مصر: ندوب نفسية لدى تلاميذ مدارس ميدان التحرير
١٧ مارس ٢٠١٣كشفت دراسة مصرية طبية حديثة أجريت على تلاميذ المدارس في المنطقة المحيطة بميدان التحرير عن إصابة الأطفال في تلك المدارس بأعراض نفسية بسبب أحداث العنف التي شهدتها تلك المنطقة أثناء ثورة 25 يناير مثل التوتر والقلق والاكتئاب واضطرابات ما بعد الصدمة. وذلك في سياق فعاليات المؤتمر السنوي العاشر للعلوم الطبية، الذي نظمه المركز القومي للبحوث الشهر المنصرم.
الطلاب تعلموا "الدفاع عن النفس"
ترى الأستاذة نهى الشرنوبي، وهي مديرة مدرسة الليسيه، أن "الطالب يتأثر نفسيا من الأحداث لاسيما في عمر المرحلة الابتدائية، لأن الطالب في المرحلة الثانوية يدرك معنى الأحداث ويعي تماما ملابسات حرق مدرسته، بينما الطالب في المرحلة الابتدائية مرتبط بمدرسته بشكل عاطفي".
وقالت الشرنوبي، التي بدت صامدة أثناء حديثDW عربية معها، "الطلاب يخشون الحقن فما بال برؤية مدرسته وكتبه وأدواته تحترق.. الأثر النفسي يكون بالغا".
وتروى الشرنوبي موقف حدث لتلميذ جلب مسدس أطفال للمدرسة، وبسؤاله عن أسباب حمل السلاح رد ببراءة قائلا "لكي أدافع عن مدرستي لو حد حاول حرقها مرة أخرى".
وأوضحت الشرنوبي أن "الأخصائيين الاجتماعيين والنفسين بذلوا جهودا شتى لاحتواء الأزمة ويتعاملون مع كل حالة على حدة".
ويؤكد الأستاذ مجدى خزمان، مدير مدرسة فرير الفرنسية الواقعة بمواجهة المقر الرئيسي لوزارة الداخلية قرب التحرير، لـDW عربية أنه "بالرغم من تأثر الطالب نفسيا بالأحداث بيد أن المدرسة تحاول بقدر الإمكان تهيئة الأجواء النفسية للطالب"، وتابع "اضطرت المدرسة إلى تخفيض ساعات الدراسة اليومية لإخراج الطلاب من المدرسة مبكرا".
وتحاول إدارة المدرسة تكييف الطلاب بعدم خطورة الأحداث حتى لا يتأثرون نفسيا.
العنف ترك ندوبا نفسية لدى الطلاب
وتقول أنجي علي الطالبة في الصف الخامس الابتدائي في مدرسة الليسية الفرنسية القريبة من ميدان التحرير،للـ DW عربية " أنها تحزن كثيرا عندما تسمع عن أحداث عنف في ميدان التحرير "لأن ذلك يفضي إلى تغيّبها عن المدرسة التي تعشقها ويفوت عليها حصص دراسية مهمة". وقالت انجي بشكل قلق "أتأثر نفسيا عند مشاهدتي لأحداث العنف على التليفزيون واحزن أكثر عندما اسمع عن وقوع ضحايا وقتلى". وأردفت قائلة "تأتيني أحيانا كوابيس أن مدرستي تُحترق مرة أخرى".
الأخصائيون الاجتماعيون يعالجون الطلاب نفسيا
بدوره، يقول الأستاذ هاني أرستو، وهو أخصائي اجتماعي في مدرسة الليسيه الفرنسية لـDW عربية أن "مشاهد العنف المختلفة مثل تبادل إلقاء الحجارة والاشتباكات بين البلطجية والشرطة تؤثر بشكل سلبي على نفسية الطالب، هذا إلى جانب الأثر النفسي لنقل الطلبة من مقر دراستهم المعتاد لأماكن أخرى بعد حريق المدرسة". وأضاف قائلا :"الطلاب يشتكون مرارا نتيجة لنقلهم".
