مؤسسة اجتماعية تختار الحوار كوسيلة لحل الصراع في الشرق الأوسط
بعد المعاناة الطويلة من سنين الحرب والتشريد الذي عاشتها الدكتورة حليمة عليان قررت إقامة مؤسسة اجتماعية تعني بتقريب وجهات النظر بين الشباب الفلسطيني والإسرائيلي. فقد قامت الطبيبة الفلسطينية بالتعاون مع بعض الشخصيات الألمانية على وضع الخطوط العريضة لمؤسسة طلعت عليان. وقد دفعت سنوات الصراع واحتلال فلسطين بالدكتورة الحالمة بمستقبل أفضل لأبناء الشعبين على حمل راية الحوار البناء للنهوض بمجتمع السلام والوصول إلى حياة الجوار والاحترام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وكان انطلاق المشاريع الأولى لهذه المؤسسة في العام الماضي حيث قامت بدعوة 10 فتيان من الجانبين للتعرف على أبناء جيلهم من في ألمانيا من خلال لقاءات مشتركة مع أصحاب الخبرة ومن خلال التجوال مع بعضهم البعض في ربوع ولاية سارلاند.
أشبال يتحدثون عن الصراع
نظم القائمون على اللقاء يومياً حلقات نقاش وحوار يقوم خلالها المشاركون الشباب بالإجابة على الكثير من الأسئلة حول وطنهم وحياتهم اليومية فيه إضافة إلى طبيعة الصراع ورؤيتهم له. من ناحية أخرى قام زملاؤهم الألمان بتعريف ضيوفهم على تاريخ هذا البلد، إضافة إلى إعطاء لمحة عن تاريخ الحروب التي فرقت بين المجتمعات. وتهدف هذه الحوارات للوصول إلى كيفية التعامل مع الآخر إلى جانب محاولة الوصول إلى حياة مشتركة وعلاقات صداقة تجمع بين المجتمعات التي تحاربت في السابق أو لا زالت تخوض حروبا عدائية. وقد عبر المشاركون الشباب عن رغبتهم في العيش المشترك بسلام "رغم عدم رغبة حكومات البلدين في الوقت الحالي بهذا الشيء." وتعمل مؤسسة طلعت الخيرية منذ النجاح الأول على تنظيم معسكرات تجمع أشبالاً من الشعبين مع أبناء جيلهم من الألمان والفرنسيين إضافة إلى شباب من لوكسينبورغ، ويتم تنظيم هذه النشاطات على الحدود بين فرنسا وألمانيا لإطلاعهم على كيفية العيش دون حدود. وفي هذا العام انطلق المعسكر الثاني يوم الاثنين الماضي وسيستمر حتى يوم السبت الموافق 13 آب/أغسطس الجاري. ويهدف هذا الملتقى إلى إقامة علاقة صداقة بين الجانبين المتعاديين، الإسرائيلي والفلسطيني إضافة إلى تعريف الألمان بحقيقة الصراع. وترغب مديرة المؤسسة بأن يتعلم الشباب الفلسطيني والإسرائيلي من غيرهم وخاصة من أولئك الذين خاضت بلدانهم حروبا وصراعات دامية وأصبحت اليوم تقيم علاقات جوار وصداقة.
أخذ العبرة من التاريخ
تقول د. حليمة عليان "بأنه لا بد من الاختلاط والتبادل الثقافي بين المجتمعات المتعادية، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى إقامة علاقات صداقة وفهم آخر للصراع والحياة. وهذا ما تعلمته خلال حياتي في ألمانيا، حيث تبادل الزيارات بين الألمان والفرنسيين الذين عاشوا سنوات من الحروب واليوم تسود علاقات الصداقة بينهم. وأعتقد أن ذلك مهم أيضا للأجيال القادمة، ولذا لا بد للمجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي من إيجاد حل للصراع بينهما على اساس التعايش السلمي والمشترك." وتضيف الطبيبة الفلسطينية بأنه لا زالت هناك علاقات صداقة بين الشباب الذين شاركوا في اللقاء الأول، قائلة "لا زال هناك تبادل للإيملات والصور إضافة للاتصالات المتبادلة بين الطرفين." واعتبرت مديرة المؤسسة الراعية للمعسكر بأن مولدها في فلسطين وعناءها منذ الطفولة لظروف الحرب والتعذيب، حيث هُجرت مع عائلتها الفلسطينية إلى مصر، البلد الذي عاشت فيه كأجنبية، كان السبب وراء مثل هذا العمل. ولذا فهي تسعى لإقامة علاقات صداقة بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني من أجل التوصل إلى سلام بين الشعبين، وتضيف "لقد عشت في القاهرة كأجنبية وأعتقد أن كل فلسطيني يعيش سواء في البلاد العربية أو غيرها يشاطرني هذا الشعور، لاسيما ,انه لا يسمح لنا هناك بممارسة الأعمال التي يقوم بها السكان المحليين إضافة إلى عدم السماح لنا بالتحرك والتنقل بحرية، كما هو الحال بالنسبة لمعظم شعوب العالم. ولذا لا أريد أن يعيش أبناؤنا وأبناء الأجيال القادمة ما ذقته أنا من ويلات الحرب والتشريد."
حل الصراع بالحوار
تحاول الطبية الفلسطينية فتح باب المناقشة وحرية التعبير عن الرأي بين الجانبين عبر أنشطة رياضية واجتماعية خلال أيام المعسكر. وقالت في حديث لموقعنا بأن القائمين عليه "يقوموا خلال هذه الأيام بشرح تاريخ كل من ألمانيا وفرنسا خاصة تاريخ الحربين العالميتين، إضافة إلى إقامة معرض صور عن المحرقة النازية ضد اليهود للتعرف على بشاعة الحرب. إلى جانب القيام بزيارة للمقابر الجماعية للحرب من أجل اطلاع المشاركين على آثارها المدمرة. ويتم كذلك شرح أسباب قيام دولة إسرائيل وتاريخ الحركة الصهيونية. هذا ويتم التطرق إلى الوضع الحالي حيث تعيش الدول التي شاركت في الحرب بسلام وتقيم الآن علاقات جوار وصداقة." ولا يقتصر برنامج المعسكر على النشاط السياسي وإنما هناك نشاطات ترفيهية للمشتركين تتمثل في زيارة الأمكنة العامة والتنزه على ضفاف الأنهر لخلق جو من المرح والترفيه الأمر الذي يساعد على توطيد العلاقات الاجتماعية بين المشاركين. وتقوم مديرة المؤسسة إلى جانب ذلك كله على محاولة نقل صورة حقيقية حول طبيعة وخلفية الصراع للمجتمع الألماني، خاصة وأن الألمان يستقون معلوماتهم من وسائل الإعلام التي لا تنقل الصورة الكاملة في كثير من الأحيان. وفي هذا المجال تقول عليان "خلال حياتي في ألمانيا لاحظت بأن الألمان أنفسهم لا يعرفون المشكلة على حقيقتها، ولا يعرفون طبيعة هذا الصراع، فمعلوماتهم تأتي عبر وسائل الإعلام، ولذا فهم يحكمون على الوضع بناء على هذه المعلومات السطحية دون معرفة أصل المشكلة."
تقرير: زاهي علاوي