معهد ثقافة الإسلام في باريس ـ فضاء منفتح لتفاعل مختلف الثقافات
١٤ نوفمبر ٢٠١٠
من أين انطلقت فكرة تأسيس هذا المعهد؟ وهل باريس بحاجة إلى مؤسسة جديدة تهتم بالحضارة الإسلامية؟
فيرونيك ريفيل: صاحب فكرة انشاء معهد الثقافات الاسلامية هو السيد بيرتران دولانويه رئيس بلدية باريس. لقد ولد في تونس ولديه ذكريات كثيرة عن ثقافة هذا البلد. فكرته تلخصت في إيجاد مكان تتفاعل فيه الثقافات الاسلامية مع الفرنسية، فضاء منفتح ليس للمسلمين فقط، وإنما للجميع، المنحدرين من ثقافات مختلفة، المتدينين وغير المتدينين، لكي يقتربوا من هذه الثقافات التي لها علاقة بالإسلام ويتفاعلوا معها. الثقافة في خدمة الحوار لتؤدي دورها كمصدر للمعرفة والفهم والاحترام المتبادل. فالإسلام هو الديانة الثانية في فرنسا وبشكل خاص في باريس. وفي فرنسا يعيش أكثر من ستة مليون مواطن فرنسي من أصول اسلامية. والإسلام يتكون من ثقافات متنوعة ومختلفة. من هنا أتت فكرة المعهد للتعريف بثقافات أصبحت جزءا من هذه المدينة لكنها غير معروفة، أو يُنظر إليها بشكل سئ.
في عام 1926 شيـّد جامع باريس الكبير من قبل الحكومة الفرنسية كتكريم للجنود المسلمين الذين حاربوا مع فرنسا في الحرب العالمية الأُولى. وكان هذا أول مشروع اسلامي في فرنسا. عام 1980 تأسس في عهد الرئيس ميتران "معهد العالم العربي" الذي يهتم بالثقافة العربية. لكن الإسلام ليس للعرب فقط، فأكثرية المسلمين هم غير عرب. من هنا ولدت فكرة إنشاء معهد يهتم بثقافات بلاد الإسلام جميعها، ليكون المشروع الثالث للحكومة الفرنسية في هذا المجال.
متى تأسس هذا المعهد؟
ريفيل: المعهد تأسس عام 2006. وهناك معهد ثان تبنيه بلدية باريس بميزانية 22 مليون يورو سيكون جاهزا عام 2013. في هذه الأثناء، نقوم حاليا بنشاطات ثقافية حرفية مختلفة بالتعاون مع مؤسسات ثقافية تعمل في مجالات عديدة. وعندما يُصبح المبنى الجديد جاهزا فلن يبدأ العمل فيه من الصفر، وإنما ستكون هناك استمرارية لما تم إنجازه من قبل.
هل هدف المعهد الوصول إلى المواطن الفرنسي غير المسلم؟ أم سيكون مركزا ثقافيا للمسلمين في باريس؟ من هي الفئة التي سيتوجه إليها المعهد؟
ريفيل: هذا المعهد هو لكل الناس. من المهم الانتباه إلى وجود جدران مُشيدة بين الناس في هذا البلد، فرنسا. خصوصا تجاه أولئك المنحدرين من أصول إسلامية. لايهم هل حدث هذا عن وعي أو نتيجة سوء فهم. المهم أن معرفة الآخر غير كافية. مثلا هناك شبان يصومون رمضان دون ان يعرفوا معنى الصيام. وهناك من غير المسلمين من يستغرب ويتساءل:"ماهذا الصيام؟ ولماذا؟". الطرفان بحاجة إلى معرفة وتوعية.
كما نحن نعمل مع جمعيات ومؤسسات ثقافية واجتماعية من كل أطياف المجتمع الفرنسي، إسلامية أو غير إسلامية. المعهد موجود لكسر الحواجز القائمة بين المواطنين في باريس. فالإسلام هو اليوم واقع في فرنسا. لا يمكن أن نغمض أعيننا فلا نرى مايدور حولنا. الحوار يساعد على الانفتاح على الثقافات الإسلامية التي أصبحت جزءا من ثقافة هذا البلد.
الغريب في الموضوع أن دولة مثل فرنسا "أم العلمانية" قررت تمويل معهد للثقافات الاسلامية. في فرنسا يوجد فصل كامل بين الدين والدولة، والإسلام كما المسيحية هو دين بالدرجة الاولى. ألا يوجد تناقض في الأمر؟
ريفيل: قانون العلمانية أقر عام 1905 من أجل الحد من سيطرة الكنيسة الكاثوليكية على الدولة. لكن العلمانية ليست ضد الدين، بل بالعكس هي مع التعدد والتنوع . نحن في مشروعنا نُقر بتعدد الأديان والمعتقدات، والإسلام واحد منها. نحن نُطبق العلمانية بمفهومها الأساسي كما ظهرت في القرن التاسع عشر. نحن مع فكرة التعدد وليس هدفنا إنتاج مشروع ديني، لكن حسب مفهوم العلمانية لسنا ضد الدين . نحن ضد سيطرة أي دين.
