في قرار مفاجئ وربما يكون عكس الاتجاه، قررت لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية المصرية قبل عدة أيام رفع سعر المحروقات وهي البنزين بأنواعه والسولار إلى جانب اسطوانات الغاز للاستهلاك المنزلي، الأمر الذي يُتوقع أن يكون له تأثير كبير على أسعار السلع.
ففي الوقت الذي بدأت فيه التدفقات النقدية تصل إلى مصر سواء عبر بيع بعض الأصول أو الاتفاق مع البنك الدولي وغيرها، وبدء عمل التسهيلات اللازمة في البنوك لإتاحة العملة الصعبة للتجار والاستعداد للإفراج عن البضائع في الموانئ، سادت توقعات بقرب انخفاض أسعار السلع والمنتجات مع الوقت.
لكن قرار اللجنة جاء ليقضي على هذه التوقعات على الرغم من تحسن سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة نسبة التضخم المرتفعة أصلاً.
ما سبب رفع أسعار المحروقات؟
تقول المحكومة المصرية إنها أجلت رفع الأسعار أكثر من مرة لكنها كانت مضطرة لاتخاذ القرار مع ارتفاع أسعار النفط عالمياً، بحسب ما أكد احمد السباعي مدير تحرير الاهرام الاقتصادي في اتصال هاتفي مع DW عربية.
وبحسب خبراء فإن ارتفاع الأسعار عالمياً يعود في جزء كبير منه إلى استمرار الحرب في غزة والحرب بين روسيا وأوكرانيا وارتفاع تكلفة نقل وتأمين الوقود في البحر الأحمر، ما أثّر بشدة على حركة الأسعار في العالم، إلى جانب زيادة واردات مصر من الوقود في يناير وفبراير بأكثر من 2 مليار دولار نظراً لارتفاع أسعار الوقود عن الأسعار التي تم تقديرها سابقاً.
وتقول الحكومة المصرية أيضاً إن فاتورة دعم المحروقات والتي تصل مخصصاتها إلى نحو 119 مليار جنيه مصري سنوياً تشكل عامل ضغط قوي على الموازنة العامة للدولة. وتلتزم مصر بتنفيذ توجيهات البنك الدولي في مقابل الدعم الذي تحصل عليه ومنها تخفيض الدعم وخصوصاً على الوقود.
ويقول عيسى فتحي المحلل الاقتصادي والمالي إن غياب الفكر الاقتصادي هو السبب وراء اتخاذ هذا القرار في هذا التوقيت، "فبدلاً من محاربة التضخم، اتُخِذَ قرار رفع أسعار الوقود وخصوصاً السولار المرتبط بعمليات نقل البضائع والذي تم رفع سعره بنسبة 21%، ما رفع تكلفة النقل وبالتالي رفع سعر السلعة النهائية".
أضاف الخبير الاقتصادي في حوار هاتفي مع DW عربية أن "الحكومة تعجلت، فتوقيت القرار دائماً ما يكون أهم من القرار نفسه، وحتى وإن كانت هذه تعليمات من الصندوق فمن المفترض أن مصر لديها علاقة جيدة معه، وبالتالي يمكن التفاهم معه لتأجيل قرار كهذا على الأقل حتى موعد الموازنة العامة الجديدة على سبيل المثال".
وقال إنه "مع حدوث الأزمة السابقة في الدولار وسعر الصرف واحتجاز البضائع تحمّل الناس، والآن بعدما حدثت الانفراجة يُتخذ قرارٌ كهذا، فكان الأمر يقتضي الانتظار قليلاً وإن كانت الحكومة تريد محاربة التضخم فكيف ستفعل ذلك وهي تضيف إليه نسبة جديدة بقرار كهذا".
زيادات غير متكافئة
يعترض خبراء اقتصاد مصريون على طبيعة الزيادة الأخيرة ونسبها للمحروقات، فالزيادة في سعر لتر بنزين 95 و90 و80 جنيه واحد، فيما وصلت الزيادة في سعر اسطوانة الغاز للمنازل 25 جنيهاً لتصل إلى 100 جنيه.
الأمر انتقده أيضاً رضا عبد السلام، أستاذ ورئيس قسم الاقتصاد والمالية العامة بكلية الحقوق جامعة المنصورة، ومحافظ الشرقية السابق كما انتقده رجال أعمال مثل الملياردير المصري نجيب ساويرس والذي يرى ان الزيادة غير متكافئة وأن فكرة المساواة في رفع سعر كافة المحروقات بالقدر نفسه تتعارض مع فكرة العدالة.