ويعمل أرستو في ظروف مهنية ونفسية صعبة تتضمن ضغوط كبيرة لإخراج طلابه الأطفال والمراهقين من الأثر النفسي للأحداث. وقال ارتسو إن "مهمتي تشجيع الطلبة لعدم الرحيل وأن يستمروا في المدرسة لحين رحيل آخر طالب، وأن يمتص مشاعرهم السلبية". متابعا بفخر أن "إدارة المدرسة تشجع الطلاب كثيرا على الصمود وتحمل حريق مدرستهم".
ويقول ارستو إن "سلوكيات الطلاب حاليا اختلفت كثيرا عن قبل الثورة لأن الطالب ترسخ بداخلة عقيدة (الدفاع عن نفسه بنفسه) دون اللجوء إلى أحد". وأضاف "لم يعد الطالب يخاف من أي شخص يكبره".
بدوره، يؤكد الأستاذ جرجس حاضر، أخصائي اجتماعي في مدرسة فرير، أن "المشكلة الأكبر تكمن في الأطفال الذين يسكنون بجوار ميدان التحرير، نظرا لصعوبة الوصول إلى مدرستهم أثناء الاشتباكات في ميدان التحرير، وهو ما يؤثر عليهم نفسيا بالسلب لأنهم يعيشون الأحداث مرتين". مستكملا "مرة بسبب غيابهم عن مدرستهم ومرة بسبب الانخراط فيها". وهو ما يعد أشد الحالات، وفقا له.
ويقول جرجس لـDW عربية إن "إلغاء الأنشطة والرحلات يغضب الطلاب"، لكنه أضاف "مع ذلك تحاول إدارة المدرسة إقامة أنشطة ترفيهية حتى لا يصابوا بإحباط".
وكشف أن ألعاب الأطفال في المدرسة تأثرت بالمتغيرات السياسية المحيطة بهم، موضحا لـDW عربية أن "الطلاب ابتكروا العاب جديدة تتماشى مع الأحداث فهم يلعبون العسكر والشرطة والشعب.. تارة الشعب يضرب في الشرطة وذلك في بداية الثورة ثم تارة أخرى يضرب في الجيش، لاسيما عندما كان المجلس العسكري يتولى زمام البلاد. وهو الأمر الذي يكشف إلى أي مدى يتأثرون بالأحداث".
وأضاف "الطلاب استلهموا العنف في ألعابهم حيث ابتكروا العاب جديدة تتضمن كل ما يشاهدوه من عنف حولهم"، مفسرا "الطلاب الآن يغطون الزجاجات بلاستكية بقطع من الورق ويقوموا بإلقائها على بعضهم البعض.. في تقليد لإلقاء زجاجات المولتوف الحارقة أثناء الاشتباكات"، وتابع "طلاب آخرون قاموا برسم بابا نويل على هيئة دبابة".
ويستكمل جرجس قائلا إن "سلوكيات الطالب نفسه تغيرت هي الأخرى.. وأن العنف هو الصبغة السائدة حاليا"، وتابع "معدل العنف لدى الطلاب يزداد مع السن فالطلاب الأصغر سنا معظمهم يمارسون العنف اللفظي أما الأكبر فهم يمارسون العنف البدني". ويقول جرجس إن المدرسة تحاول السيطرة على الأمر مع التشديد على مواجهة العنف البدني بكل صرامة.
الأطفال ضحية أحداث العنف السياسي
وتعتقد الدكتورة عزة كريم، أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن "الأطفال من أكثر الفئات العمرية التي تتأثر بما تراه وتعايشه، وهذا التأثير يكون على المدى القريب والبعيد لأنه يترسخ في اللاشعور ويترسب ما يرونه في الصورة الذهنية، وهو ما قد ينعكس على سلوكهم طوال العمر".
وأضافت "ما يراه الأطفال في المدارس القريبة من ميدان التحرير يؤثر بشكل سلبي على تشكيل شخصيته وممارساته، بحيث أن يشعر بمشاعر مختلفة مثل الخوف والرعب وفي نفس الوقت يحاول التقليد".
وقالت الدكتورة عزة "الطفل ذكي بطبعه..وهو يرى أن المتسببين في أحداث العنف لا يعاقبون وبالتالي يعطيه القوة للتقليد دون خوف من عقاب".
وأضافت "رؤية الأطفال لهذه السلوكيات لها أكبر تأثير وإذا لم تولد العنف، فعلى الأقل ستولد شعور القلق، وبالتالي لن يكون في المستقبل شخصا سويا".