ليبيا – حفتر خارج اتفاق وقف إطلاق النار فكيف يحسم الموقف؟
٢٤ أغسطس ٢٠٢٠لوهلة بدا المشهد في ليبيا وكأنه يسير باتجاه انفراج سياسي، حيث تناقلت الأنباء إعلان وقف إطلاق النار بعد اتفاق عقد يوم (الجمعة 21 آب/ أغسطس 2020) وإثره أعلن فايز السراج، رئيس الحكومة المعترف بها من الأمم المتحدة وعقيلة صالح، رئيس البرلمان الداعم للرجل القوي في الشرق الليبي خليفة حفتر، في بيانين منفصلين إجراء انتخابات قريبا وأمرا بوقف فوري لإطلاق النار. تلا الإعلان دعوات لاستئناف إنتاج النفط من جانب حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج في طرابلس بغرب البلاد.
أين هو المشير حفتر في مشهد الاتفاق؟
لكن المتابع للمشهد الليبي سرعان ما سيلحظ غياب رجل شرق ليبيا القوي عن الاتفاق، فأين هو خليفة حفتر، قائد قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي)، ولماذا لا توجد إشارة إليه في ذلك الاتفاق؟ وهكذا فإن قواته رفضت إعلان السلطات في العاصمة طرابلس وقف إطلاق النار ووصفته بأنه "مبادرة للتسويق الإعلامي"، على حد تعبير أحمد المسماري المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي.
الحل السياسي المقترح اقتنعت به كل القوى الفاعلة على الساحة الليبية، ودعت إلى الذهاب لحكومة تجمع كل الليبيين، ويبدو أنحفتر يرفض هذا الاتفاق لأنه يرى في نفسه مالكاً لقوة عسكرية هي التي تحسم الموقف في شرق ليبيا، الصحفية التونسية صوفيا الهمامي المتابعة للشأن الليبي في حديث مع DW عربية ذهبت في تفسير ذلك إلى أن حفتر يخسر سطوته في شرق ليبيا، فقد خسرت كل العائلات أبناءها، وكل الثروة ذهبت لشراء الأسلحة والذخيرة، من دون أن يأتي بأي فائدة، وقد انتقل حفتر بقواته إلى المنطقة الغربية، فلم يستطع حسم الموقف، وهذا يعني أنه يخسر أوراقه وحلفاءه.
ويبدو أن حفتر لا يجد نفسه في الاتفاق الذي أعلن بين رئيس البرلمان عقيلة صالح وهو حليف له، وبين حكومة فايز السراج في العاصمة طرابلس، المعترف بها دولياً. وإلى ذلك أشار الكاتب الصحافي عصام الزبير كاشفاً أنه تم تهميش حفتر من جانب برلمان طبرق، وإعطاء القيادة السياسية لرئيس البرلمان عقيلة صالح. وأكد الزبير في حديثه مع قناة الحرة، أن "الصراع أصبح سياسياً، وسيكون طرفاه السراج وصالح ". متوقعا أن يفقد حفتر دوره إذا سارت الأمور كما خطط لها خلال المستقبل القريب.
هل اتفق الحلفاء الخارجيون وتخطوا حفتر؟
ويبدو أن داعمي حفتر وهم روسيا ومصر والإمارات متفقون مع داعمي السراج وهم تركيا وقطر على نقل الاتفاق إلى مراحل متقدمة حتى بغياب حفتر عن المشهد، وفي هذا السياق قال الباحث في المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية محمد منصور، إن "الاتفاق السياسي الحالي، سيتبعه مفاوضات عسكرية بين الجيش الوطني الليبي (قوات حفتر) ورئاسة هيئة الأركان الليبية (التابعة لقوات الوفاق) فيما يتعلق بمباحثات 5+5".
يشار إلى أن مباحثات 5+5 أو اللجنة العسكرية المشتركة، قد اتفق عليها في مؤتمر برلين الخاص بليبيا في 19 كانون الثاني/ يناير الماضي، وقد أحيا الفكرة مرة أخرى إعلان القاهرة الذي أطلقه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في حزيران/ يونيو الماضي.
ويرى محمد منصور أن "هذه المفاوضات ستتيح لحفتر دورا مستمراً، خاصة وأن الاستراتيجية الخاصة بشرق ليبيا بعد التراجع عن الهجوم على طرابلس، مازالت في يد حفتر، فيما سيكون الدور السياسي في يد عقيلة صالح، وذلك على عكس ما كان معمولاً به سابقا".