من جانبه، أكد أحمد السباعي مدير تحرير الأهرام الاقتصادي تأييده لما جاء في تغريدة ساويرس فالزيادة "جاءت غير متكافئة وأعتقد أن على اللجنة إعادة النظر في الأسعار ونسب الزيادة".
الجدير بالذكر أن بنزين 95 تستعمله السيارات الفارهة فيما تستعمل الكثير من المنازل خاصة الطبقات الفقيرة اسطوانات الغاز كما يستعمل السولار في الجرارات الزراعية ووسائل النقل الجماعي.
ويرى عيسى فتحي الخبير المالي والاقتصادي أن الحكومة فعلت ذلك لأن الشريحة الأكبر في مصر هي من لديهم سيارات تعمل بالنزين 92 و80 وتقدر بملايين السيارات، وبالتالي ستكون الحصيلة منهم أكبر بكثير، فيما يقدر عدد السيارات التي تستخدم بالنزين 95 بعشرات الآلاف فقط.
ما تأثيرات ذلك على أسعار السلع؟
يدور الحديث على مواقع التواصل الاجتماعي عن المخاوف من ارتفاع أسعار السلع وخصوصاً الأساسية منها كالطعام والأدوية بسبب زيادة أسعار المحروقات والتي تضاف في كافة مراحل الانتاج إلى ثمن السلعة وصولاً إلى المستهلك النهائي دون إمكانية التحكم في هذه نسبة هذه الزيادة.
وقال أحمد السباعي الخبير الاقتصادي المصري إن "لجنة تسعير المنتجات البترولية حاولت عدة مرات تجاوز الارتفاع في السعر العالمي للوقود خصوصاً مع الظروف الاقتصادية الحالية في مصر وارتفاع الأسعار في السلع وحتى لا يتأثر المواطن البسيط بالقرار، لكن المشكلة كانت في أن توقيت هذا القرار كان غير مناسب".
وأضاف السباعي أن "القرار امتص الأثر الإيجابي الذي كنا نتوقعه للقرارات الاقتصادية السابقة وبدء تدفق الدولار واستقرار سعر الصرف وكان يمكن الانتظار قليلاً حتى ينتعش السوق مثلاً".
ورغم اجتماع الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الحكومة المصرية مع كبار مُصنعي ومُنتجي ومُوردي السلع الغذائية والهندسية والإلكترونيات، وممثلي كبريات السلاسل التجارية "للعمل على تنفيذ مبادرة" الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بخفض الأسعار، إلا أن خبراء ومحللين يرون أن ارتفاع الأسعار أمر لابد منه مع الرفع الأخير لسعر المحروقات.
هل يمكن ضبط اسعار السلع؟
على الرغم من أنه بعد كل رفع في أسعار الوقود تؤكد الحكومة المصرية أنها ستقوم بمراقبة الأسواق لضبط أسعار السلع وعدم استغلال التجار لرفعها بشكل غير منطقي لا يتناسب مع حجم الزيادة في سعر المحروقات، إلا أن الواقع دائماً ما يكون عكس ذلك. ففكرة الرقابة على الأسعار في سوق مفتوح تتعارضان مع بعضهما البعض.
ويرى أحمد السباعي مدير تحرير الأهرام الاقتصادي أن الدول في كل مكان في العالم تتدخل عندما توجد ممارسات احتكارية أو اتفاق احتكاري بين عدد من التجار "فليس من المعقول أن يكون لدى مصر فائض في إنتاج السكر والبصل والأرز وسلع زراعية أخرى ونجد نقصاً لهذه السلع في الأسواق .. هنا يجب أن تتدخل الدولة عند وجود حالات انفلات كهذه تؤثر على الأسعار".
وتساءل السباعي في نهاية حديثه عن قدرة الدولة الفعلية في التدخل للحد من ارتفاع الأسعار، "فهل آليات الدولة قادرة على ضبط حقيقي للأسعار أو اتخاذ إجراءات من شأنها إنهاء الاتفاق الاحتكاري بين التجار؟ أعتقد ان هذا هو السؤال الذي يجب طرحه الآن".
بدوره يؤكد عيسى فتحي الخبير المالي والاقتصادي على أن "الدولة قادرة على ضبط الأسعار وستجلس وتتحدث مع التجار لكن بعد أسبوع واحد سيعود كل شيء كما كان من قبل وهو ما حدث في أزمة السكر".