ماذا وراء "الزلزال" العربي في انتخابات الكنيست الإسرائيلي؟
٤ مارس ٢٠٢٠"ابتهاج لا يخفى"، هكذا يمكن وصف رد فعل رئيس القائمة العربية المشتركة أيمن عودة في صورة نشرت له بعيد فرز 90% من أصوات الناخبين في انتخابات الكنيست الإسرائيلي الـ23، وحصول حزبه على 15 مقعداً، في تقدمٍ وصفه الإعلام الإسرائيلي بـ"الزلزال" و"المكسب التاريخي".
هذا يعني أنه 17 نائبا عربياً سيخدمون في الكنيست، من بينهم ثلاثة نواب يمثلون الأحزاب اليهودية، والذي يمكن اعتباره أمراً جديداً على الواقع السياسي الإسرائيلي، لاسيما أن جميع الأحزاب اليهودية شهدت تراجعاً في صناديق الاقتراع، ما عدا القائمة العربية.
ويبدو أن التنوع الذي تحظى به القائمة العربية يثير اهتمام المراقبين أيضاً، إذ تضم القائمة أربع نساء، سيدخلن الكنيست، من بينهن نائبة محجبة، في حين أن المرأة في معظم الأحزاب اليهودية لم يتح لها الحصول على مقعد بالكنيست في هذه الدورة.
"صفقة القرن" ودورها في توجيه الناخب العربي
هذا النجاح غير المسبوق للقائمة العربية يعود لعاملين رئيسيين أولهما: الزيادة الكبيرة في إقبال الناخبين العرب داخل المجتمع الإسرائيلي على التصويت بنسبة وصلت إلى 65%. أما العامل الثاني فهو تراجع دعم الأحزاب اليهودية داخل الأوساط العربية، كما تذكر صحيفة "هآرتس" العبرية.
كل هذا ساهم في تحقيق مكاسب للتحالف العربي، بقيادة أيمن عودة، ووضع التقدم الذي حظي به تحت المجهر، مما يدفع للحديث عن أسباب رغبة العرب في التوجه إلى صناديق الاقتراع أكثر من أي انتخابات سابقة.
ربما يعود الإقبال العربي الكبير على الانتخابات إلى خطة السلام للرئيس الأمريكي دونالد ترامب والمعروفة باسم "صفقة القرن"، والتي أعطت الأحقية لإسرائيل بسحب الجنسية من المواطنين العرب في منطقة المثلث، التي تضم 10 مدن وقرى عربية بين جبل الكرمل والضفة الغربية، ويقطنها نحو 350 ألف عربي.
ويرى المحلل السياسي من القدس إبراهيم جابر، في حديث له مع DW عربية، أن التهديد الذي لحق بمنطقة المثلث شكل هاجساً لدى الأوساط العربية، ما دفعهم للمشاركة بالانتخابات على أمل التغيير.
وقد ذكرت "هآرتس" أن الحديث عن "الصفقة" أثار غضباً بين مواطني إسرائيل من العرب، مما أدى إلى نتائج سلبية على رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، والذي بدوره أجج الغضب الشديد بين السكان بتصريحاته المعادية للعرب مؤخراً، فيما كتبت صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية أن عدم وجود بيان واضح من رؤساء حزب أزرق أبيض ضد الصفقة وأثرها على سكان المثلث، جعلهم يرغبون بالاتجاه إلى القائمة المشتركة.
ولعل موقف نتيناهو لم يكن مكسب القائمة المشتركة الوحيد، إذ إن إعلان زعيم حزب أزرق أبيض بيني غانتس بعدم رغبته بالحصول على أي دعم من التحالف العربي، دفع الأصوات العربية إلى تحويل ورقتها الانتخابية لصالح حزب عودة.
وكان الناخبون العرب قد صنعوا الفارق لصالح حزب غانتس في الانتخابات السابقة، إلا أن موقفه الجديد اعتبر ضربة مهينة للعديد من المواطنين العرب، مما دفعهم لسحب دعمهم والتصويت للتحالف العربي، كما ذكرت "هآرتس".
ويذكر الخبير في معهد الديموقراطية الإسرائيلي إريك رودنيتزكي لـ DW أن موقف الحكومة الإسرائيلية تجاه "عرب إسرائيل" شكّل دافعاً آخراً، في ظل التشريعات القديمة، والتي اعتبرت إساءة لهم، لاسيما الخطاب المعادي للعرب الذي تبناه الليكود.
