مطرقة القانون وسندان الخلافات الشخصية يذبلان زهور مدونات المغرب
٢٥ أكتوبر ٢٠١١يمر التدوين في المغرب في ظروف لا يحسد عليها، في وقت أضحى للمدونين دور هام في خلق حراك مجتمعي على غرار ما حدث ويحدث في بلدان "الربيع العربي". مشاكل المدونين المغاربة وصلت ذروتها بعد أن أعلن سعيد بنجبلي، رئيس جمعية المدونين المغاربة، حل المكتب التنفيذي للجمعية وتشكيل لجنة مركزية انتقالية ممن تبقى من أعضاء المكتب التنفيذي وأعضاء المجلس الوطني.
وبالرغم من أن ثقافة التدوين ليست موغلة في المغرب ولم تظهر تباشيرها إلا في السنوات القليلة الماضية، إلا أن أعداد المدونات والمدونين تضاعفت بشكل كبير، وبرزت كوسيلة إعلامية تنافس بما تقدمه للقارئ من مواضيع وسائل الإعلام التقليدية، وتقض بين الفينة والأخرى مضاجع السلطات، وتسلط الضوء على مناطق الظل، وتتطرق لمواضيع تصنف ضمن الخطوط الحمراء.
أصل المشكل
بالرغم من أن جمعية المدونين المغاربة تعد من أهم الجمعيات العربية المهتمة بالتدوين والأولى التي أصدرت ميثاقا يحدد أخلاقيات التدوين، إلا أنها لا تتوفر على سند قانوني رغم إنشائها منذ سنة 2007، وانضواء أكثر من 300 مدون ومدونة تحت لوائها. ويفسر سعيد بنجبلي، رئيس جمعية المدونين المغاربة، في تصريح لدويتشه فيله، أصل هذا المشكل بأن السلطات لم تمنح الجمعية التصريح القانوني "بدعوى وجود عناصر داخل الجمعية تنتمي إلى جماعة العدل والإحسان المحظورة، وأن هذا الأمر شكل أحد أوجه الضغط الذي يمارس على المدونين، بسبب تخوف السلطات المعنية من التدوين لما له من دور كبير في فضح أوجه الفساد."
وبخصوص المشاكل بين أعضاء الجمعية يقول بنجبلي" إن الاتفاق كان منذ البداية على أن الجمعية سيكون لها هدف واحد وهو لم شمل المدونين والدفاع عن مصالحهم، والابتعاد عن الصراعات السياسية وعن جعل الجمعية منبرا لطرف معين لكي يمرر منه رسائله." ويضيف بنجبلي "أنه بعد ظهور حركة 20 فبراير حاول عناصر ينتمون إلى اليسار السيطرة على الجمعية وتوظيفها لحسابات سياسية، وهو ما خلق تصدعا في صفوف المدونين."
الرئيس يستفرد بالقرار
من جهة أخرى يرى محمد ملوك، الأمين العام السابق لجمعية المدونين المغاربة، والمستقيل منها مؤخرا، "أن مشاكل الجمعية تتلخص في كون رئيسها الحالي سعيد بنجبلي أخذ يستفرد بالقرار دون الرجوع إلى باقي الأعضاء، و قد سبق للمكتب التنفيذي أن أقاله بعد تراكم مجموعة من الخروقات القانونية والتصرفات اللامسؤولة من قبله والتي أضرت بسمعة الجمعية"، مضيفا أن ما يقوم به بنجبلي الآن "أمر غير قانوني مادام القانون الأساسي للجمعية في بنديه 29 و 30 يخول للمكتب اتخاذ ما يراه مناسبا لضمان تدبيرها وحسن سيرها إذا توفرت الأغلبية النسبية، وهو ما حدث مع قرار إقالة بنجبلي." وردا على ما اعتبره بنجبلي توظيفا للجمعية في حسابات سياسية يعتبر محمد ملوك "أن ذلك محاولة لتحوير النقاش والخروج به عن جوهر الموضوع."