" الاتفاق سينفذ في ظل وجود ضغوط دولية على حفتر"
وخالفت الصحفية صوفيا الهمامي هذا الرأي، ذاهبة إلى أن الاتفاق سينفذ في ظل وجود ضغوط دولية على حفتر، و"رأينا أنه قدم بعض التنازلات مقابل أن تقفل الملفات المفتوحة في الولايات المتحدة ضده، فهو متهم بارتكاب جرائم حرب، هناك أموال (مسروقة) سيحاسب عليها، هناك مقابر جماعية" وذكّرت الهمامي أن السراج في المنطقة الغربية هو الآخر متهم بالفساد، وان حكومته انفجرت من الداخل.
وتعرضت قوات حفتر لهزائم عسكرية على الأرض في الأشهر الأخيرة، وربما كانت تلك الهزائم سبباً لتوجه رئيس البرلمان عقيلة صالح إلى المصالحة والاتفاق. وتوقفت الاشتباكات بشكل ملحوظ منذ حزيران/ يونيو المنصرم، وقد يكون هذا بضغط من الأطراف الدولية الداعمة للاعبين الليبيين.
لكن، وبعد الاتفاق على وقف إطلاق النار الذي خلق افتراقاً آخر على الأرض بغياب حفتر عنه، لابد من السؤال عن مصير الاتفاق في ظل رفض حفتر؟ هل يمكن تجاوز الجنرال القوي في شرق ليبيا، أم أن هنالك فرص للتسوية معه؟
حفتر يملك مفاتيح أنابيب وآبار النفط، فهو يسيطر على مدينتي سرت والجفرة، وبالتالي فإنه من غير المتوقع أن يتنازل بسرعة عن قوته مقابل اتفاق سياسي غامض لا يضمن له موقعا في العملية السياسية المقبلة في ليبيا. وقد أغلق موالون لحفتر منذ 19 كانون الثاني/ يناير المنصرم مواقع إنتاج النفط وموانئ تصديره الأهم في البلاد، مطالبين بتوزيع أكثر عدلا لموارد المحروقات التي تديرها حكومة الوفاق، إلا إن حفتر أعاد فتح الحقول والموانئ النفطية المغلقة خلال هذا الاسبوع، لتأمين مد محطات الكهرباء بالوقود على وجه الخصوص.
"العملية التي بدأت في برلين لا تزال إطار العمل الملائم لحل الصراع"
ولا يغيب عن الأذهان موقف وزير الخارجية الألمانية هايكو ماس قبل أسبوع عشية الاتفاق على وقف إطلاق النار، حين وصل ليبيا في زيارة مفاجئة وقال: "نحن نرى هدوء مخادعاً في ليبيا حالياً، إذ يواصل الجانبان وحلفاؤهما الدوليون تسليح البلد على نطاق واسع ويتمسكان بشروط مسبقة لوقف إطلاق النار"، مضيفاً أن العملية التي بدأت في برلين لا تزال إطار العمل الملائم لحل الصراع، وأيد دعوات لإنشاء منطقة منزوعة السلاح حول سرت.
وكما يبدو فإنّ نجاح المبادرة سيبقى رهيناً بتفعيل مفاوضات حول القضايا العالقة، ومنها وضع الميليشيات والمرتزقة، ووضع سرت، والهلال النفطي، وتشكيلة المجلس الرئاسي في المقبل المقترح. وترى الصحفية صوفيا الهمامي أن احتمالات قيام حرب ما زالت قوية، لذا "فإن كل الأطراف الفاعلة في المشهد الليبي تعمل على تفعيل حل سياسي". وهذا يعني أن قائد "الجيش الوطني الليبي" خليفة حفتر قد يقبل بتسوية سياسية من نوع ما إذا شعر أن حلفاءه الخارجيين يميلون إلى حل سلمي.
ويطالب حفتر دائماً بتفكيك "ميليشيات الوفاق" التي تتلقى الدعم التركي وطرد المرتزقة، فيما تطالب قوات الوفاق بانسحاب قوات حفتر من سرت، وهو الطلب الذي رفضه حفتر ومجلس نواب طبرق.
رغم توافق الطرفين مؤخرا، لا يزال الوصول إلى حل نهائي رهين جهود حثيثة منتظرة، وهناك "الكثير من العوائق، فوقف إطلاق النار وحده يستلزم توافقات كثيرة"، حسب وصف المحلل السياسي الليبي حسين مفتاح، فيما ترى الصحفية صوفيا الهمامي أن "الشارع الليبي (خاصة في طرابلس) يشهد حراكاً سياسياً جديداً قد يغير موازين القوى الفاعلة على الأرض في الأيام المقبلة".
ملهم الملائكة