هل انتصر الأسد؟
٩ أغسطس ٢٠١٤أجرت DWعربية حوارا مع بينته شيلر، الدبلوماسية الألمانية السابقة ومديرة مكتب الشرق الأوسط لمؤسسة هاينريش بول في بيروت، وجهت خلاله انتقادات للسياسات الغربية في تعاملها مع الملف السوري عموماً، وملف اللاجئين على وجه الخصوص، كما تطرقت إلى علاقة النظام السوري بالجماعات المسلحة، وبخاصة تنظيم الدولة الإسلامية، داعش سابقا. إضافة إلى وضع المعارضة السورية حالياً، ولماذا فشلت في تقديم نفسها بديلاً لنظام الأسد!
DW-عربية: منذ بداية الاحتجاجات في سوريا في آذار/مارس 2011 زعم الأسد أنه يحارب الإرهاب. وحالياً تواجه سوريا، والعراق أيضاً، تنظيم "الدولة الإسلامية"، داعش سابقا. هل يعني ذلك أن الأسد كان على حق؟ وهل انتصر الأسد في المراهنة على الوقت؟
طيلة عقود كان النظام السوري يُعتبر داعماً للإرهاب. لذا يدرك الأسد جيداً مدى أهمية تأجيج مخاوف العالم تجاه الإرهاب. لقد شاهدنا جميعاً صور الاحتجاجات السلمية في بداية الثورة. لقد كانت احتجاجات لا تطالب بإسقاط النظام، بل بإجراء إصلاحات حقيقية.عندما تحدث الأسد في ذلك الوقت عن "الإرهاب"، عندما لم تكن الانتفاضة مسلحة، أو حتى عندما لم تكن هناك قوى إسلامية في سوريا، كان يسعى إلى إثارة مخاوف الأقليات، ولكن خطابه كان موجهاً للغرب أساساً.
لتطرف بعض أطراف المعارضة أسباب عديدة: فقد تركها الغرب تواجه مصيرها لوحدها. وفي الوقت ذاته هدد ولاحق النظام منذ البداية الشخصيات القيادية المدنية والكاريزماتية أي المؤثرة، فاعتقل الكثير منهم، أو قتلوا أو غادروا البلاد. كما أن قوات الأمن والجيش عمدت إلى تقسيم المجتمع على أساس طائفي. لنأخذ مشهداً ورد في مقاطع فيديوهات كثيرة من السجون، وفيه يجبر الجلادون المعتقلين على قول "لا إله إلا بشار". حتى الإنسان العلماني بإمكانه أن يفهم مدى شدة الإذلال والإهانة.
أن نقول: إن الأسد كان محقاً، هو كأن نثني على من تعمد إشعال حريق، لأنه استدعى رجال الإطفاء. وعلى الصعيد العالمي فقد أتت إستراتيجية "المراهنة على الوقت" بثمارها على أية حال: ففي ظل الحتمية المفترضة عن إمكانية وصول الإسلاميين إلى السلطة، لم يكن أحد يريد إيجاد حل جدي للصراع. حالة الترقب تلك مكنّت الأسد من الاستمرار في ممارساته، والتي دفع الشعب السوري ثمنها باهظاً.
لماذا لم تنجح المعارضة السورية في تقديم نفسها كبديل للنظام؟ هل يمكن القول إن فشلها أدى إلى ظهور جماعات جهادية في سوريا وتقويتها؟
تعمل المعارضة تحت ظروف صعبة: فراغ سياسي خلفته 40 عاماً من الديكتاتورية، حالة عدم الاتفاق بين الدول الداعمة للمعارضة. ونظراً للعنف الفظيع في سوريا، أمل السوريون على الأقل أن يتفق الائتلاف الوطني على بعض النقاط الأساسية، وأن يقوم بتحسينات ملموسة في المناطق المحررة. لكنهم أصيبوا بخيبة أمل.
من تظاهر من أجل الحرية والكرامة، لم يناضل ضد الأسد لكي يرضى بعد ذلك بحكم تنظيم "الدولة الإسلامية" داعش سابقا، الذي لا يعير تلك القيًم أي وزن.
بناءً على ذلك، فإن سياسة المعارضة لم تكن السبب في دفع الناس إلى الارتماء في أحضان المتطرفين. ولكن على الصعيد العملي، فقد كان الإسلاميون هم الوحيدون الذين يمتلكون المال، وعلى المرء أن لا يقلل من أهمية ذلك في ظل الفقر المتنامي داخل سوريا.
تحدثتي سابقاً عن علاقة عضوية بين تنظيم "الدولة الإسلامية" ونظام الأسد. لكن الأيام الماضية شهدت مواجهات عنيفة في شرقي سوريا بين التنظيم والجيش السوري!
لنظام الأسد باع طويل في دعم الجماعات المسلحة غير النظامية، لطالما كانت تخدم مصالحه، بغض النظر عما إذا كانت علمانية أو متدينة. وقد ذكرت ذلك في كتابي، كدعمه لحزب العمال الكردستاني حتى عام 1998، أو دعم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أو حماس أو حزب الله. لكن النظام لم يفهم أبداً أن جميع تلك المجموعات تسعى إلى تحقيق أهدافها الخاصة، ولا تريد أن تكون مجرد دمى في يد النظام. ربما أدرك الأسد الآن فقط، أن حساباته كانت خاطئة فيما يتعلق بتنظيم "الدولة الإسلامية". ليس هناك مبرر آخر في أنه لم يحارب التنظيم إلا الآن.