وفي سياق ذي صلة، فإن المصوتين وجدوا الانتخابات "فرصة تاريخية لإسقاط اليمين"، كما صرح عضو الكنيست العربي جابر عساقلة لـDW عربية، مضيفاً أن التحريض الذي تعرض له التحالف من نتنياهو واليمين وكذلك حزب أزرق أبيض كان سبباً في رغبة الناخبين العرب بتشكيل كتلة قوية ومؤثرة في الكنيست.
الإعلامية الإسرائيلية لوسي أهريش أعادت نشر تغريدة قديمة لها عبر حسابها على تويتر، وقالت فيها إن ما دفع نتيناهو للتحريض على العرب هو "الخوف"، والذي دفع المجتمع العربي نحو صناديق الاقتراع، فقررت الأحزاب العربية تغيير قواعد اللعبة والمشاركة في الحياة السياسية الإسرائيلية. فيما أشارت أهريش في تغريدة أخرى إلى أن "الحكم اليميني في خطر"، كما أن الأحزاب اليسارية فشلت بدورها في كسب الأصوات العربية.
ويشكل اجتماع الأحزاب العربية في كتلة واحدة من أهم أسباب الإقبال العربي الكبير على التصويت، كما يتفق كل من عساقلة وجابر، وهذا وصفته هآرتس بـ"المشاركة بشكل قانوني في اللعبة السياسية"، مما يعني أن التغيير جاء من التحالف العربي بداية، وانتقل إلى الناخبين، بعد أن وجدوا فرصة جديدة في حضن القائمة المشتركة.
فيما ذكرت "يديعوت أحرنوت" أن الدعم الهائل للقائمة، التي أصبحت إجماعًا في الشارع العربي، يثبت أن الأحزاب اليهودية "لم تعد خياراً سياسياً صالحاً للمواطنين العرب".
العرب يأملون في التغيير
"اللعبة الديموقراطية" تفرض على اللاعبين خوض المباراة حتى النهاية، وكما يذكر الإعلام العبري فإن الحزب المسيطر على الكنيست سيعمل على تحقيق رؤيته السياسية والاجتماعية والثقافية لجميع مواطني إسرائيل، مما يطرح التساؤل حول الفرص التي ستكون متاحة للأقلية العربية للدفاع عن مصالحها.
ولهذا كانت مشاركة المواطنين العرب في هذه "اللعبة" أمرا حتميا، كما يذكر الكاتب سلمان مصالحة في مقال له، مضيفاً أن هناك أغلبية واضحة خلال السنوات الأخيرة تسعى للاندماج في جميع مؤسسات الدولة الإسرائيلية، بما في ذلك خيار مشاركة ممثليهم في الائتلاف الحاكم.
ويجد رودنيتزكي أنه "في حال قدرة أعضاء القائمة المشتركة على استخدام ثقلهم السياسي الكامل داخل الكنيست للتعاون مع الحكومة اليمينية وتحقيق إنجازات ملموسة لدوائرهم الانتخابية، مثل خطة التنمية الاقتصادية أو برنامج حكومي للحد من العنف والجريمة في المجتمع العربي، فهذا قد يمكنهم من تحقيق مكاسب لناخبيهم"، مضيفاً أن بإمكانهم إحداث التغيير من خلال التعاون مع الحكومة.
من جهة أخرى فإن هناك أصواتاً عربية انتقدت هذا "الإنجاز"، باعتباره "بالون" بدون برنامج سياسي واضح، كما كتب الباحث رازي نابلسي من حيفا، الذي أكد في منشور له على موقع فيسبوك أنه إذا لم يستطع التحالف العربي تحقيق إنجازات للناخبين فإن الناس سترى أنه "لا فارق بين أن يمثلنا في الكنيست 20 أو 10" نواب. وحذر نابلسي من احتمال الوقوف "أمام موجة شعبوية كارثية نحو الانهيار السياسي والأخلاقي".
مساهمة النواب العرب في تشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة أمر وارد، بحسب ما يرى إبراهيم جابر، فهناك حديث عن طرح مشروع قانون في الكنيست يحظر على أي شخص ملاحق قضائياً تشكيل الحكومة، والذي يبدو أنه يستهدف نتنياهو المتهم بعدة قضايا فساد، "وفي حال قيام حزب أزرق أبيض بتقديم المشروع، فالقائمة المشتركة سوف تدعمه لمنع نتنياهو من تشكيل الحكومة"، حسبما قال جابر لـDW عربية.
مرام سالم/ كيرستن كنيب