"صحفيون رقميون" في السجن
تزايد عدد المدونين وتعاظم دورهم في التأثير على الرأي العام دفع بالسلطات المغربية إلى محاولة كبح جماحهم والحيلولة دونهم و دون خلق سلطة قائمة بذاتها. فكان من وسائل الضغط التي استخدمت بداية الأمر كما يقول سعيد بنجبلي رئيس جمعية المدونين المغاربة، "محاولة تجنيد بعض المدونين من قبل أجهزة المخابرات المغربية. ولجوء السلطات في مرحلة أخرى إلى طريقة ثانية لوقف مد المدونين وذلك عبر تلفيق تهم ضدهم ثم الزج بهم في غياهب السجن."
فصول محاكمة المدونين المغاربة انطلقت بقضية محمد الراجي الذي نشر في 3 سبتمبر 2008 مقالا في موقع الكتروني تحت عنوان "الملك يشجع الشعب على الاتكال" فجرت ملاحقته بموجب المادة 41 من قانون الصحافة بتهمة "الإخلال بالاحترام الواجب للملك". لتتناسل فيما بعد المتابعات القضائية في حق المدونين المغاربة، ويأتي الدور على "الصحفي الرقمي" حسن برهون، ابن مدينة تطوان شمال المغرب، و الذي أدين بتهمة نشر أخبار زائفة، واتهامه للسلطات بالتورط مع تجار المخدرات. و تلا ذلك محاكمات عديدة أخرى كان آخر المتهمين فيها محمد الدواس الذي يقبع حاليا في السجن بتهمة الاتجار في المخدرات. "وفي كل مرة تلفق تهمة معينة من أجل إخراس المدونين." يقول سعيد بنجبلي رئيس جمعية المدونين المغاربة.
ضرورة الاعتراف بالمدونين قانونيا
يرى عبد الوهاب الرامي، الخبير الإعلامي، "أن انتظام المدونين المغاربة في جمعية هو أمر شرعي، على اعتبار أن قانون الجمعيات لا يقصي هذا النوع من التجمع، ويظل لهم بالتالي كامل الحق في تأسيس جمعيتهم التي ينظمون عبرها أنفسهم، ويطالبون من خلالها بحقوقهم، كما يؤكدون ضمنها على واجباتهم المهنية والأخلاقية كمنخرطين." وتلكؤ السلطات عن الاعتراف بالجمعية ومنحها السند القانوني يعتبر أحد مظاهر التخوف من المدونين، لكن رغم ذلك يقول الرامي" إن الجمعية قائمة بأعضائها، وباجتماعاتها الدورية، كما أنها تصدر بلاغاتها في جملة من القضايا الحساسة بالمغرب. ومن هذا المنطلق، فهي جمعية فعلية وليست افتراضية."
بيد أن ما يعاب على جمعية المدونين المغاربة في نظر الخبير الإعلامي، "أنها لم تستطع استقطاب عدد كبير من المدونين، ربما لرفع سقف شروط الالتحاق، أو لأسباب تتعلق بتمثل جزء من المدونين المغاربة الذين لم يلتحقوا بالجمعية لموقعهم ودورهم في ما يجري بالساحة المغربية من تطورات، وربما كذلك لأصداء الخلافات الداخلية بين أعضاء الجمعية."
وبالرغم من كل ما يمكن ملاحظته على التدوين في المغرب، لا يستطيع أحد أن ينكر حسب الرامي "أن التدوين أصبح واقعا اليوم، وهو من سمات مجتمع المعلومات والمعرفة. وانتظام المدونين في جمعية معترف بها قانونيا سيمنحها شرعية الفعل، بموازاة مع تعزيز مسؤوليات المدونين، بما يتلاءم وتطور حركية المجتمع".
عبد المولى بوخريص – الرباط
مراجعة: منى صالح