الغرب لا يريد التعامل مع الجهاديين، وفي الوقت ذاته لا يريد التعاون مع الأسد. من بإمكانه أن يقدم نفسه كبديل إذن؟ هل بإمكان المعارضة العلمانية لعب هذا الدور؟
التردد الطويل من قِبل الغرب أضعف المعارضة الديمقراطية. مشاهدة كيف سُحقت هذه القوى من قِبل النظام أولاً، ومن ثم من قِبل الإسلاميين؛ وبعدها أن يشتكي الغرب من أنه بالكاد توجد قوى معتدلة، فهذه سخرية في نظري. بغض النظر عن صغر وضعف تلك المعارضة: علينا تقويتها. وبعيداً عن السؤال السياسي المتعلق بالبحث عن البديل، فليس بإمكان المرء أن يراقب بلا مبالاة قتل الآلاف وتدمير بلد برمته، فقط لأن هذا البلد يفتقر إلى حكومة ظل معارضة.
هناك علامات استفهام كثيرة متعلقة بمستقبل سوريا السياسي، ولا ينبغي أن تكون ذريعة لمشاهدة ما يحدث من انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان، دون فعل أي شيء تجاهها.
حتى وإن لم تكن الحرب في سوريا حرباً بالوكالة، فهناك مصالح أجنبية كثيرة بالطبع. لذا أعتقد أن الحل يجب أن يشمل الأطراف الإقليمية المعنية أيضاً.
يبدو أن الضغوطات الدولية على الأسد قد تراجعت، ويبدو أن سقوطه القريب لم يعد متوقعاً أكثر من أي وقت مضى. هل تأملين زخماً جديداً من قِبل ألمانيا وأوروبا والولايات المتحدة؟ وما هو نوع هذا الزخم؟
الفرصة الوحيدة في ممارسة الضغط على النظام أُهدرت في الخريف الماضي. خلال الفترة القصيرة، التي بدا فيها أن التدخل العسكري بات وشيكاً، كان النظام السوري مستعداً لتقديم التنازلات. لكن بدلاً من وضع حد للضربات الجوية، اكتفى المجتمع الدولي بموافقة النظام السوري على تسليم سلاحه الكيماوي.
وعوضاً عن محاسبة النظام جراء استخدامه السلاح الكيماوي، تم تكريمه بشكل غير مباشر، وسُمح له في الاستمرار في تعذيب الناس حتى الموت، وتحويل المدن إلى أنقاض بفضل البراميل المتفجرة التي يرميها يومياً.
في الوقت الحالي، أنا أرى، كما في السابق، أن الولايات المتحدة وأوروبا غير مستعدة للتدخل في سوريا بشكل جاد. كما أن النزاعات الأخرى، كما هو الحال في غزة أو أوكرانيا، أبعدت الملف السوري عن وسائل الإعلام. إضافة إلى ذلك يدرك السياسيون الغربيون أن الملف السوري لن يقربهم من ناخبيهم.
أتمنى أن يعترف الساسة الغربيون أخيراً أن هذا النزاع لن ينتهي من تلقاء نفسه. حتى وإن لم تكن هناك ضمانات لنجاح التدخل، فإنه إذا لم يحدث التدخل فمن المؤكد أن الوضع سيصبح أكثر مأساوية، وأن الأمن سيصبح مهدداً أكثر.
وافقت ألمانيا على استقبال 25500 لاجئ سوري على أراضيها. كيف تقيمين هذه الخطوة؟ ألا ترين أنه ينبغي على ألمانيا تقديم المزيد في هذا الخصوص؟ كيف تقيمين السياسة الألمانية في التعامل مع الصراع في سوريا؟
أرى أنه من العار على أوروبا أن تلعب ألمانيا دور الريادة حتى الآن فيها، بعد موافقتها على استقبال 20 ألف لاجئ. جميع دول الجوار لسوريا تواجه وضعاً أسوأ بكثير، ومع ذلك استقبلت مئات الآلاف، إن لم نقل ملايين. في هذا الجانب أرى أنه لا يزال بإمكان ألمانيا وباقي دول الاتحاد الأوروبي تقديم الكثير. علاوة على ذلك يتعين على تلك الدول دعم البنى التحتية في دول الجوار.
ولكن، ينبغي أن يدرك المرء أن إغاثة اللاجئين، برغم أهميتها أيضاً، هي في النهاية مجرد تجميل للأعراض، فكثير من اللاجئين يريدون العودة إلى ديارهم، ولكن القصف المستمر من طرف النظام ووحشية الجماعات المتطرفة لا يسمحان لهم بذلك.
بالإضافة إلى ذلك فقد خسر كثيرون كل شيء بفعل الغارات الجوية، ولم يعد لديهم موطئ قدم يعودون إليه. دون التوصل إلى حل سياسي للنزاع ستزداد أعداد الناس التي تتعرض للتهجير بشكل يومي.