لكن في فرنسا قانون يمنع كل الرموز الدينية في المرافق التي تُشرف عليها الدولة. حتى في المدارس الرسمية لاتوجد مادة الديانة. ومشروعكم يتم تمويله من أموال الضرائب. ألا يوجد إشكال قانوني بذلك؟
ريفيل: المعهد ليس له بُعد ديني وإنما بُعد ثقافي. مثلا عندما تدخل إلى متحف اللوفر تجد قاعات فيها رموز دينية. إن البعد الثقافي يُساعد على فهم الاسلام بطريقة أخرى. فالإسلام مثل كل الأديان له وجه مُتزمت ووجه حضاري جميل. إذاً البعد العلماني للإسلام هو ثقافي. عندما يزور شاب متحف اللوفر ويشاهد لوحة للعذراء مريم حاملة طفلها سيتساءل من هذه المرأة. في المدرسة لم يتعلم أي شئ عن الدين وتاريخه. إذاً يجب أن يعرف من هذه المرأة ومن هو الطفل، وبذلك تتحول اللوحة ذات البعد الديني الى رمز ثقافي.
هل نشاطات المعهد مُقتصرة على الوضع في فرنسا ام سيوسع نشاطه أوروبيا؟
ريفيل: حتى الآن كان الإسلام في فرنسا مُرتبطا بالاستعمار القديم كما بالهجرة. بعد سقوط جدار برلين حدث تغير في فرنسا. لذلك يجب إعادة النظر في كل المفاهيم عن الثقافات الإسلامية التي كانت سائدة. وهذا لايمكن تحقيقه في فرنسا فقط وانما بالتعاون مع عواصم أوروبية أخرى مثل برلين ومدريد حتى يتكون شئ اسمه "إسلام أوروبي" الذي هو جزء من الثقافة الغربية. يجب الشروع في الحوار ليتشكل إسلام مُستقل عن الدول الاسلامية.
في العديد من الدول ذات الأغلبية الاسلامية يعيش مواطنون ينتمون إلى ديانات ومٌعتقدات أخرى، وهم جزء من المكون الثقافي لهذه البلدان. الكثير منهم يعيش أيضا في فرنسا. هل لهؤلاء مكان في هذا المعهد؟
ريفيل: في فرنسا هناك تميز واضح بين الإسلام كدين والإسلام الذي يعني الإسلام الثقافي والحضاري والتاريخي. نحن نحاول الربط بين المفهومين لكي ينفتح الإسلام الديني على الاسلام العلماني الثقافي. وهذا مايساعد في الحوار مع الآخرين. هكذا تُفهم العلمانية. عندما نتحدث عن الإسلام الثقافي نعني به أيضا الناس المنتمين إلى الديانات والمعتقدات الأخرى الذين ينحدرون من الدول الإسلامية. إننا نُريد التعريف بالإسلام الذي أثرً في الثقافات الأخرى وتأثر بها.
هل تعتقدين أن هناك إسلاما فرنسيا آخذا في التطور؟
ريفيل: مثلما حدث في التاريخ أن الإسلام انتشر في بلدان عديدة وأخذ اشكالا مختلفة على حسب طبيعة هذه البلدان، نجد اليوم في فرنسا إسلاما في طريق التكوين له خصوصياته يختلف عن الإسلام في الدول الأخرى.
ماهي نوع النشاطات والفعاليات التي يقوم بها المعهد؟
ريفيل: نقوم بنشاطات عديدة مثل تعليم اللغة العربية والخط العربي، إضافة إلى ورشات عمل في المسرح والموسيقى والأدب. تقتصر نشاطات متحف اللوفر ومعهد العالم العربي على إبراز العصر الذهبي للحضارة الإسلامية. نحن نحاول خلق مشاريع جديدة لمبدعين منحدرين من هذه البلدان لنظهر أن هناك ثقافة معاصرة موجودة. مثلا أقمنا عرضا كبيرا عن "الحب العذري" وهناك نظرة أن هذا الشكل الأدبي هو من إبداع الغرب. لكن لو قرأنا كتاب أراغون الشعري "مجنون الزا" لرأينا كم تأثر هذا الشاعر بكتاب مجنون ليلى. فهذا دليل على وجود حضارة انسانية متبادلة ما بين الشرق والغرب. وقد قام بإنجاز هذا المشروع الموسيقي السوري عابد عازرية مع الكاتب الفرنسي المعروف جان كلود كارير.
وهناك مشروع آخر لفنان فرنسي اسمه فرنسوا مورلين. حين زار الأندلس لأول مرة عام 1965 ورأى الفن المعماري في اشبيلية وقصر الحمراء انبهر كثيرا وأعاد النظر في كل آرائه. واكتشف هناك ما أعطته الهندسة العربية الاسلامية للغرب.
لذلك أصبح يميل الى مشاريع جديدة. ونحن سنقيم له معرضا عن علاقة الفن المعاصر الغربي بالفن العربي والاسلامي. هذا مانجده ايضا في أعمال ماتيس وكليه ودي لاكروا الذين تأثروا بالفن الذي نشأ في البلدان ذات الطابع الاسلامي. الغرب كان دائما لايعترف بالتاثير الثقافي للشرق، حيث كان هناك من يدعي بأن الغرب منفصل عن الشرق ولم يأخذ منه شيئا. من خلال هذه النشاطات نُحاول إحياء العلاقة التي كانت قائمة بين الثقافة العربية الاسلامية والثقافة الغربية المعاصرة.
أجرى الحوار: سليمان توفيق
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2010