقاش حول الاتفاقية مع ألمانيا؛ فيما يزعم الشق الثاني بأن الاتفاقية الخاصة بتسوية جميع الجوانب المالية للحقبة الاستعمارية في ناميبيا بما يشمل مساعدات تنموية تقدر 1,1 مليار يورو غير قانونية.
وفي مقابلة مع DW، قالت كارينا تورير، الخبيرة الألمانية في القانون الدولي وتقدم مشاورات لكاتجيو، إنه "لا ينبغي تحت أي ظرف من الظروف أن تتعهد حكومة ناميبيا بتنفيذ التزام بعيد المدى من دون الرجوع إلى البرلمان ومن ثم الحصول على موافقته".
وتؤكد تورير أن الدعوى القضائية تعد منعطفا هاما، وتضيف بأن "(الدعوى) تعد الأولى في التاريخ، حيث تنظر محكمة في دولة كانت مستعمرة في السابق في مسار اتفاقية حكومية دولية تتطرق إلى معالجة الجوانب القضائية للجرائم الاستعمارية والبت فيها".
وأسفرت هذه المذابح بين عامي 1904 و1908 عن مقتل ما لا يقل عن 65 ألفا من أبناء شعب هيريرو وحوالي 10 آلاف من أبناء شعب ناما أي ما يعادل 75 بالمائة منهم في ذاك الوقت.
وتشير التقديرات إلى أنه إجمالا تم قتل حوالي 100 ألف شخص على أيدي القوات الاستعمارية الألمانية فيما تُعرف حاليا بدولة ناميبيا.
يشار إلى أن محاولات سابقة من نشطاء ومن أبناء شعبي هيريرو وناما للحصول على تعويض من ألمانيا قد باءت بالفشل بما شمل رفع دعوى قضائية في محكمة أمريكية عام 2017.
ويرى مراقبون أنه من المرجح أن ترفض الحكومة الناميبية موقف الشخصيات التي رفعت الدعوى. ففي سبتمبر / أيلول العام الماضى، أرسل فريق المحامي باتريك كاوتا رسالة إلى المدعي العام أوضح فيها أن الاتفاقية غير قانونية، فيما جاء الرد بأن القائمين على الدعوى لا يمتلكون معرفة حيال صلاحيات رئيس البلاد ورئيس الحكومة وفق دستور ناميبيا.
بيد أن المحكمة التي سوف تنظر الدعوى ربما لا تتفق مع هذا، وفقا لما أشار إليه هينينغ ميلبر ، الناشط في القضايا الأفريقية.
وفي مقابلة DW، قال ميلبر وهو ناشط ألماني-ناميبي، إن "القضاء في ناميبيا يعد مستقلا بشكل كبير، وهذا ما يوفر الكثير من الأمل حيال مسار الدعوى ولذا فإن القرار الذي ستصدره المحكمة سوف يلبي الحد الأدنى من القبول".
طريق مسدود
لكن هذه الدعاوى من شأنها، حتى قبل البت فيها من قبل المحكمة، أن توفر لألمانيا وناميبيا مساحة أقل للمناورة بهدف الوصول إلى مصالحة وإبرام الاتفاق في نهاية المطاف. ويشار إلى أن ألمانيا تريد تنفيذ الاتفاقية في أسرع وقت ممكن حيث نقلت DW عن مصادر في نوفمبر / تشرين الثاني قولها إنه من المتوقع أن تبدأ المحادثات حيال التعديلات المحتملة قريبا.
وقد ذكرت مجلة "دير شبيغل" أن ألمانيا عرضت تقديم مساعدات بقيمة 1,1 مليار يورو إلى ناميبيا خلال ثلاثين عاما، لكنها أصرت على استكمال النقاش حولالإعلان المشترك وليس إعادة التفاوض عليه.
في المقابل، ترغب حكومة ناميبيا في الحصول على تعويضات رسمية بما يشمل تقديم المزيد من الأموال، وهو الأمر الذي من غير الممكن تحقيقه إلا من خلال إعادة التفاوض بشأن الإعلان المشترك.
وفي ذلك، قال ميلبر إن التوفيق بين الموقفين سيكون "ضربا من المستحيل". فيما يرى مراقبون أن الدعاوى من شأنها أن تعقد القضية.
بدورها قالت الخبيرة في القانون الدولي تورير: إنه يجب على حكومتي ألمانيا وناميبيا "التوقف فعليا عن تنفيذ الإعلان المشترك حتى صدور قرار المحكمة".
دانيال بيلتس/ م. ع