مسلمو ألمانيا يدا بيد ضد التشهير وأعمال العنف

في وقت تواصلت فيه ردود الأفعال الغاضبة في العالمين العربي والإسلامي ضد الرسوم الكاريكاتورية عن النبي محمد، تباينت ردود أفعال الجاليات العربية والمسلمة في ألمانيا بخصوص هذه الاحتجاجات وأعمال العنف التي رافقتها. ففي حين أجمع ممثلو الجاليات المسلمة وخاصة التركية والعربية منها على نبذ أعمال العنف لاسيما ضد سفارات الدول الاسكندنافية في بعض العواصم العربية، اتفقت الشخصيات المسؤولة ذاتها على ضرورة التخلي عن تأجيج المشاعر الدينية وجرح مشاعر معتنقي الديانات الأخرى.

" لا لجرح مشاعر المسلمين"

استضافت مدينة كولونيا الألمانية مؤتمرا شارك فيه ممثلو 16 جالية تركية دعا من خلاله المشاركون إلى استنكار مظاهر العنف التي غلبت على مظاهرات شهدها العالم الإسلامي في الأيام الماضية، ولكنها طالبت في الوقت ذاته باحترام كافة الديانات السماوية وعدم المساس بثوابتها التاريخية والتعرض لرموزها. وفي بيان حصل موقعنا على نسخة منه، أعرب مسؤولو الجمعيات والمنظمات التركية عن رفضهم لردود فعل بعض المسلمين "غير المقبولة" إزاء الرسوم الكاريكاتورية، ولكنهم عارضوا بشدة جرح مشاعر المسلمين والطعن بدينهم وإهانة رسوله. وعن خطط الحكومة الألمانية الرامية إلى إدماج المهاجرين المسلمين في المجتمع الألماني، قال البيان إن مساعي الجهات الألمانية المسؤولة والجاليات المسلمة يمكن أن تنجح "فقط إذا شعر المسلمون بأنهم جزء لا يتجزأ من المجتمع الألماني" وإذا " ما تمكنت السلطات الألمانية من تطوير برنامج متكامل ومشترك مع ممثلي الجاليات المسلمة" وإذا "آمن المسؤولون بأن التنوع الثقافي والديني هو إغناء للثقافتين الألمانية والأوروبية."

ترحيب سياسي

رغبة حقيقة نحو التهدأةمن جانبها، بادرت الأوساط السياسية الألمانية بكافة اتجاهاتها السياسية بالترحيب بمحاولات الجاليات المسلمة في ألمانيا الرامية إلى احتواء النزاع والحيلولة دون تصعيده. ففي حديث أدلت به مفوضة شؤون اندماج الأجانب في الحكومة الألمانية ماريا بومر لصحيفة "دي فيلت" الألمانية، شكرت فيه المسؤولة جهود الجاليات التركية واستعدادها لفض النزاع واهتمامها بعد تصعيد الموقف. أما مسؤول العلاقات الخارجية للاتحاد المسيحي الديمقراطي إكرت فون كلادن فقد قال إن كل صوت يدعو في الوقت الحاضر إلى التعقل يأتي في مكانه الصحيح. من جانبه، دعا المتحدث البرلماني باسم حزب الخضر المعارض إلى المساواة بين الدينين المسيحي والإسلامي، مطالبا وسائل الإعلام باهتمام أكبر بشؤون الإسلام والمسلمين.

"لا ترضخوا للاستفزازات"

هذا ولم تقتصر دعوات احتواء النزاع على الجاليات التركية، بل شملت أيضا كافة ممثلي المنظمات والجاليات المسلمة في الأراضي الألمانية. ففي بيان أصدره مجلس المسلمين الأعلى في ألمانيا، دعا المجلس المسلمين إلى عدم الرضوخ لاستفزازات وسائل الإعلام والتعقل والهدوء إزاء الرسوم الكاريكاتورية. وطالب رئيس المجلس الجديد أيوب أكسل كولر باعتبار نزاع الرسوم مشكلة اجتماعية تخص الجميع، الأمر الذي يتطلب إجراء حوار واسع النطاق وعلى جميع المستويات. أما رئيس جمعية أولياء أمور التلاميذ العرب قاسم شبلي فقد دان في مقابلة مع موقعنا أعمال العنف ضد ممثليات الدول الاسكندنافية التي تناقلتها وسائل الإعلام الغربية في الأيام الأخيرة، قائلا إنها "لاقت موجة استنكار في أوساط أولياء الأمور العرب في العاصمة الألمانية." وأضاف شبلي أن الجاليات العربية لم تتعامل مع الإساءة التي تعرض لها رسول الإسلام ببساطة، بل بالشكل المطلوب، وذلك بعيدا عن اللجوء إلى العنف من أجل التظاهر ضد الرسوم الاستفزازية. وعن واجب الجمعية التربوي، قال شبلي إن المعلمين والمسؤولين في الجمعية بادروا بإطلاع التلاميذ على ما يحدث وتوضيح الصورة لهم، الأمر الذي يساعد على تجنب الفهم الخاطئ للنزاع من جانبهم. وعن اهتمام التلاميذ بالنزاع الدائر، قال المسؤول إن هذا الاهتمام كان منقطع النظير وإن أسئلة التلاميذ واستفساراتهم لم تتوقف لغاية الآن، ما يتطلب بذل جهود جبارة من أجل توضيح الصورة عما يجري.

لوائح أوروبية

وفي أحدث رد فعل رسمي على ازمة الرسوم المتفجرة منذ أيام أعلن فرانكو فراتيني مفوض العدل والامن في الاتحاد الاوروبي اليوم الخميس ان الاتحاد قد يحاول وضع لوائح اخلاقية لوسائل الاعلام لتفادي ثورة الغضب التي حدثت بعد نشر الرسوم. وقال فراتيني في حديث مع صحيفة ديلي تلجراف البريطانية ان الميثاق سيشجع وسائل الاعلام على "التعقل" لدى التطرق الى الاديان. وصرح فراتيني وهو وزير خارجية ايطالي اسبق بان ملايين المسلمين في اوروبا شعروا "بالاهانة" من جراء هذه الرسوم. واقترح لوائح تطوعية تحث وسائل الاعلام على مراعاة حساسيات كل الاديان ولا تعطي ميزة لدين على اخر. وأضاف بان المفوضية الاوروبية والمؤسسات الاعلامية الاوروبية هي التي ستصيغ هذه اللوائح التي لن تكون ملزمة قانونيا. يذكر أن خافيير سولانا مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي يقوم حاليا بجولة في عدد من الدول العربية والاسلامية في محاولة لتهدئة موجة الغضب التي احدثتها الرسوم.

ناصر جبارة